المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

اقتصاد

لماذا لا تعظّم الكويت اقتصادها بمغازلة المتقاعدين الأجانب؟

في الوقت الذي تعجّل فيه البلاد من دفع العمالة الوافدة، إلى التقاعد المبكر أملاً في مغادرتها، تتبنى بعض الدول، وأقربها الإمارات، فكراً اقتصادياً معاكساً يهدف إلى تعظيم اقتصاداتها من ثروات المتقاعدين من خلال استقطابهم بشروط معينة، فما شيفرة السر وراء ذلك؟
من حيث المبدأ، تسعى قائمة طويلة من الدول تأتي على رأسها باراغواي والإكوادور، وتضم تركيا وجزر الكاريبي، إلى تحفيز المتقاعدين الأجانب للاستقرار لديها، من خلال منحهم مزايا استثنائية، وفتح باب الاستثمار لهم في البلاد، وذلك في مسعى للاستفادة منهم في تحقيق عوائد أجنبية إضافية، خصوصاً أن الشريحة التي تنطبق عليها الشروط تندرج ضمن أصحاب رؤوس الأموال.ومن الدول التي قدّرت أهمية اقتصاد المتقاعدين الأجانب مبكراً الإمارات، فبعد أن منحتهم نهاية 2019 وأزواجهم إقامة لمدة 5 سنوات، قابلة للتجديد وفق شروط وضوابط، أطلقت دبي مبادرة للمتقاعدين من مختلف أنحاء العالم من خلال برنامج «التقاعد في دبي»،  يعتبر الأول من نوعه في المنطقة.ويوفر البرنامج لأي مقيم أو متقاعد خارج الإمارات، يزيد عمره على 55 عاماً التقدُّم للحصول على تأشيرة التقاعد عبر الموقع الإلكتروني «‪ww.retireindubai.com‬⁩» وفق مجموعة من المعايير والمتطلبات الخاصة للحصول على تأشيرة تقاعد قابلة للتجديد كل 5 سنوات. وسيحصل الأشخاص الذين يستوفون المعايير والمتطلبات على تأشيرة تقاعد قابلة للتجديد كل 5 سنوات، وذلك إذا كان المتقاعد لديه دخل شهري قدره 20 ألف درهم «نحو 5500 دولار» يكتسبه من الاستثمارات أو المعاشات التقاعدية، أو يمتلك بحسابه مبلغ مليون درهم «275 ألف دولار»، أو لديه عقارات في دبي بقيمة مليوني درهم «550 ألف دولار».ويستهدف البرنامج في مرحلته الأولى المقيمين في الإمارات ممن عملوا في دبي لأكثر من 10 سنوات وبلغوا سن التقاعد، وأصبحوا على دراية كافية بطبيعة الحياة في دبي وتوجهها العالمي كمركز للابتكار ومدينة حاضنة للإبداع ووجهة متعددة الثقافات.يأتي ذلك، بعد أن كانت الإمارات قد اعتمدت في 2019 قانوناً يمنح تأشيرة طويلة الأمد للوافدين على أرض الإمارات، بعد إحالتهم إلى التقاعد، كما منح ذلك القانون، امتيازات خاصة بتأشيرة للأشخاص ما فوق سن 55 عاماً تسمح بالإقامة طويلة الأمد في الإمارات.
فرص مناسبةواقتصادياً، يقود التوجه نحو استقطاب المتقاعدين الأجانب، لسحب مدخراتهم وما لديهم من رؤوس أموال، على أساس أن جزءاً كبيراً من هذه الشريحة يبحث عن فرص مناسبة لتوظيف مستحقات نهاية تقاعده، ما يقود في النهاية إلى تحقيق إنفاق أجنبي ضخم بالدولة، سواءً كان استثمارياً أو لجهة المصاريف الاستهلاكية، وجميعها تنشط الحركة الاقتصادية. وتطرح الدول المرحبة بالمتقاعدين عادة حزماً خاصة بهذه الشريحة، تشمل خدمات مختلفة، خصوصاً في الجانب الصحي والاستثماري، سواءً مباشرة أو غير مباشرة، وذلك بهدف جذب المزيد منهم، ومن ثم تعظيم اقتصاداتها برؤوس أموالها، علاوة على التسهيلات الأخرى التي قد تشمل منح قروض مصرفية لرفع حجم استثماراتهم المختلفة، حتى أن بعض الظرفاء لا يستبعد أن تتسابق هذه الدول إلى تبني سياسة جذب المتقاعدين ببرامج تحفّز للموت على أراضيها.
التمسك بالوافدينومع ذلك، قد يرى البعض أن طرح فكرة التمسك بالعمالة الوافدة، خصوصاً «الشياب» منها، بمثابة تغريد خارج النص المقرر لتخفيف نسبة المقيمين، خصوصاً مع اختلال التركيبة السكانية وتحولها لقضية رئيسية، ولتحدٍ مهم لمستقبل البلاد. إلا أن المتعمق في تجارب البلدان التي شجعت على استقطاب المتقاعدين الأجانب، سيكتشف فوائد اقتصادية عديدة لذلك، أولها استقطاب المزيد من رؤوس الأموال التي تبحث عن فرص مناسبة، ما يرفع من كفاءة البلاد اقتصادياً. لكن حتى الآن من الواضح أن الكويت غير مهتمة بالفكرة أو رعايتها مستقبلاً، باعتبار أن أعداداً من الوافدين يمثلون عبئاً يجب التخلص منه، رغم أنه مقابل دفعها بتسريح المتقاعدين الأجانب وترحيلهم لبلادهم، هناك دول تسعى لإقناعهم بأن يبدأوا حياة جديدة لديها، خصوصاً أن أعضاء هذه الشريحة لن ينافسوا المواطنين على الوظائف مثلما يحدث مع المقيم التقليدي الذي جاء إلى البلاد بهدف البحث عن عمل، بل يمكن أن يوفروا فرص عمل للمواطنين عبر مشاريعهم المستهدف إقامتها.ولا ريب بأن البلدان التي تطبق مثل هذه السياسات في الإقامة، ستجني عدداً من الفوائد ذات العائد الإيجابي على اقتصاداتها، حتى لو استفاد البعض من بقائه بالبلاد من باب الوظيفة، ففي جميع الحالات، فإن معدل إنفاق هذه الفئة أكثر بكثير من دخلها وظيفياً، والذي قد يتأتى من بعض الحالات والتخصصات.وبالطبع ستواصل هذه الشريحة الاستقرار في الدولة التي استقطبتها، ما يعني إنفاقها المزيد من الأموال التي ستنعش حركة الاقتصاد، علاوة على أنها قد تتحول لمساهم مهم في تنشيط الاستثمار في عدد من القطاعات الحيوية. وتحتاج الدولة التي ترغب في الإدراج بالقائمة المرحبة بالمتقاعدين الأجانب إلى تقديم مزايا تنافسية تشجع للهجرة إليها، ليس أقلها تحسين القطاع السياحي والصحي، وأيضاً تحسين بيئة الأعمال المحلية، على أن يتضمن ذلك السماح بحرية انتقال أموالهم، مع فرض ضرائب مناسبة عليهم، علاوة على أهمية تطوير البنى التحتية وتشييد المرافق المختلفة، لاستيعابهم وتوفير منتجات استثمارية تنسجم مع جميع الإمكانات، مع الحفاظ على مستوى إنفاق معيشي يتناسب مع الدخل.

فوائد للمتقاعد

من ناحية الفوائد التي يتحصل عليها الوافد المتقاعد، فإنها تتركز بشكل رئيسي حول إمكانية بدء حياة تجارية جديدة مع قدرته، على سبيل المثال، على تملك العقار والدخول في الاستثمارات المختلفة، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والأسري له، خصوصاً بالنسبة لأولئك الذين عملوا لفترات طويلة في البلاد، لكن ذلك يحتاج إلى تعزيز ثقافة تفهم أهمية وجود المتقاعد الأجنبي.
من ناحية أخرى، تحصل هذه النوعية من المقيمين على تأشيرات إقامة خاصة في البلدان المرحبة بالمتقاعدين، وباهتمام سياحي، لاسيّما وأن هذا الجانب سيكون جزءاً رئيسياً من أجندة المتقاعد أثناء فترة إقامته الخاصة.
ويرى البعض أن تطبيق مثل هذه الفكرة، يدعم جهود الدولة نحو تحقيق الإصلاحات المختلفة لبيئة الأعمال، والتي سجلت فيها الكويت أخيراً تواجدها ضمن أفضل 20 بلداً تحسناً في العالم.
ويمكن القول إن تقديم مثل هذه النظم من الإقامات ذات الأبعاد الاقتصادية، يجعل البلاد أكثر جاذبية على مستوى الاستثمار، وخياراً مفضلاً للمتقاعدين من شتى أنحاء العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى