أدوية مستقبلية لمعالجة قصر النظر!

يبدو أن دراسة التغيّرات الجينية في شبكية العين ستُقرّبنا من اليوم الذي تصبح فيه الأدوية قادرة على كبح نشوء قصر النظر أو عَكس مساره. قصر النظر حالة شائعة ومن المتوقع أن يصيب نصف سكان العالم بحلول عام 2050.
تولى الدكتور أندريه توكاتشينكو من جامعة “كولومبيا” في نيويورك قيادة الدراسة التي كشفت أن نشوء قصر النظر أو مدّ البصر يرتبط في معظم الحالات بأنواع مختلفة من الجينات والمسارات الخاصة بإشارات الخلايا.
ذكر المشرفون على الدراسة في تقريرهم الذي نُشِر حديثاً في مجلة “بلوس بيولوجي” أن الخبراء كانوا يفترضون قبل هذا الاكتشاف أن تغيرات معاكسة في الجينات والمسارات نفسها هي التي تُحدد طريقة نشوء هذين الاضطرابين في العين بعد الولادة. لكن تتعارض نتائجهم مع الأفكار التقليدية في هذا المجال. يطرح الباحثون مفهوماً بديلاً عن قصر النظر وإطاراً مغايراً لتطوير أدوية جديدة لمكافحة هذا الاضطراب. عند الإصابة بقصر النظر، تُثبّت العين الصور أمام الشبكية بدل التركيز عليها مباشرةً. تعتبر منظمة الصحة العالمية أن قصر النظر يزداد شيوعاً بوتيرة مقلقة عالمياً، كما أنه يترافق مع زيادة خطر الإصابة بمشاكل حادة في العين مثل داء الساد وتضرر الشبكية والزرق. يستند توكاتشينكو وفريقه إلى بحث يذكر أن عدد المصابين بقصر النظر سيصل بحلول عام 2050 إلى 4.8 مليارات شخص، أي حوالى نصف سكان العالم، كما أن منظمة الصحة العالمية تُصنّفه من بين “أول خمس أولويات صحية” في العالم. يكون قصر النظر مسؤولاً عن اختلال الرؤية عن بُعد وليس الرؤية عن قرب، وغالباً ما ينشأ بسبب زيادة طول العين.
يصبح الوضع معاكساً عند الإصابة بمد البصر، ما يعني أن عين المريض تكون قصيرة أكثر من اللزوم وهذا ما يجعلها تُثبّت الصور وراء الشبكية.
يؤدي هذا الخلل عموماً إلى رؤية الأجسام البعيدة بشكل أوضح من الأجسام القريبة. لكن قد تصبح الرؤية كلها مشوّشة في بعض الحالات.
تكشف بعض الأدلة أن خطر الإصابة بقصر النظر قد يرتفع بسبب المعطيات الجينية والعوامل البيئية، مثل تراجع الوقت الذي نمضيه في الخارج وزيادة الوقت الذي نمضيه ضمن المساحات الداخلية واستعمال الحواسيب. لكن قبل هذه الدراسة، لم تكن الآليات الجزيئية الكامنة واضحة. لمراقبة كيفية نشوء قصر النظر أو مدّ البصر من الناحية البيولوجية، تقضي إحدى الطرق بتغيير الطول البؤري للعين لدى نماذج من الحيوانات المخبرية. يمكن أن يقوم الخبراء بهذه التجربة عبر وضع العدسة أمام العين لأسابيع عدة. بحسب نوع العدسة، قد يؤدي التعرّض لهذه الظروف إلى إطالة العين أو تقصيرها أكثر من اللزوم. استعمل العلماء هذه الطريقة مع قرود النسناس لدراسة كيفية نشوء قصر النظر ومدّ البصر. فوضعوا العدسة أمام عين واحدة لفترة تصل إلى 5 أسابيع وتركوا العين الأخرى تتطور بشكل طبيعي لإقامة المقارنة اللازمة.
مسارات مختلفة بالكامل
عند فحص الشبكية في عينَي كل حيوان بعد انتهاء فترة التجربة، كشف فريق البحث عن اختلافات في التعبير الجيني بين العين المُعدّلة والعين الطبيعية.
لكن عند مقارنة المجموعة التي أصيبت بقصر النظر بتلك التي أصيبت بمد البصر، تبيّن أن الاضطرابَين ينجمان عن تنشيط أو كبح مسارات مختلفة بالكامل.
اكتشف الباحثون أيضاً أن 29 جينة من بين الجينات التي غيّرت طريقة تعبيرها كانت تقع في المناطق الكروموسومية نفسها التي تربطها دراسات وراثية كبرى بقصر النظر لدى البشر.
يقول أندريه توكاتشينكو: “يسمح تحديد تلك المسارات بوضع إطار مناسب لابتكار أدوية جديدة ولتطوير خيارات علاجية أكثر فاعلية لقصر النظر”.