المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

الإيرانيون ينتخبون.. للانفتاح وللمرشد القادم

بعد أن عاشت البلاد أمس صمتاً انتخابياً، تتجه أنظار المراقبين والمهتمين بالشأن الإيراني اليوم إلى طهران لتراقب نزاهة العملية الانتخابية للرئاسة الإيرانية في نسختها الثانية عشرة، بعد ان شهدت الانتخابات السابقة تزويراً وتدخلاً من قبل النظام لا سيما في انتخابات عام 2009 وما فيها من قمع للثورة الخضراء وعزل لقادتها مهدي كروبي ومير حسين موسوي. وفي هذا السياق استبق الرئيس الحالي حسن روحاني الذي يخوض الانتخابات في وجه مرشح المرشد خامنئي الاصولي ابراهيم رئيسي، محذراً الحرس الثوري وقوات التعبئة من ممارسلة أي تزوير.
وستشهد انتخابات هذه السنة تطوراً لجهة إعلان النتائج، حيث أعلن وكيل وزارة الداخلية الإيرانية، محمد مقيمي، أن الإعلان عن نتائج فرز الاصوات سيتم تدريجيا بعد أن جرى الاستعلام من مجلس صيانة الدستور ومعالجة المشكلة القانونية التي كانت قائمة بهذا الصدد، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية (ارنا).
يتوجه أكثر من 56 مليون ناخب ايراني من الذين يحق لهم التصويت، بينهم مليون و350 ألف شخص يمكنهم التصويت للمرة الاولى بعد بلوغهم السن القانونية، إلى صناديق الاقتراع لاختيار واحد من أربعة متنافسين يمثلون أهم تيارين سياسيين بعدما انحصرت المنافسة بينهم.
وفعلياً، انحسر التنافس بين الرئيس الحالي حسن روحاني ورجل الدين ابراهيم رئيسي في حين ان المرشحين الاخرين الوزير الاسبق مصطفى هاشمي طبا ووزير الثقافة والإرشاد الاسبق مصطفى مير سليم لا يحظيان بالشعبية المؤهلة. كما تبرز مؤشرات لامكان حسم المعركة من الجولة الاولى مع اشارة استطلاعات الرأي إلى ان نسب المشاركة قد تصل إلى 72 في المئة.
وينص الدستور الايراني على اجراء انتخابات رئاسية كل اربع سنوات يحق فيها للرئيس ان يترشح لفترة رئاسية ثانية ولا يحق له الترشح لفترة ثالثة قبل تولي رئيس غيره المنصب لفترة واحدة على الأقل، لكن البارز في هذه المعركة هو منع الرئيس الاسبق محمود أحمدي نجاد من الترشح، وذلك بعد ان اثار انتقادات للنظام والمقربين من المرشد.
وسيكون في هذه الدورة اكثر من عامل مؤثر في الانتخابات ما لم يتم تزويرها، حيث ان الاتفاق النووي الذي اخرج ايران من عزلتها حاضر بقوة في حملة الرئيس روحاني، وشكل تمديد تخفيف العقوبات الأميركية على إيران اول امس نبأ سار للتيار المعتدل عشية الانتخابات سيلعب دوراً في تغليب الكفة لمؤيدي سياسة الانفتاح. وهذا القرار، كان منتظرًا بترقب شديد، خصوصا من قبل روحاني وحكومته التي عملت طيلة مدة الولاية المنتهية على المفاوضات النووية وابرام هذا الاتفاق الذي اتاح لايران العودة مجددا الى الساحة الدولية وجذب استثمارات اجنبية، وكان لافتاً تصريح روحاني بأنه سيمنع عودة الحظر والعقوبات مجدداً.
ورغم ان المرشد الاعلى قال ان ايًا كان الفائز في الانتخابات، فالفائز الأكبر هو النظام الايراني، فإن النتائج ستعكس طبيعة توجهات الشعب الايراني واختياره بين الانفتاح على العالم، أو التشدد والعزلة والمزيد من القمع. وهنا لا بد من تسجيل نقاط عدة أبرزها غضب الشارع من السياسات الاقتصادية والمالية غير الشفّافة في إيران، لا سيما ما يسمى اقتصاد المقاومة الذي يتبعه النظام، وما ينتج عنه من ذهاب أموال الشعب إلى منظمات تخدم مصالح النظام في العالم مثل حزب الله والحوثيين وغيرهما. ويلعب في مصلحة روحاني الانخفاض الملحوظ في معدل التضخم الذي كان %40 عام 2013 وبات اليوم نحو %9.5 حاليًا بعد رفع جزئي للعقوبات بفضل الاتفاق النووي.
وسيكون للأزمة السورية دورها في الانتخابات ايضاً، لا سيما بعد الانتقادات التي وجهت للدور الايراني في سوريا من قبل حملة الرئيس روحاني، جاءت على لسان السياسي الإيراني وعمدة طهران السابق غلام حسين كرباسجي خلال افتتاحه مقرات لحملة حسن روحاني في عدة مدن، وكان انتقد سياسة بلاده العسكرية في سوريا بشدة، قائلاً: «لا تقولوا إنها غيرة على الدين، أو بأنها للدفاع عن الحرم، حساباتكم كلها لعبة خاطئة» وطالب بحل الأزمة السورية دبلوماسيًا بدلاً من إرسال الشباب الإيراني إلى هناك ليقتل. واستدعى كلام كرباسجي إلى اصطفاف في جهة الاصوليين والحرس الثوري الذين ارتعبوا من الاشارات التي ارسلتها حملة التيار الاصلاحي وصداها وسط الشعب.
كما سلط المرشحون الضوء بشكل لافت على القضايا المتعلقة بالأقليات والمكونات المجتمعية والمسائل الطائفية والعرقية، فكانت الحملات الانتخابية تتخللها نقاشات قوية وعلنية أمام الشارع الإيراني، حول حقوق المكونات المذهبية والعرقية. ويحمل تركيز حسن روحاني، ومنافسه المحافظ سيد ابراهيم رئيسي، على هذه الملفات أهمية كبيرة، لا سيما في ظل لقاءاتهما مع وجهاء المجموعات الطائفية والعرقية المختلفة.
أضف إلى ذلك، فإن الإيرانيين لا يصوتون اليوم للأعوام الأربعة المقبلة، وإنما للأربعين المقبلة، وهذا أحد الهواجس التي تعتري التيار الاصولي في النظام الايراني. فرغم أن قلة فقط في إيران يناقشون علناً من سيخلف المرشد الأعلى للبلاد، فإن حقيقة بلوغ المرشد الحالي علي خامنئي 78 عاماً، وخضوعه مؤخراً للعلاج من مرض السرطان، يجعل الحديث عنه أمراً واقعاً، وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان. وبالنسبة للتيار الاصولي فإن المرشح إبراهيم رئيسي، يعدّ واحداً من بين أسماء عديدة جرى التحدُّث عنها كخليفةٍ محتملٍ للمرشد، وقد انسحب المُرشَّحون المحافِظون الآخرون دعماً له. غير ان خسارته في هذه الانتخابات من شأنها أن تضر كثيراً بآماله في أن يصبح المرشد الأعلى.
ويقول الأستاذ في كلية الدراسات الدولية بجامعة طهران، فؤاد إزادي: «لا يمكنك أن تصبح المرشد الأعلى للبلاد إذا ما خسرت انتخاباتٍ رئاسية». وبالتالي فإنَّ حقيقة أنَّ رئيسي لا يزال في السباق تشي بأنَّه وفريقه يؤمنون أنَّ بإمكانه الفوز، فيما يحذر التيار المعتدل من تزوير قد يحصل لمصلحة هذا السيناريو.
لذا فإن هذه الانتخابات ستحسم معركةً سياسية أكثر أهمية تتعلَّق بالمرشد الأعلى المقبل لإيران، وسيكون الرئيس المقبل أقوى شخص في إيران كذلك. واستطاع روحاني في آخر أيامه، من خلال انصاره إبراز شخصيته المنفتحة التي يحبها الإيرانيون ويرونها أقرب إلى تطلعاتهم فتراهم يلقون الملصقات التي تحمل صور روحاني مبتسماً ويهتفون في الوقت نفسه بشعارات حملته.. لكن الجميع يترقب ما ستحمله الانتخابات من مفاجآت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى