بدأ تأثير الأزمة الخليجية في أسعار الأصول

قال تقرير لبنك الكويت الوطني إن تدني مستوى التقلبات كان سيد الموقف على صعيد الأسواق المالية حتى الآن هذا العام، لا سيما بالنسبة إلى الأسهم المتداولة في الاقتصادات المتقدمة على وجه الخصوص.
حيث إن الأحداث غير المسبوقة التي عاصرناها منذ بداية العام الحالي؛ مثل تولي ترامب مقاليد الحكم في بداية العام، وما أسفرت عنه الانتخابات الفرنسية في شهر مايو الماضي من انتخاب شخص غير معروف مثل ماكرون، لم يكن لها تأثير يذكر في استقرار الأسواق.
وأضاف التقرير ان عوامل عدة ساهمت في تدني مستوى التقلبات، بما في ذلك عناصر تقنية مثل تزايد الاعتماد على الاستثمار الساكن (صناديق المؤشرات، صناديق الاستثمار المتداولة، وغير ذلك). غير ان المقوّمات الأساسية قد قامت ايضاً بلعب دور رئيسي. وقد لاحظنا على مدار الشهر الماضي ان الاقتصادات الرئيسية وبيئة السياسات المرتبطة بها، قد شهدت استقراراً ملحوظاً لفترة طويلة نسبياً، بمعنى استقرار معدلات النمو على الصعيد العالمي مقروناً بالقليل من المفاجآت السارة (خاصة في محيط الاتحاد الأوروبي) وما أسفرت عنه من رفع توقّعات النمو إلى حد ما، وذلك تزامنا مع استقرار توقعات معدلات التضخم لدى البنوك المركزية. بمعنى آخر: لا تتوافر عوامل قاطعة من شأنها ان تؤدي إلى عملية إعادة تقييم جوهرية للوضع الاقتصادي او السياسات الراهنة، إلا ان ذلك الوضع قد يتغيّر قريباً.
وفي وقتنا الحاضر حتى أوائل شهر يونيو، لا يزال معظم أسواق الأسهم تبلي بلاءً حسناً من حيث الأداء منذ بداية العام حتى تاريخه، بل تمكن بعضها أيضاً من تسجيل ارتفاعات تاريخية. حيث ارتفعت الأسهم في الأسواق المتقدمة بنسبة %8 منذ بداية العام حتى تاريخه، في حين ارتفعت الأسهم العالمية والأسواق الناشئة %9 و%13 على توالي منذ بداية العام حتى تاريخه.
في حين تباطأ أداء الأسواق الخليجية وتراجعت بنسبة %2.33 منذ بداية العام حتى تاريخه في اعقاب الانتعاش المحموم الذي عاصرته بعض من تلك الأسواق بنهاية عام 2016 «السعودية» أو ببداية عام 2017 «الكويت».
وعلى مدار الأيام القليلة الماضية، بدأ الصدام القطري الخليجي وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين الطرفين في التأثير على أسعار الأصول. كما تقاعست أسعار النفط عن تقديم يد العون لدول المنطقة في ظل صراعها للبقاء في حدود 50 دولارا للبرميل (وفقاً لأسعار مزيج برنت)، بالرغم من تمديد اتفاقية الأوبك وشركائها لخفض الإنتاج لمدة تسعة أشهر اضافية تنتهي في مارس 2018. وتتسم الآفاق المستقبلية لأسعار النفط بالضبابية وتشتت التوقعات المستقبلية. إلا اننا نبقي على توقعاتنا السابقة بخصوص الارتفاع التدريجي لأسعار النفط مستقبلياً وبلوغ متوسط سعر مزيج برنت 55 دولاراً للبرميل خلال العام الحالي على خلفية قيام الأوبك بتطبيق مزيد من خفض الإنتاج وتراجع المخزون النفطي وبدأ موسم السفر والمواصلات قريباً.
ويبدو اجماع التوقعات على تراوح معدل النمو العالمي بين 3 ــــ %3.55 هذا العام منطقياً. حيث يتوقع ان يبلغ معدل النمو في الولايات المتحدة ما بين 2 ــــ %2.5، و%2.0 في منطقة اليورو، و%6.5 أو أكثر في الصين، و1ــــ %1.5 في اليابان. وبالنسبة لتلك الاقتصادات الرئيسية وغيرها، يستمر تدفق البيانات التي تشير الى الاستقرار، أو بمعنى آخر تقلبات أدنى ومؤثرات خاصة أقل من المعتاد. وينطبق نفس الوضع على بيانات التضخم، لاسيما مع انضباط أسعار النفط والطاقة إلى حد ما منذ بداية العام الحالي وحتى وقتنا الحاضر. وقام الاتحاد الفدرالي برفع معدل الفائدة مجددا في يونيو، والاسواق ترجح رفع الفائدة مرة اخرى خلال هذا العام.
كما يتوقع ان يبدأ الاحتياطي الفدرالي بالتوسع في «تطبيع» سياساته من خلال البدء في تقليص موازنته المتضخمة (4.3 تريليونات دولار). حيث سيقوم الاحتياطي الفدرالي في ديسمبر من العام الحالي او قبل ذلك بوقف استبدال كامل سندات الخزينة مستحقة السداد في محفظته المالية. وسوف يقوم عوضاً عن ذلك باستبدال جزء من الديون مستحقة السداد فقط، على ان يتم خصم الباقي من محفظته المالية.
أما بالنسبة إلى البنك المركزي الأوروبي، الذي لا يزال يضيف مشتريات السندات شهرياً إلى محفظته (60 مليار يورو شهرياً)، فإنه لن يتطرق إلى موضوع تقليص المشتريات بعد، او حتى رفع أسعار الفائدة، وان كان هذا المشهد يلوح في الأفق. لا تزال أسعار الفائدة تقترب من الصفر في تلك المنطقة ويحتفظ البنك المركزي الأوروبي بالحذر الزائد، إلا أنه مع صدور بيانات أفضل من المتوقع من أوروبا بدأت الأسواق تستشعر بالفعل ما هو قادم، بغض النظر عن مدى التدرج والتأخر في تفعيل تلك الظروف (2018).
ويترجم النمو العالمي المطرد واستقرار التضخم إلى أسهم مرتفعة وأسعار فائدة مستقرة وتدني مستوى التقلبات. وبالفعل فإن أسعار الفائدة تتحرك نحو الارتفاع إلى حد ما على المدى القريب مع اتباع البنوك المركزية سياسة تشددية (الاحتياطي الفدرالي الأميركي)، إلا أن معدلات الفائدة للأجل الطويل تظل ثابتة بفضل الآفاق المستقبلية المعتدلة للتضخم ولتعطش المستثمرين لتحصيل عوائد على استثماراتهم. أما في ما عدا ذلك، فيتم تثبتيها عن طريق التيسير الكمي (البنك المركزي الأوروبي من خلال سندات الخزانة الألمانية لأجل عشر سنوات بعائد 30 نقطة أساس، وسندات بنك اليابان المركزي لأجل عشر سنوات بعائد 5 نقاط أساس).
وكما ذكرنا آنفاً، فان بعض الاحداث السياسية التي كان متوقعاً أن يكون لها وقع مدوٍ، وان كان بصفة مؤقتة هذا العام، أتت ومضت ولم تسفر إلا عن ضجة بسيطة او إضافة لا تكاد تذكر لمستوى التقلبات السائد. وحتى الفضائح المتعلقة بترامب، أو الفضائح المزعومة، اعتاد عليها الناس، وان كان بعض من مشاكله السياسية من شأنها ان تؤخر أجزاء مهمة في جدول أعماله بما في ذلك الإصلاح الضريبي وتعديل النظام الصحي أوباما كير المعطل حالياً. ويعد كل مسعى من هذين المسعيين معقدا جدا في حد ذاته ويتطلب الوقت ورأس المال السياسي.
ومن المأمول ألا تؤدي جلسات الاستماع والتحقيقات (روسيا والتسريبات،…) وما شابه ذلك، إلى إحداث تأخير إضافي للأمور. إلا انه من غير المحتمل ان نشهد أي احداث على هذا الصعيد قبل نهاية العام. ولجعل الامور تزيد سوءاً، بحلول شهر سبتمبر المقبل، سيتعين أيضا خوض معارك تتعلق بالموازنة ومد أجل الديون. وتعلق الأسواق الأميركية أملها على مرور تلك التشريعات من دون أي عقبات، حتى ان أدى ذلك إلى تأجيلها. وهناك إمكانية كبيرة لحدوث خيبة أمل ويجب ألا تغفل عنها الأعين نظراً لأهمية الاقتصاد الأميركي واسواقه المالية للاقتصاد العالمي.
علاوة على ذلك، ومع توقع قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة ثلاث مرات خلال العام الحالي من ضمنها رفع الفائدة في مارس ويونيو، أبدت بيانات تقرير الوظائف الأميركي مظاهر كافية من الضعف لتلقي بظلالها على تلك التوقعات وعلى توقعات الفدرالي في رفع الفائدة ثلاث مرات خلال عام 2018. حيث تمت إضافة 138 ألف وظيفة جديدة فقط في مايو، وتضع المراجعة الأخيرة متوسط الثلاثة أشهر عند مستوى 121 ألف وظيفة، وهو أدنى متوسط على مدى خمس سنوات. وكان تراجع معدل البطالة بواقع 54.3 خادعاً إلى حد ما. حيث إنه تراجع بسبب انخفاض القوى العاملة وليس بسبب زيادة التوظيف. أما الأجور فقد ذكر التقرير أنها تتقدم بمعدل ثابت بلغت نسبته %2.4 على أساس سنوي.
كما أن تراجع الوظائف وثبات الأجور من الأمور غير المستبعدة لدرجة أن تؤدي إلى عرقلة الاحتياطي الفدرالي عن رفع أسعار الفائدة بواقع 25 نقطة أساس في 14 يونيو، إلا أنها كافية لإثارة الشكوك بشأن التحركات اللاحقة خلال هذا العام والعام المقبل. وقد أدى هذا التقرير إلى ارتفاع اليورو وتراجع الدولار، في ظل قيام المستثمرين بإعادة تقييم مسار الاحتياطي الفدرالي ومع استقرار الأرقام الأوروبية أكثر مما كان متوقعاً.
لذا فإن السيناريو السائد حالياً هو «الملاحة السلسة للاقتصاد العالمي» مع اتجاه الاحتياطي الفدرالي نحو التشديد، وتراوح وضع أوروبا السلس ما بين مقبول وجيد، واختفاء أي عوامل إضافية من سياسات الصين واليابان، بما يؤدي بالاقتصاد العالمي للإبحار نحو عاماً خالياً من الأحداث. إلا أنه على الرغم من ذلك، فقد ارتفعت المخاطر هامشياً نظراً لإمكانية تراجع الدولار الأميركي او ابتعاد الإصلاحات الأميركية عن مسارها، بالإضافة إلى احتمال حدوث بعض السجالات في أوروبا ربما في اعقاب انتخابات المملكة المتحدة التي عكرت صفو الآفاق المستقبلية لانفصالها عن الاتحاد الأوروبي لكلا الجانبين، خاصة في ظل عجز رئيسة الوزراء ماي من الفوز بشكل حاسم. من جهة أخرى، يعد النفط عاملاً آخر جدير بالمراقبة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، نظراً لأهميته القصوى للأفاق المستقبلية لدول مجلس التعاون الخليجي والأسواق.