المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

اقتصاد

المسؤولية الاجتماعية.. التمويل والاستثمار

يقدم كتاب «المسؤولية الاجتماعية التمويل والاستثمار» مجموعة من المفاهيم والقراءة التاريخية لتزايد المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتق البنوك كلاعب رئيسي في الاقتصاد في العقود الأخيرة وخاصة بعد الأزمة المالية العالمية كونه ليس مؤثرا بشكل منفصل وانما من خلال تأثيره على مجموعة العملاء الممثلين لكل أطراف المجتمع الفاعل اقتصاديا من مدخرين ومستثمرين يحصلون على قروض وحكومات وموظفين وأفراد عاديين يحصلون على رواتبهم من خلال البنوك، ويلقي الكتاب الضوء على التغير الذي تم في هرم المسؤولية الاجتماعية والذي أضاف المسؤولية الاقتصادية والتي يراها الكتاب أحد أبرز الأدوار والمسؤوليات التي تضطلع البنوك الى جانب الحكومة بالجزء الأكبر منها ويقدم الكتاب عرضا لمجموعة من التجارب والنماذج التي تؤكد ذلك بالتركيز على المرحلة التي جاءت بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 والتي يرى ان البنوك كانت سببا رئيسيا فيها ومن ثم يجب ان تكون عاملا رئيسيا في معالجة آثارها الاقتصادية والاجتماعية على السواء.

تعريف بالكتاب

اشترك كل من جون نيفسنجر وكينت بيكر في تأليف الكتاب ويعتبر نيفسنجر أحد أبرز خبراء العالم في مجال التمويل السلوكي ويعمل أستاذا وزميلا لكلية نيثول بجامعة واشنطن ومتحدثا دائما بمؤتمرات الاستثمار العالمية والمؤتمرات الأكاديمية ويكتب بمجموعة من الصحف كوول ستريت جورنال وفاينانشيال تايمز وبزنس ويك والتي نشرت له العديد من المقالات إضافة الى أكثر من 30 مقالا وبحثا في مجلات علمية محكمة وكتب نيفسنجر 8 كتب تمت ترجمتها إلى العديد من اللغات.

أما بيكر فقد شغل رئيس الإدارة المالية بولاية نيويورك لـ 11 عاما وحاصل على الدكتوراه في التمويل من الجامعة الأميركية والتي سلمته جائزة افضل باحث في علم المالية كذلك وضعته مجلة أدبيات المالية العامة والتمويل ضمن واحد من قائمة لمن كتبوا عن الاقتصاد والتمويل أبحاثا تعد الأفضل خلال الـ 50 عاما الماضية وله أكثر من 160 مقالة منشورة بالجرائد والمجلات العلمية المحكمة مثل جورنال المحللين الماليين ومجلة التحليل الكمي ومجلة المالية.

عرض لمحاور الكتاب

يتكون الكتاب من 5 أجزاء مقسمة الى 24 فصلا يتناول كل جزء التركيز على أحد محاور البحث، حيث يتناول الجزء الأول من الكتاب إلقاء الضوء على مقدمة حول مفاهيم المسؤولية الاجتماعية وتنامي تلك المفاهيم في كل الاقتصاد وخاصة في إطار سعي الدول والحكومات الى تحقيق التنمية المستدامة والتي تراعي الأبعاد الاجتماعية والبيئية في إطار من القواعد التي تلزم الشركات والبنوك والدولة والمواطنين، فيما يتناول الجزء الثاني نظرة تاريخية لبداية المسؤولية الاجتماعية للبنوك وكيفية تزايدها والأسباب المؤدية لذلك وخاصة بعد الأزمة المالية العالمية.

يتناول الجزء الثالث من الكتاب أثر العولمة الاقتصادية وعبور الحدود على انتشار مفهوم المسؤولية الاجتماعية وكيفية تدويل القواعد التي تحكم المسؤولية الاجتماعية فيما بين الشركات والبنوك ورجال الأعمال والمستثمرين بين الدول المختلفة باختلاف الاقتصاديات المتقدمة والناشئة والنامية، وركز الجزء الرابع من الكتاب على النظريات الحديثة في إمكانية تطوير المسؤولية الاجتماعية لدى القطاع المالي بشكل عام والبنوك بشكل خاص والتوقعات المستقبلية لدور أكبر للبنوك في ذلك الصدد فيما ركز الجزء الخامس والأخير من الكتاب على تقديم وعرض مجموعة من النماذج والتجارب لبعض الدول والبنوك التي قامت بتطبيق مهام المسؤولية الاجتماعية.

أشار التقرير الى ان المسؤولية الاجتماعية للشركات والبنوك تضاءلت بشكل كبير في فترات النمو السريع وخاصة منذ مطلع 1990 والتي انفجرت بشكل كبير وأثرت سلبا على المنظومة القيمية لكل أطراف العلاقات الاقتصادية من المستثمرين وأصحاب المدخرات والمقترضين والبنوك وشركاء القطاع المالي مما كان أحد العوامل التي شكلت الحدث الذي أطل على العالم في 2008 ليلقي بظلاله على كل الاقتصاديات العالمية.

يوضح الكتاب ان النظام المصرفي كان أحد أهم القطاعات التي أثرت إيجابا على نمو الاقتصاد وزيادة الاستثمارات عن طريق الإقراض ودوران السيولة داخل شرايين الحياة الاقتصادية بين كل أطراف العلاقات الاقتصادية مما أعطى معدلات نمو تفوق المعدلات التي يمكن تحقيقها اذا لم يتطور النظام المصرفي والعمل الائتماني بذلك الشكل والذي ساعدت فيه تطور التكنولوجيا والاتصال السهل والسريع وابتكار خدمات مصرفية عديدة ساعدت على زيادة قاعدة المتعاملين مع النظام المصرفي وهو ما أدى الى زيادة الثروة داخل الاقتصاد ولدى الأفراد.

ولكن الكاتب أوضح ان تلك العمليات المصرفية المتراكمة أدت الى تفاقم الثروة لدى البعض بما يفوق قدراته مما سبب فقاعة الثروة والتي تركزت في العقار الى جانب العديد من الاصول المالية الاخرى والتي شهدت تقييماتها انهيارا مما يجعل الكاتب يشير الى ان البنوك يجب عليها ان تعالج ما أفسدته بزيادة أدوارها الاجتماعية بحسب هرم المسؤوليات الاجتماعية للنظام المالي والشركات والذي تم تحديثه ليبقى الدور الإخلاقي على رأس الهرم يليه الأدوار القانونية والتي تتمثل فيما يقره القانون على المؤسسات المالية والشركات مثل الضرائب او الزكاة وإلزام بعض المؤسسات كالبنوك المركزية للمؤسسات التابعة لها بان يكون لها دور مجتمعي من تدريب كوادر بشرية وزيادة الأدوار الاجتماعية والإنفاق المجتمعي.

أما في قاعدة هرم المسؤولية الاجتماعية فوضع الكاتبان المسؤولية الاقتصادية وهي المسؤولية الملقاة على اللاعبين الفاعلين في النظام الاقتصادي وأشار التقرير الى ان دور البنوك يتعاظم وبشكل كبير دون استثناء او توقف مع زيادة السكان والتكنولوجيا والنشاط الاقتصادي فتضخم دور البنوك مرتبط ببقاء النشاط الاقتصادي واستمراريته.

زاد دور البنوك المركزية بشكل مكثف منذ الأزمة المالية العالمية فلم تعد الأدوار مقصورة على رسم سياسات نقدية لكبح التضخم او الحفاظ على قيمة العملة وانما امتد دور البنوك المركزية الى المسؤولية عن تنشيط الاقتصاد وتحفيز النمو لخلق فرص عمل ومحاصرة البطالة في الاقتصاديات التي تضررت كثيرا من الأزمة المالية العالمية وأدت الى آثار اجتماعية متفاقمة نتيجة زيادة الأسعار او ترك الوظائف وهو ما يتوجب على البنوك المركزية ان تراعيه في سياساتها بعد الأزمة.

وبذلك تكون المسؤولية الاجتماعية الأولى لدى النظام المصرفي بحسب الكتاب تحفيز الاقتصاد وخلق فرص العمل وأعطى التقرير مثالا على ذلك من خلال خفض معدلات التضخم وإعطاء تسهيلات ائتمانية للاستثمارات المباشرة كثيفة العمالة وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة الى جانب الأدوار الاجتماعية الأخرى المباشرة التي يقرها القانون او تقرها إدارة البنك بشكل منفصل نابع من إرادتها.

اختتم الكتاب بعرض ماتريكس للمهام التي يمكن للبنك ان يؤديها في إطار المسؤولية الاجتماعية للنظام المصرفي والأنشطة التشغيلية التي يمكن تحقيقها من خلال ذلك وفي مقدمتها مجموعة من الأنشطة المرتبطة بالبزنس مثل تطوير محو الأمية المالية والتثقيف والتوعية المالية والاهتمام بإدارة المخاطر والإقراض الحذر وأخيرا عرض الخدمات المالية بشفافية والتعامل الجدي مع شكاوى العملاء، ويمكن للبنك تحقيق ذلك من خلال وضع خطة للوصول الى العملاء المحرومين من الخدمات المصرفية ومشاركة أصحاب العمل في المعالجات الأخلاقة وتقييم الدعم المالي للمؤسسات الاجتماعية وتمويل الاستثمارات التي تحمي البيئة وتراعي أبعاد ذلك ووضع مبادئ لتمويل بعض القطاعات الاستراتيجية والحساسة.

وأعطى التقرير اهتماما كبيرا بأهمية دور البنوك في مكافحة غسيل الأموال والإرهاب كآفات تنتشر وتزداد في الاقتصاديات الحديثة ونظرا لخطرهما الداهم ودور البنوك الرئيسي في مكافحتهما.

وعن بعض الأنشطة غير المرتبطة بطبيعة عمل البنوك أشار التقرير الى إمكانية إطلاق حملات وبرامج تطوعية لتحسين البيئة ودعم الفئات المحرومة والتنمية المحلية للمجتمعات الأكثر فقرا من خلال تخصيص ميزانيات لذلك النشاط أو جزء من قيمة حملات الدعاية وكذلك إمكانية تقديم الدعم للفنون والرياضات المختلفة والمنظمات غير الحكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى