أخبار المملكة

رحيلٌ ترك أثراً لا يُمحى في وادي الدواسر

 

فقدت محافظة وادي الدواسر يوم الأحد 23 جمادى الآخرة 1447هـ الموافق 14 ديسمبر 2025م أحد أبنائها البررة، الرجل الذي عاش للخير ومضى إليه بقلبٍ مطمئن، ناصر بن صالح الحمدان – رحمه الله – بعد معاناة طويلة مع الفشل الكلوي، صبر عليها بصمت المؤمن ورضا المحتسب، حتى لقي ربه وهو ثابت على خُلقه، ثابت على عطائه، ثابت على محبته للناس.
ليس من السهل الحديث عن رحيل رجلٍ كان حضوره حياة، وغيابه فراغاً لا يُملأ، فناصر الحمدان لم يكن مجرد اسمٍ يُذكر، بل سيرة تُروى، وأثرٌ باقٍ في القلوب قبل الأماكن؛ من عرفه عن قرب أدرك أنه رجلٌ نقي السريرة، طيب القلب، كريم العطاء، حميد الخصال، لا يعرف التصنّع ولا يجيد إلا الصدق، ولا ينطق إلا بالحق؛ كان باراً بوالديه، واصلاً لأرحامه القريب منهم والبعيد، حريصاً على السؤال والمتابعة، لا يغيب عنه حال أحدٍ من أهله أو معارفه إلا وكان أول السائلين وأصدقهم اهتماماً.
كان مجلسه، الذي يُفتح بعد مغرب كل يوم، محطة لقاءٍ ومودة، وملتقى قلوب قبل أن يكون مجلس حديث؛ ورغم ما كان يعانيه في سنواته الأخيرة من ألم المرض ومشقة العلاج، لم يُغلق بابه يوماً، ولم يتغير وجهه، ولم تخفت ابتسامته؛ كان يستقبل ضيوفه وأقاربه وجيرانه بصدرٍ رحب، وكأن المرض لم يعرف طريقه إليه، وكأن الألم لا يجد في قلبه موضعاً.
عرفه الناس محباً لفعل الخير، سبّاقاً إليه، حريصاً على بناء المساجد والمساهمة في إعمارها وتأثيثها وصيانتها، يرى في ذلك عملاً باقياً لا ينقطع، وصدقة جارية لا يخبو أثرها؛ لم يكن يطيق أن يعلم بضيقٍ يمر به أحد من أرحامه أو معارفه إلا وبادر بالسؤال، والوقوف إلى جانبه، وتقديم ما يستطيع دون منّة أو انتظار شكر.
وكان من أجمل ما يُرى في سيرته معاملته لأبنائه، إذ لم يكن أباً فقط، بل صديقاً ورفيق درب، فكانوا دائماً حوله، قريبين من قلبه قبل أن يكونوا قريبين من مجلسه؛ كما كان لافتاً وفاؤه لشقيقاته، وسؤاله الدائم عنهم، وتبادلهن له ذات الاهتمام والبر، في صورةٍ نادرة من التراحم الأسري الصادق؛ ولم يقطع حبل الود مع زملاء دراسته، بل ظل على تواصل مع بعضهم لما يقارب نصف قرن، وفاءً لذكرياتٍ جميلة، وحفظاً لعِشرةٍ قديمة.
حتى في أروقة المستشفى، وتحديداً في وحدة الغسيل الكلوي بمستشفى المحافظة العام، ترك أثراً لا يُنسى؛ فقد كان – كما يروي القائمون على القسم – باعثاً للبهجة، خفيف الروح، طيب الحديث، يُهوّن على المرضى والممرضين معاً ثقل الساعات وقسوة الألم، فتغدو جلسات الغسيل، رغم صعوبتها، أقل وطأة وأسرع مروراً بوجوده وحديثه الشيق.
شُيّع الفقيد – رحمه الله – في اليوم التالي لوفاته، حيث أُديت الصلاة عليه في جامع متعب، ثم وُوري جثمانه الثرى في مقبرة القويز، وسط حضورٍ كبير من المصلين والمشيعين الذين جاؤوا من كل حدب، في مشهدٍ عبّر بصدق عن مكانته في القلوب، وعن حجم المحبة التي حظي بها في حياته.
إن فقد ناصر بن صالح الحمدان ليس بالأمر الهيّن على كل من عرفه أو جالسه أو تعامل معه، لكنه قضاء الله الذي لا راد له، وسنة الحياة التي يمضي فيها الأحبة ويبقى أثرهم شاهداً عليهم؛ نسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجزيه عن إحسانه خير الجزاء، وأن يجعل ما قدّمه في موازين حسناته، وأن يعوضه عن صبره في مرضه أجر الصابرين.
كما نسأل الله أن يُلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان، وأن يجبر مصابهم، وأن يخلف عليهم خيراً، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مبارك بن عوض الدوسري
@mawdd3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى