وول ستريت تنقل الرهان إلى الآلات بحثا عن المواهب
نويل فولبه يدين بزواجه للتنميط السلوكي الذي يستخدمه موقع التعارف إي هارموني. الآن، هذا المصرفي في الاستثمار اللطيف في نيويورك يستخدم نفس التكنولوجيا لنوع مختلف من التوفيق: تعريف صاحب عمله، بنك دويتشه، على خرّيجين مناسبين تماماً.
هذا الشهر، بدأ قسم تمويل الشركات الأمريكية في دويتشه فحص الطلاب للعثور على السلوكيات التي تم تحديدها في أفضل موظفيه الحديثين، حتى يتمكن من تعيين ذوي الأداء الأعلى من خلفيات أكثر تنوعاً سيبقون في البنك لفترة أطول.
دائماً ما كانت المنافسة شرسة للحصول على الأفضل والأذكى، وكانت البنوك الاستثمارية تُقيّم المُتقدّمين بناءً على تحصيلهم العلمي، وأنشطتهم اللامنهجية وسماتهم الشخصية منذ أكثر من عقد من الزمن.
جمال نهج التنميط السلوكي في دويتشه، وفقاً لفولبه، هي الطريقة التي يُمهّد فيها الملعب من أجل مجموعة جديدة من المواهب من الجامعات التي تجاهلتها البنوك في السابق.
ويقول عن الاختبار لمدة 20 دقيقة، الذي يُجرى على الإنترنت، “لا يُمكنك خداع الآلة. لقد طلبنا من الموظفين الحديثين محاولة خداعها ولا تزال تُمسك بك”.
ما تهدف الآلة لاستخلاصه هو البُنية السلوكية الفطرية للمرشّح. المقاومة أم الهروب؟ القيادة أم التبعية؟ الخَلْق أم الاتباع؟
كورو، الشركة التي تقوم بالتنميط، تقول إنه ليست هناك إجابات صحيحة أو خاطئة، وليست هناك أحكام صحيحة سياسياً – فقط مقارنة بين استجابات المرشّحين مع استجابات ذوي الأداء البارز في المنظمة. إذا حدث أن الناس كانوا منعزلين معقدين لا يتراجعون أبداً، فليكُن الأمر كذلك.
كريستين هاميلتون، الرئيسة التنفيذية في شركة كورو، تقول: “لم نحصل أبداً على منطقة تقول أنا لا أصدق الأمر – أنا لا أوافق”.
وتصف التنميط السلوكي على أنه تسليط الضوء في “المكان المُظلم” الذي يتجاوز مقاييس الكفاءة المعرفية والمهارات التقنية.
وتضيف أن أكثر أنواع التنميط السلوكي المطلوبة، أو “الذي يترك بصمة”، هو فريد من نوعه لكل شركة، ويتنوع ضمن صناعة معينة.
بعض البصمات تُظهر “زيادات” واضحة في قياسات الصفات السلوكية مثل “العزم”، و”التهذيب”، و”العمل الجماعي” و”الفضول”. وأخرى تُظهر تحقيق توازن في الصفات المختلفة.
عملُ شركة كورو مع عملاء آخرين -مجموعة متنوعة تشمل ماكينزي، وريبوك، ولينكدإن وAirbnb- مكّنها من بناء قاعدة بيانات من 30 ألف مُقدّم طلب.
إن ملفاتهم الشخصية تُساعد بنك دويتشه على حل مشكلة يعترك معها مصرفيون في بعض مؤسسات وول ستريت: كيفية العثور على المواهب المخفية في آلاف الجامعات الأمريكية.
هذه مشكلة أصبحت أكثر إلحاحاً منذ الأزمة المالية، حيث إن كثيرا من خرّيجي الجامعات الرائدة يرفضون الخدمات المصرفية كمهنة. بالنسبة لمؤسسات لا تزال في حال تغيّر مستمر مثل بنك دويتشه -الذي خرج من تصنيف المصارف الاستثمارية الثلاثة البارزة في العالم العام الماضي بسبب خضوعه لإعادة الهيكلة- فإن جذب المواهب يُمثّل تحدّيا.
نظراء فولبه في المصارف الاستثمارية الكبيرة في الولايات المتحدة يعترفون أن هناك خللا في الاعتماد التقليدي على المعدلات التراكمية أو التخصصات الجامعية للمرشّحين -وهم مفتونون بنهج بنك دويتشه.
أحد كبار المسؤولين في إحدى الشركات العملاقة في سوق وول ستريت يقول إن أي اختبار يتنبأ بدقة إمكانية المرشّح للازدهار والبقاء “سيكون رائعاً”.
استخدام التنميط السلوكي لتوسيع مجموعة المرشّحين يُناسب البنوك لأن الأبحاث الأكاديمية تجد باستمرار أن التنوّع يُحسّن اتّخاذ القرار. مثل أعضاء فريق العمل هؤلاء لا يجلبون فقط أفكارا جديدة إلى طاولة الاجتماعات؛ لكنهم أيضاً يجبرون الذين من الخلفيات التقليدية على أن يُصبحوا أكثر انفتاحاً لأفكار مختلفة. يتم السعي وراء تنوّع التفكير بشكل خاص في القطاع المصرفي، حيث “عقلية الجماعة” كانت المُلامة على اتّخاذ القرارات الكارثية في الفترة التي سبقت الأزمة المالية.
عباس إليجبا، الشريك في مجموعة الرعاية المالية القائمة في نيويورك التابعة لبنك دويتشه، هو مثال على الفوائد المحتملة. باعتباره من أصل إفريقي أمريكي، أمضى بداية العشرينات من عمره في الجيش، وجاء إلى البنك بعد زيارة كلية الأعمال التي درس فيها، جامعة فيرجينيا (داردن).
وجود موظفين من خلفيات متنوعة، كما يقول إليجبا، يُمكن أن يُساعد أيضاً من حيث الاحتفاظ بالموظفين. يقول إن المصرفي يستطيع تشجيع الموظفين على البقاء “من خلال التفكير حقاً بعمق بشأن الناس الذين تعمل معهم، والناس الذين يُعتبرون حديثين بالنسبة لك، والطريقة التي تعاملهم بها” – نهج يُعتبر “قيادة وليس إدارة”.
بشكل خاص، يقول إن الذين عملوا سابقا في القوات المسلحة لديهم الكثير للمساهمة في المصارف. “عندما تذهب إلى الحرب، الأمر لا يتعلّق بالأجر الذي تتلقّاه. ما تهتم به فعلاً هو أن يهتم قادتك بك وأنهم لن يهدروك أو يهدروا حياتك على شيء يُعتبر غير مُثمر”.
منذ برامج التنوع والابتكارات السابقة لتمكين المصرفيين الحديثين، ارتفع عدد المحللين الذي أصبحوا شركاء في أعمال تمويل الشركات الأمريكية في بنك دويتشه من 11 قبل عامين إلى 40، مع حجم حصة مماثل.
الفرق بين ما يفعله بنك دويتشه الآن ونهجه عندما تم تعيين إليجبا هو درجة الاستهداف.
بعد التحدّث مع زملائه الدوليين، فولبه متفائل من أن بنك دويتشه سيُطلق التنميط السلوكي لشركة كورو في كل الأجزاء الأخرى من أعماله.
في هذه المرحلة، يقول إن الفائدة التجارية لا يُمكن إثباتها، لكن التأثير المحتمل لهذا النهج على ثقافة أي منظمة، وعلى رضا موظفيها، من الواضح أنه يجذب الإيمان الحماسي.
يقول فولبه، “هناك سبب يفسر لماذا معظم الأعضاء المنتدبين والمدير في بورصة وول ستريت ليست لديهم فكرة من هم المحللون الذين يعملون لديهم. حيث يُنظر إليهم بأنهم عابرون – عامان، يدخلون ثم يخرجون. أنا لن أُصلح كل هذا، لكنني أصلحت بعضه بالفعل”.