شعر

طَبرُقَةُ السَّاحِرَةُ

 

بقلم /د. جلال الطويهري

طَبرُقَةُ يا سِحْرَ العُيُونِ وَيا سَنَا *** بَدْرٍ أَضَاءَ الدَّرْبَ وَالأَرْكَانَا

يا لُؤلُؤاً نَفِسَ الزَّمَانُ بِمِثْلِهِ *** فَتَفَرَّدَتْ بَيْنَ البِلادِ مَكَانَا

يا قِبْلَةَ البَحَّارِ فِي أَسْفَارِهِمْ *** وَمَرَافِئَ العُشَّاقِ مُذْ أَزْمَانَا

فِيكِ الجِبَالُ تُعَانِقُ الأُفْقَ العُلَا *** وَتُظَلِّلُ الغَابَاتُ وَالمَرْجَانَا

صَخْرُكِ يَحْكِي عَن صُمُودٍ خَالِدٍ *** وَالبَحْرُ عِندَ شَوَاطِئِكْ غَضْبَانَا

يُلْقِي عَلَى رِمْلَاكِ لَحْنَ هِيَامِهِ *** وَيَعُودُ فِي حَوْرَاتِهِ سَكْرَانَا

وَتَغَنَّتِ الأَمْوَاجُ فَوْقَ سُهُولِكِ *** نَغَماً يُذِيبُ الرُّوحَ وَالأَشْجَانَا

يَا لَوْحَةً مِنْ بَهْجَةٍ مُتَفَرِّدَةٍ *** نَسَجَتْ عَلَى كَفِّ الجَمَالِ هَوَانَا

فِيكِ الغُيُومُ تُقَبِّلُ القِمَمَ الَّتِي *** تَعْلُو وَتُرْسِلُ فِي الدُّجَى أَلْوَانَا
. وَالغَابُ يَحْتَضِنُ السَّوَاحِلَ نَاعِمـاً *** كَالأُمِّ تُسْقِي وَلْدَهَا حَنَانَا

فِيهِ الطُّيُورُ تُغَرِّدُ الأَلْحَانَ مَا *** أَبْقَتْ لَنَا مِنْ شَدْوِهَا أُذْنَانَا

. وَتَرَفَّتِ الأَنْسَامُ بَيْنَ أزَاهِرٍ *** تُهْدِي العَبِيرَ لِعَاشِقٍ سَجْيَانَا

يَا مَنْبَعَ المَرْجَانِ فِي أَعْمَاقِهِ *** زُيِّنْتِ بِالدُّرِّ النَّفِيسِ حِسَانَا

كَمْ صَيَّرَ الغَوَّاصُ مِنْ تِيجَانِهِ *** عِقْداً يَزُفُّ إِلَى الحِسَانِ جَمَانَا

أَصْدَافُكِ البَيْضَاءُ صَارَتْ زِينَةً *** حَاكَتْ عَلَى شَفَةِ الخَلِيجِ مَكَانَا
وَالبَحْرُ فِي عَيْنَيْكِ صَارَ قَصِيدَةً *** نُظِمَتْ عَلَى أَوْتَارِهِ أَوْزَانَا

. فِيكِ القِلَاعُ الشَّامِخَاتُ تَحَدَّثَتْ *** عَنْ مَجْدِ أَجْدَادٍ مَضَوْا شُجْعَانَا

شَادُوا الحُصُونَ عَلَى الذُّرَى وَتَحَصَّنُوا *** ضِدَّ الطُّغَاةِ وَقَاوَمُوا طُغْيَانَا

فَبَقِيتِ يَا طَبرُقَةُ العِزِّ الَّتِي *** فِي وَجْهِ كُلِّ الرِّيحِ قَالَتْ: لَانَا

وَظَلَلْتِ تَكْتُبُ فِي الحِجَارَةِ قِصَّةً *** تَحْكِي البُطُولَةَ تَارَةً وَأَمَانَا

يَا زَهْرَةً خَضْرَاءَ فِي أَرْضِ الرُّبَى *** يَا نَغْمَةً تَسْرِي فَتُحْيِي الآنَا

فِيكِ التِّلَالُ كَأَنَّهَا فِي مَوْكِبٍ *** غَنَّى الجَمَالُ لَهُ فَصَارَ غِنَانَا

. فِيكِ الصَّبَاحُ عَلَى الخَمَائِلِ نَاضِرٌ *** وَاللَّيْلُ يَكْسُو بِالنُّجُومِ سَمَانَا

يَا جَنَّةً قَدْ صَاغَهَا الرَّحْمَنُ إِذْ *** جَعَلَ الهَوَى فِي أَرْضِكِ إِيمَانَا

فِيكِ الهَوَى يُزْهِرُ كَغُصْنٍ نَاضِرٍ *** يُهْدِي العُشَاقَ إِلَى الغَرَامِ سُبَانَا

كَمْ شَاعِرٍ هَامَ الجَمَالَ بِسِحْرِكِ الـ *** بَحْرِيِّ، فَاتَّخَذَ الضُّلُوعَ مَثَانَا

. وَكُتِبْتُ فِيكِ قَصَائِدِي مُتَرَنِّماً *** حَتَّى غَدَوْتِ عَلَى يَدَي دُرَّانَا

يَا آيَةَ الإِبْدَاعِ تَبْقَيْنَ الهَوَى *** مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا فُؤَادٌ هَائِمَا

. طَبرُقَةُ… يَا وَعْدَ الزَّمَانِ وَسِحْرَهُ *** يَا نَجْمَةً أَهْدَتْ لَنَا دُنْيَانَا

. تَبْقَيْنَ فِي القَلْبِ الوَفِيِّ قَصِيدَةً *** تُتْلَى وَتُخَلِّدُ فِي المَدَى أَزْمَانَا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى