المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

مقالات

البترول لا ينضب

 

يُعتبر البترول أحد أهم الاستراتيجيات والتي استطاعت إحداث تغييرات جوهرية وجذرية في الاقتصاد العالمي،وذلك من خلال استخداماته المتعددة والتي لا يمكن الاستغناء عنها،لذلك يعتبر سعر البترول متغير هام ومحدد لدرجة استقرار الاقتصاديات من عدمه،ووفقاً لخصائص البترول وسماته الفيزيائية فإن تكونه بباطن الأرض منذ ملايين السنين يجعله مورداً لا ينضب ورغم الدراسات التي تشير إلى إمكانية نضوب الاحتياطي من البترول في كبرى الدول النفطية المنتجة والمصدرة للنفط،إلا أن ذلك لا زال موضوع بحاجة لإعادة قراءة، فالاكتشافات لا زالت مستمرة،وما تخفيه الأرض والسواحل_ والتي تشكل نحو 71% من مساحة الكوكب_ ببواطنها لا زال أمراً يجهله الإنسان رغم ما يمتلكه من المعارف والعلوم.
منذ القدم بحث الإنسان عن الطاقة لتلبية احتياجاته وتحقيق رفاهيته،لذلك فأبرز انجازات البشرية على مر التاريخ ارتبطت بشكل أو بأخر بالبترول أو مصادر الطاقة مهما اختلفت أشكالها وأنواعها،حيث اعتبر العلماء وخبراء الطاقة أن الاختراع البشري الأول والأهم تمثل في اكتشاف النار ،والاختراع الثاني تمثل في اكتشاف العجلات والتي ارتبط تطورها بمدى توفر الفحم ولاحقاً البترول كمصدر طاقة أكثر جودة وأقل تكلفة من الفحم،والاختراع الثالث تمثل في اكتشاف النقود والتي يُعتبر تطورها امتداداً لتطور الاقتصاديات ونمو حركة التجارة الدولية وللبترول وخصوصاً في القرن العشرين الدور الأبرز في ذلك.
وعند قراءة معمقة لأكبر حدث اقتصادي ألقى بظلاله الكبيرة على الاقتصاد العالمي ولغاية هذه اللحظة،والمتمثل في قرار الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون بتوقف الولايات المتحدة الأمريكية عن التعامل بقاعدة الذهب كغطاء لإصدار الدولار، فأصبح إصدار النقود بدون أي غطاء من الذهب وتسبب ذلك بحالة فوضى عمت ولا زالت تعم الاقتصاد منذ العام 1971 ومن نتائج الفوضى حدوث الركود التضخمي كأحد أخطر الأزمات في تاريخ الاقتصاد ،حينها حصل صراع خفي بين فريقين في الولايات المتحدة الأمريكية الأول رأى بأن الضرورة تستوجب أن يكون الذهب هو الغطاء لإصدار الدولار،والثاني أن يكون النفط هو الغطاء لإصدار الدولار،وبفعل ذلك أصدر نيكسون قراراً يعتبر غير وازناً عند قراءته من منظور اقتصادي تنموي .
وفي حرب البترول التي شنتها المملكة العربية السعودية في عهد الملك فيصل سنة 1973 والتي تمثلت بإيقافها تصدير النفط للغرب كرد سعودي عربي أصيل للوقوف مع قضايا عربية ولدعم مصر في حربها ضد إسرائيل ،وعليه فإن البترول سلعة استراتيجية ولا زالت الأكثر تأثير في الاقتصاد العالمي والنظام الدولي.
ومن الناحية البيئية ،فقد تسبب ازدياد استهلاك المجتمعات للبترول لارتفاع نسب التلوث البيئي والذي يُعد التحدي السابع للبشرية جمعاء ،وبفعل ذلك أصبح مراعاة الدول للبعد البيئي أحد أهم أبعاد التنمية الاقتصادية المستدامة،فأصبح البحث عن مصدر طاقة بديل للبترول وصديق للبيئة أحد الأولويات التي توليها الدول مكانة عند بناء استراتيجياتها وخططها التنموية ،لذلك فأصبح الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة واستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من المشاريع الرائدة في الوقت الراهن،ورغم تحقيق بعض الدول لانجازات في هذا النشاط ومن ضمنها المملكة والتي أنشئت محطة سكاكا في منطقة الجوف،والتي بدأت بإنتاج الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية حيث بلغ إنتاجها في شهر مارس 2020 نحو 75,971 ميغا وات فيما بلغ الإنتاج 62,603 ميغا وات في شهر فبراير 2020 و 55,685 ميغا وات في يناير 2020،إلا أن البترول لا زال السلعة الأكثر طلباً ولا يمكن الاستغناء عنها بأي شكل من الأشكال .
ورغم أن استهلاك البترول قد تزايد وتسبب في ارتفاع معدلات التلوث البيئي ،إلا أن هناك عدد من الأحداث المتعلقة بالبترول تسببت بإحداث أزمة بيئية عالمية وكادت أن تؤثر على التنوع البيئي وتهدد بقاء الإنسان والحيوان على كوكب الأرض، وتلك الأحداث تدور حول حدوث تسريبات نفطية مصدرها شاحنات للتنقيب عن البترول والغاز في السواحل.
مما لا شك فيه وجود تأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي مصدرها تسريبات البترول في البحار،ومن أبرز التسريبات ما نجم عن انفجار وغرق منصة بحرية لاستخراج البترول بالمياه الأمريكية في خليج المكسيك،خلال شهر أبريل 2010،حيث رافق اتساع بقعة الزيت من البترول المتسرب بكميات ضخمة بتأثيرات سلبية على الحياة البحرية والبرية والأنشطة الاقتصادية وأهمها صيد الأسماك والسياحة ، وقُدرت الخسائر بعدة مليارات من الدولارات.
يعتبر حوض البحر المتوسط الأكثر تأثراً بتسريبات البترول وإلقاء المخلفات السائلة فيه،وهذا الأمر يجعل من البحر المتوسط أكبر بحيرة للصرف الصحي والصناعي بالتزامن مع كونه أكبر بحيرة شبه مغلقة للنقل البحري في العالم وأكبر مكان تبحث فيه الشركات الاستثمارية عن أماكن وجود البترول والغاز الطبيعي.
للتسريبات البترولية دور بارز في إحداث التلوث البيئي والتغيرات المناخية،وهناك عدد من حوادث تسرب البترول في البحار حدثت خلال السنوات الماضية ،وأهمها: التسرب النفطي في حرب الخليج الثانية: حيث قامت القوات العراقية عند انسحابها من الكويت عام 1991 بفتح خطوط أنابيب النفط وأشعلت النيران بها لمنع القوات الأمريكية من الهبوط في المنطقة،وقد بدأت الحرائق بفتح أول بئر في شهر يناير 1991،واستمرت حتى تم إغلاق البئر الأخيرة في ابريل 1991،وبسبب ذلك تسرب نحو 240 مليون برميل نفط في الخليج العربي .
وفي العام 2010 حدث أكبر حادثة تسرب نفطي في تاريخ صناعة النفط تمثل بتسرب غازي نتج عن انفجار منصة ” ديب ووتر هوريزون ” التابعة لشركة بريتش بيتروليوم قتل بسببها 11 عامل على متن المنصة،وتسرب يومياً ولمدة ثلاثة شهور نحو 53 ألف برميل يومياً،وتسبب التسرب بمقتل 82 ألف طائر ،و25,900 من الثدييات البحرية،و6,000 من السلاحف البحرية وعشرات الآلاف من الأسماك.
وأثناء الحرب العراقية الإيرانية اصطدمت ناقلة نفط بمنصة حقل نوروز النفطي في الخليج العربية وتسبب بتسرب 80 مليون غالون في مياه نفط الخليج العربي على مدار 7 أشهر .
لا يخفى على أحد وجود إمكانية لحدوث تسريبات نفطية،لذلك فإن حدوثها أمراً واقعاً،لذلك فإن حدوث مثل تلك التسريبات تلقى بظلالها الكارثية على الاقتصاديات والمجتمعات،وتنذر بإحداث أزمة بيئية قد تؤثر على التنوع البيئي وتتسبب بإحداث تغييرات ستهدد حياة الإنسان.
إن تزايد أعداد حوادث تسريب النفط يتطلب إجراءات أكثر شدة و تبني شاحنات نقل البترول ومنصات استخراج البترول معايير السلامة لكبح جماح التلوث البيئي.

بقلم
أ/مشاعل حباب العصيمي
أكاديمية وكاتبه ومحلله اقتصادية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى