أخبار المملكة

الأديبة الراحلة سهام الخليفة، روحٌ تجسّد الكلمات على أوراق “حرية مكبّلة”

 

 

عبدالله بن صالح. – الرياض

 

في ليلةٍ دافئة المشاعر، اجتمعت القلوب قبل الأجساد في حفل تدشين أقرب لحفل تأبين للأديبة السعودية الراحلة سهام حسين الخليفة، ليلة الخميس الرابع من ديسمبر كانت أقرب إلى حضرة روحٍ منها إلى حفلٍ تدشين، فقد عادت الأديبة السعودية الراحلة سهام حسين الخليفة لتكون بين الحضور مجدداً، ليس بجسدها الذي غادر قبل ثلاث سنوات، بل بكلماتها التي طالما رفضت الأسر، فحلَّقت حرةً فوق أوراق كتابها الأخير «حرية مكبّلة».

مساء الخميس، وفي قلب الأحساء النابض بتراث العلم والأدب، احتضن الشريك الأدبي ملتقى «كوب كتاب» بالتعاون مع نادي مكتوب الثقافي ودار مكتوب للنشر أمسيةً لم تكن مجرد تدشينٍ لمجموعة قصصية، بل كانت وفاءً لامرأةٍ كتبت فأحيت، وصمتت فبقيت تتكلم. عندما انفتح باب القاعة، كان أبناء سهام أول الحاضرين، يحملون في عيونهم فخراً ممزوجاً بحنينٍ لا ينطفئ، ثم توافد المثقفون وجمع من الأصدقاء لتُحيى ليلةً تعلم منها الحاضرون أبجدية الإخلاص قبل أبجدية الحرف.

استهل الأمسية مدير ملتقى كوب كتاب الأستاذ حسين المسلم بكلمةٍ جعلت الصمت يبكي، وسلَّط فيها ضوءاً خافتاً على مسيرة أدبيةٍ بدأت بـ«بين ألم وأمل بدأت حكاية» وانتهت بهذا الكتاب اليتيم الذي رأى النور بعد غياب صاحبته، ثم عبّر الناشر عبدالعزيز الجاسم في كلمته عن فخره واعتزازه بالأديبة الراحلة ومسيرتها الثقافية، فلم يتحدث عن كاتبةٍ فحسب، بل عن أمٍّ وأختٍ كبرى ومعلمةٍ في مدرسة الوفاء، قال بصوتٍ يقاوم الاختناق: «كنت ولا أزال أتعلم من سهام معاني الصبر والإصرار على تحقيق النجاح وتحويل الأحلام إلى واقع». وأعلن أن إصدار «حرية مكبّلة» ليس عملاً تجارياً، بل «مبادرة وفاء» لامرأةٍ تركت في نفوسنا أثراً أعمق من الحبر على الورق، وعندما عُرض التسجيل المرئي الذي تحدثت فيه الكاتبة عن رحلتها الأدبية أثناء مشاركتها في مؤتمر بستان قلم الذي عقد في الكويت عام 2019م؛ تحولت القاعة إلى صمتٍ مطبق، وكأن الجميع يخشى أن يزعج صوتها الذي عاد من بعيد ليحيي القلوب. تحدث بعدها ابنها الأكبر الأستاذ حسين بن سعد نيابة عن إخوته، فقال كلماتٍ لم تكن شكراً للحاضرين فقط، بل رسالةً إلى السماء: «اليوم تحقق حلمٌ كانت أمي تحمله في قلبها، فشكراً لكل من أدخل السرور على روحٍ لا تزال تبتسم لنا من مكانٍ أرفع». وإذا كانت الكلمات دموعاً تُكتب، فإن كلمة الباحث عبدالله الجاسم كانت دمعةً طويلة؛ استعاد فيها تاريخ عائلة الخليفة الأحسائية التي أنجبت علماء وأدباء، وكيف كانت سهام حلقةً مشعةً في سلسلةٍ من التنوير لا تنقطع، وختم الأستاذ باسم الخليفة المشهد بصوتٍ يختلط فيه الحزن بالاعتزاز، مستذكراً طفولةً مشتركة، وأختاً كانت كتاباً مفتوحاً للجمال والعلم والحنان قبل أن تقرر أن تكتب كتباً للناس.

وغادر الحضور بعد التقاط صورٍ تذكارية والكتاب بأيديهم، لكن قلوبهم بقيت مكبّلةً بشخص امرأةٍ اختارت أن تُسمّي آخر أعمالها «حرية مكبّلة»، لأنها عرفت – قبلنا جميعاً – أن الحرية الحقيقية ليست في فكّ القيود، بل في أن تظل الكلمة تطير حتى لو غاب الجسد.

رحم الله سهام الخليفة، فقد ارتحلت إلى بارئها وغادرت الدنيا بجسدها، لكنها ستظل حيّة في كل صفحةٍ كتبتها، وفي كل قلبٍ قرأها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى