المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

اقتصاد

طهران .. اقتصاد هش والفرصة مواتية لـ «حرب مالية» قاصمة

في الوقت الذي تستقبل فيه إدارة ترمب وزير خارجية ومستشار أمن قومي جديدين هذا الربيع، يشغل مصير الريال الإيراني حيزا كبيرا من استراتيجية البيت الأبيض حول كيفية التصدي لطهران. وكان الرئيس ترمب قد هدد بإعادة فرض العقوبات النفطية والمالية ضد طهران إذا لم يعزز الدبلوماسيون الأمريكيون والأوروبيون شروط الاتفاق النووي الإيراني التاريخي لعام 2015 قبل الموعد النهائي؛ للتوصل إلى اتفاق مكمل لسد الثغرات التي تشوب الاتفاق النووي في 12 أيار (مايو).
ووفقا لمسؤولين أمريكيين سابقين وحاليين، رصد جاي سولومون، الباحث في معهد واشنطن آراءهم فإن الانخفاض الحاد في قيمة الريال في الأشهر الأخيرة يمنح الولايات المتحدة وحلفاءها نفوذا كبيرا على إيران إذا قرر الرئيس ترمب سحب دعمه للاتفاق النووي. ويُذكر أن العملة الإيرانية انخفضت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل الدولار الأمريكي في آذار (مارس)، وخسرت أكثر من ثلث قيمتها منذ أن تولى ترمب منصبه العام الماضي. وقد تؤدي العقوبات الدولية الجديدة وغيرها من الخطوات المتخذة لاستهداف الاقتصاد الإيراني إلى انخفاض العملة بصورة أكثر.
وأفاد هؤلاء المسؤولون أيضا بأنه يتعين على إدارة ترمب تحديد أهدافها بشكل واضح حول شن أي حرب مالية جديدة على إيران، وإن كان بعض مساعدي الرئيس يحثونه على البقاء في الاتفاق النووي. واقترح ترمب احتمال أن تسعى الولايات المتحدة إلى استخدام ضغوط مالية متزايدة على طهران لإقناعها بالعودة إلى طاولة المفاوضات بحثا عن اتفاق أكثر جاذبية لواشنطن، وهو أمر استبعدته إيران بالفعل. ويرى مسؤولون أمريكيون آخرون أن استهداف شؤون إيران المالية يشكل أداة لاستنزاف البلاد من قدرتها على دفع تكاليف عملياتها العسكرية في الخارج، ولا سيما في سورية ولبنان واليمن.
وتجدر الإشارة إلى أن ترقية المعارضين الكبيرين لإيران – وهما مستشار الأمن القومي القادم جون بولتون ووزير الخارجية المكلف مايك بومبيو – في الشهر الماضي ستزيد من إمكانية وضع استراتيجية أكثر طموحا تهدف إلى تغيير النظام. فقد أعرب كل من الرجلين في الماضي عن أهمية استنزاف خزائن النظام لتشجيع التغيير السياسي. وصرح بولتون أمام تجمع لإحدى الجماعات الإيرانية المعارضة في الصيف الماضي أنه “يجب أن تتمثل السياسة المعلنة للولايات المتحدة في الإطاحة بنظام الملالي في طهران”. وأضاف “لن يتغير سلوك النظام وأهدافه، وبالتالي فإن الحل الوحيد هو تغيير النظام نفسه”.
لم تسر الإدارات الأمريكية المتعاقبة ومسؤولو وزارة الخزانة على خط واحد فيما يتعلق بالهدف النهائي من جهودهم التي استمرت لعقود طويلة حول الضغط على الاقتصاد الإيراني. فقد تحدث أعضاء إدارة جورج بوش الابن عن خنق طهران اقتصاديا، الأمر الذي سيؤدي إلى تدافع شديد نحو المصارف الإيرانية لسحب الودائع المصرفية والريال، وبالتالي زعزعة استقرار النظام. ووصفوا أعمال إيران غير المشروعة ودعمها للإرهاب الدولي بأنها تشكل تهديدا للنظام المالي العالمي. ونتيجة لذلك، قام مسؤولو وزارة الخزانة بجولة عالمية وحذروا المصارف والحكومات الأجنبية من القيام بأي تبادل تجاري مع إيران، وإلا فسيواجهون خطر التواطؤ في الأنشطة الإجرامية الدولية.
وكان لهذه الاستراتيجية الأمريكية تأثيرا مهلكا على الاقتصاد الإيراني. فخلال الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما، خسر الريال نحو ثلثي قيمته، وتم تخفيض مبيعات طهران من النفط إلى أقل من النصف، وانكمش اقتصاد البلاد. لكن الصفقة النووية التي تم التوصل إليها عام 2015 دفعت واشنطن إلى المسار المعاكس تماما. فقد أكد مسؤولون كبار في إدارة أوباما أن الهدف النهائي للحرب المالية الأمريكية هو الحصول على تنازلات إيرانية فيما يخص برنامجها النووي، وليس تغيير النظام. وانحسرت الجهود الرامية إلى تثبيط الاستثمار في إيران، على الرغم من استمرار الدور الإيراني في تمويل الإرهاب والمشاركة في الأنشطة الأخرى غير المشروعة. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية السابق جون كيري لقناة “سي إن إن” في تموز (يوليو) 2015 إن “العقوبات حثت الإيرانيين على المجيء إلى طاولة المفاوضات”. وأضاف “لقد قامت إيران تماما بكل ما هدف إليه الجميع عند وضعهم العقوبات”.
ولم يتضح حتى الآن الهدف النهائي لإدارة ترمب حول سياسة العقوبات الخاصة بإيران، ولا سيما إذا انسحب الرئيس الأمريكي من الاتفاق النووي في أيار (مايو). فمن الناحية النظرية، يمكن أن يسعى إلى إعادة فرض جميع العقوبات الاقتصادية المعطلة التي تم إلغاؤها رسميا عام 2016، والتي شملت عقوبات على البنك المركزي الإيراني وفرض حظر على الصادرات النفطية للجمهورية الإيرانية. وتستطيع وزارة الخزانة الأمريكية أيضا استئناف حملة التشهير التي استخدمتها بفعالية لمنع الاستثمارات في إيران. واقترح مسؤولون كبار في إدارة ترمب إمكانية السير في هذا الاتجاه أيضا. وفي هذا الصدد، قالت وكيلة وزارة الخزانة والمسؤولة في إدارة ترمب عن العقوبات المفروضة على إيران سيجال ماندلبر للكونجرس في كانون الثاني (يناير) “لقد أوضحنا في مشاركاتنا، سواء هنا في الولايات المتحدة أو في الخارج، أن الشركات التي تمارس أعمالا تجارية في إيران ستواجه مخاطر كبيرة”.

العملة في هبوط حاد
على الرغم من الاتفاق النووي ورفع العقوبات الدولية، لا يزال الاقتصاد الإيراني ضعيفاً للغاية، في رأي المسؤولين الأمريكيين والمحللين الإيرانيين. ففي 28 آذار (مارس)، انخفض سعر صرف الريال الإيراني إلى أدنى مستوياته على الإطلاق ليصل إلى 52 ألفا مقابل الدولار الأمريكي وانخفض بنسبة 37 في المائة خلال العام الماضي. ووفقا لهؤلاء المسؤولين والمحللين، يندرج حديث ترمب القاسي عن إيران ضمن الأسباب المؤدية لذلك. ولكن الأهم من ذلك هو حالة النظام المصرفي في البلاد، إذ يقول بعض المحللين إن ما يصل إلى 20 مؤسسة مالية كبرى في إيران قد أعلنت إفلاسها في الأشهر الأخيرة. كما أن عمليات إغلاق شركات الاستثمار الخاص، التي تفتقر إلى تأمين المودعين، أسهمت في إطلاق شرارة الاحتجاجات الوطنية التي اجتاحت البلاد في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
وفي ظل جميع الاتجاهات التراجعية، توقع “صندوق النقد الدولي” في تقريره في آذار (مارس) أن الاقتصاد الإيراني قد ينمو بنسبة 4 في المائة في السنة المالية المنتهية في 20 آذار (مارس) 2019. ويمكن أن يساعد انخفاض الريال في جعل الصادرات الإيرانية أكثر قدرة على المنافسة. ومع ذلك، خلص “صندوق النقد الدولي” إلى أن ديون الحكومة الإيرانية تضخمت إلى نحو 50 في المائة من الناتج الاقتصادي للبلاد، وأن أكبر ثلاثة صناديق تقاعد في البلاد أصبحت تفتقر إلى السيولة. وذكر التقرير أن “المديرين أشاروا إلى المخاطر الجمة التي يشكلها ضعف القطاع المصرفي والاختناقات الهيكلية والمخاطر المتزايدة لعدم اليقين”.

الخاتمة
تواجه إيران في عام 2018 مجموعة من التهديدات السياسية والاقتصادية والبيئية التي ربما لم يسبق لها مثيل منذ تأسيس الجمهورية قبل نحو 40 عاما. فقد استمرت الاضطرابات التي بدأت في العام الماضي على مستويات متفاوتة، وشملت احتجاجات من قبل النساء اللواتي يسعين إلى مزيد من المساواة بين الجنسين، والنقابات العمالية التي أزعجها الركود في الأجور والتضخم. كما أدى نقص المياه والزلازل التي ضربت إيران إلى إرهاق قدرات حكومة الرئيس حسن روحاني. فضلا عن ذلك، تنفق طهران مليارات الدولارات في عملياتها العسكرية في الخارج، ولا سيما في سورية، حيث تقاتل منذ سبع سنوات لدعم نظام الرئيس بشار الأسد. وتلوح في أفق طهران مسألة الخلافة السياسية أيضا، إذ يبلغ المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الـ 78 من عمره، وقد خضع لعلاج السرطان في السنوات الأخيرة. وهناك دلائل متزايدة على أن القادة العسكريين والسياسيين بدأوا يتنافسون على السلطة تحسبا لعدم استمراره في الحكم. ومن بين السيناريوهات المحتملة، يمكن لوحدة النخبة العسكرية الإيرانية، أي «الحرس الثوري»، أن تسعى إلى إقامة حكم عسكري. وفي هذا الإطار، كتب الخبير في الشؤون الإيرانية علي رضا نادر في شباط (فبراير): “تشير انتفاضة عام 2017، وتقسيمات النخبة الداخلية، وعدم قدرة خامنئي على الحفاظ على نظام سياسي مستقر، إلى أن زوال النظام، إذا حدث، يجب ألا يكون مفاجئا”.
ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان جون بولتون ومايك بومبيو سيلتزمان بمواقفهما المتشددة ويسعيان إلى استغلال هذه الانقسامات في إيران عند توليهما منصبيهما. ويمكنهما القيام بذلك إما عن طريق تصعيد الحرب المالية على إيران، وإما السعي لتحدي طهران على جبهات أخرى. ومن جانبه، لم يضع الرئيس ترمب بعد رؤية متسقة حول السياسة تجاه إيران. ففي سورية، عملت القوات الأمريكية كحصن منيع ضد المقاتلين الإيرانيين والشيعة الذين يعملون على ترسيخ سيطرة نظام الأسد على السلطة. لكن في الشهر الماضي، أعلن ترمب عزمه على إعادة القوات الأمريكية وإخراجها من سورية. وقال في اجتماع سياسي حاشد يوم 30 آذار (مارس)، “سنخرج من سورية قريبا جدا. فلندع الآخرين يتولون أمرها الآن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى