المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتةاقتصاد

مشروع روابي.. التمويل قطري والعوائق إسرائيلية

عندما يريد بشار المصري أن يستحضر في ذهنه حالة المد والجزر التي تتسم بها العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية يكون لديه خياران: اما أن يلقي نظرة على النافذة أو التحقق من كشف حسابه المصرفي. يطل مكتب المصري على روابي، وهي مدينة نموذجية جديدة تبعد 25 ميلا شمال القدس، شهدت سنوات من التأخير والتعطيل بسبب الاحتلال الاسرائيلي. ويعكس الصعود والهبوط في رصيده المصرفي حجم الأموال التي تظهر مدى استعداد الداعمين في قطر، لأن يقدموها لهذا المشروع، وهي مقياس للثقة التي يوليها المستثمرون الخليجيون لعملية السلام في الشرق الأوسط. «لقد تم بناء روابي مع العلم والادراك التام للسياسة العامة والمخاطر العالية التي ينطوي عليها المشروع»، بحسب المصري الذي يجلس في مكتب مكتظ بالخرائط والمخططات في المبنى الجاهز حيث يدير عملية البناء.

يقدم المشروع دليلا صارخا على مخاطر ممارسة الأعمال في الأراضي المحتلة. تم تصميم روابي في عام 2010 كمشروع جاذب للفلسطينيين المتنقلين الذين يتوقون الى ترك قراهم المتربة والمدن المتدهورة. وكان من المتوقع أن يستغرق بناء المشروع خمس سنوات وبتكلفة 750 مليون دولار، لكن تاريخ الافتتاح تم تأجيله مرارا وتكرارا، ومن المرجح أن تصل تكلفة البناء النهائية الى 1.4 مليار دولار. اذ يقول المصري انه في مواجهة وكفاح مستمر مع اسرائيل لتوصيل المياه وشبكة الكهرباء والوصول الى مركبات البناء. وفي حين أن العنف في الضفة الغربية والحرب في غزة أوقفتا البناء في عدة مناسبات، فان الهدف هو خلق شيء «مقاوم للاحتلال»، على حد قول المصري، 56 عاما، وهو سليل عائلة فلسطينية ثرية.
ويقدر المصري أن مستثمريه سيتكبدون خسارة قدرها 100 مليون دولار اذا لم يحدث تقدم في عملية السلام، ولكن يمكن أن يحققوا ربحا اذا توصل الجانبان الى حل. وكما يقول «نحن نبني روابي للبقاء على قيد الحياة في ظل الظروف الصعبة الحالية». ويضيف «لكن من الواضح اننا نأمل في نشهد أياما افضل”».
واليوم، تظهر عشرات المباني المصنوعة من الحجر المكونة من أربعة الى تسعة طوابق في التلال القاحلة. ويشبه البناء المتنوع بعض المستوطنات الـ 120 التي أقامتها اسرائيل في الضفة الغربية في تحد لقرارات الأمم المتحدة التي وصفتها بأنها انتهاك للقانون الدولي. كل جزء في مدينة روابي يضم حديقة وملعب، ويتم توجيه حركة المرور حول محيط المباني لتترك المركز الى حد كبير خاليا من السيارات. وهناك مدرج بسعة 15 ألف مقعد للحفلات الموسيقية ومركز للفروسية وقفز بالحبال والانزلاق بالحبل. اضافة الى مسجد قيد الانشاء وكنيسة. وقد انتقل ما يقرب من 3000 شخص الى روابي منذ أواخر عام 2015؛ ويتوقع المصري أن يصل عدد السكان في نهاية المطاف الى 40 ألف شخص، مع توفير أكثر من 3000 فرصة عمل.
ويقول اياد نزال، الذي انتقل في مارس مع أسرته المكونة من خمسة أفراد الى روابي بعد أن قضي 25 عاما في المملكة العربية السعودية: «انهم يهتمون بكل التفاصيل».
مشروع روابي هو دليل على اهتمام المستثمرين الخليجيين في الدولة الفلسطينية. ولكن الى أن يتحقق السلام هناك احتمال ضئيل للربح، وبالتالي فان التزامهم يمكن أن يتراجع عندما يطلب المصري المزيد من الأموال في غياب أي حل للصراع. وفي حين أن الدعم الرئيسي للمشروع الذي يأتي من صندوق الاستثمار الحكومي القطري «ديار للاستثمار العقاري» قد يقدم له «حبلا أطول من معظم المستثمرين، الحبل لا يزال موجودا، الا أنه عندما يسحب الحبل سيشعر بذلك»، بحسب سام بحور، وهو استشاري اقتصادي مقره في مدينة رام الله.
ويوضح المركز التجاري، المقرر افتتاحه الشهر المقبل في وسط المدينة، كيف أن المواجهة المريرة مع اسرائيل تلون كل جوانب الأعمال في الضفة الغربية. اذ سعى المصري الى خلق أجواء راقية لجذب الفلسطينيين الأثرياء الذين غالبا ما يعبرون الى الأردن للقيام برحلات للتسوق، لكنه يقول انه واجه صعوبة في اقناع العلامات التجارية الأجنبية بفتح متاجر لها.
ويتم تشغيل معظم المتاجر من خلال اتفاقيات الفرانشايز أو التي يقدمها الموزعون الذين يغطون منطقة محددة. ويخشى العديد من المتاجر المرخصة في اسرائيل من احتجاجات عنيفة ضد مصالحهم التجارية في الأراضي الفلسطينية، كما أنه من الصعب لوجستيا وغامض من الناحية القانونية بالنسبة للشركات التي تخدم البلدان العربية فتح مقار لها هناك.
ويقول المصري انه بعد أشهر من المفاوضات وعرض الشروط التي يسميها «الانحناء الى الوراء»، أقنع أخيرا اثنتي عشرة علامة تجارية ومن بينها رانجلر ونورث فاس وفانز وماكسمارا، لفتح متاجر في روابي.
«هل نحن دولة؟ هل نحن جزء من الشرق الأوسط العربي؟»، يتساءل المصري، الذي يحمل الجنسية الأميركية ويقسم وقته بين رام الله وفولز تشيرش في فيرجينيا، «لا يمكنك فصل الفلسطينيين عن السياسة. انه يؤثر على كل ما نقوم به».
وواجه المصري صعوبات مماثلة في تعزيز روابي كمركز للتكنولوجيا. وقد حث مايكروسوفت وغوغل وأبل على توظيف المبرمجين الفلسطينيين في البلدة، لكنهم لم يلتزموا. وتوظف شركة ميلانوكس تكنولوجيز المحدودة، صانعة معدات البيانات عالية السرعة والمدرجة على مؤشر ناسداك، ما يقرب من 100 مبرمج فلسطيني وتخطط لنقل معظمهم الى روابي هذا الربيع.
وتعد مدينة روابي حتى الآن أكبر مشروع للبنية التحتية في فلسطين، لكن ليس كل سكان الضفة الغربية يتفقون مع هذا المشروع، لأنه يتطلب التعاون مع اسرائيل. ويلقي المصري باللوم في التأخير وتجاوز التكاليف على الادارة العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية.
وانتقد الفلسطينيون المصري «لتطبيعه مع الاحتلال»، لكنه يقول إنه من غير الواقعي بناء مشروع طموح مثل روابي دون درجة ما من المشاركة الاسرائيلية. ويرى أن المدينة مثال على ما يمكن عمله اذا كان الجانبان يبحثان عن أرضية مشتركة بدلا من الصراع، ويقول إنها يمكن أن تكون نموذجا لمشاريع مماثلة في الضفة الغربية. ويضيف المصري: «عندما كنت أخطط لروابي، كنت أعرف جيدا أننا تحت الاحتلال. لكن اذا لم نفعل ذلك فان أحدا لن يقوم بذلك».
وخلاصة القول: ان المشروع الذي تبلغ تكلفته 1.4 مليار دولار في الضفة الغربية وتأخر افتتاحه لسنوات يبرز صعوبة ممارسة الأعمال في مناطق الصراع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى