المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

الافتراضي

هل تستطيع الصين غزو تايوان؟

 

تتزايد يوماً بعد يوماً تهديدات الصين لتايوان، للاشتباه في رغبة جمهورية الصين الإعلان رسمياً عن استقلالها. وبينما تدعم الولايات المتحدة تايبيه، ما تنفك الصين تذكر كل مرة المجتمع الدولي بقوتها وأحقيتها في السيطرة على بحر الصين الجنوبي، الذي حولت بعض جزره إلى قواعد عسكرية.

استعرضت الصين عضلاتها مؤخراً في مضيق تايوان من خلال المناورات البحرية التي نظمتها باستخدام الرصاص الحي. ويأتي استعراض القوة هذا، بينما زادت تهديدات الرئيس الصيني تشي جين بينغ تجاه تايبيه إن حاولت الانفصال عن الصين، فهل تسعى الصين الى ضم جزيرة تايوان (جمهورية الصين)، وتهاجم حليفاً للولايات المتحدة الاميركية في المنطقة؟ مهما يكن يبدو أن التوترات بين القوتين العظميَين بشأن هذا الملف تتفاقم يوما بعد يوم، خاصة بعد أن عزز الرئيس دونالد ترامب التقارب مع تايوان في استفزاز مباشر، أثار غضب بكين.

رسالة الصين
تعد المناورات البحرية التي نظمتها الصين في الـ18 أبريل الماضي في مضيق تايوان، الأولى من نوعها في هذه المنطقة الحساسة منذ 2016. بالتأكيد بقيت الصين بعيدة عن السواحل التايوانية، لكن الرسالة كانت واضحة جداً ولا يلفها الغموض. وتقول بوني غلاسير الباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن بكين أرادت تحذير تايوان وواشنطن وتبلغهما بأن لا مجال أمامهما لتجاوز الخطوط الحمراء التي حددها النظام أو التعرض لمصالحه المهمة».
وكان الرئيس تشي جين بينغ قد أكد في مارس الماضي معارضة بلاده لأي مبادرة انفصال، وقال إن أي محاولة في هذا الاتجاه ستعرّض تايوان إلى «عقاب تاريخي». وكان العملاق الآسيوي قد حذر في نص قانوني أقره في 2005 من أنه لن يتردد في استخدام القوة إن تم كسر هذا الأمر الذي يعتبره من المحرمات. وتطبق الجزيرة التي لجأ اليها القائد القومي تشانغ كاس تشيك في 1949 بعد انتصار قوات الشيوعيين، سياسة مستقلة، غير ان الصين تعتبر أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها. وقد تدهورت العلاقات بشكل كبير بين الطرفين منذ انتخابات الرئاسة التي فازت فيها في 2016 تساي أينغ وان، زعيمة الحزب التقدمي الديموقراطي، الذي يدافع عن الاستقلال عن الصين. وتتهم الصين التي عززت طلعاتها الجوية والبحرية منذ ذلك العام، تتهم هذه السيدة بالسعي لإعلان الاستقلال وهو ما تدحضه.

دواعي الوحدة
تعد تايوان في نظر الصين، الأولوية الأولى في ما يتعلق بالوحدة الوطنية، لذلك تبدو وحدة الصين وفق ما ذكر تشي جين بينغ في مارس الماضي «مصلحة أساسية». ويسعى الرئيس الصيني بطريقة أو بأخرى الى ضم الجزيرة وفق الكثير من الخبراء. ووفق ماثيو دوشاتال نائب مدير قسم اسيا والصين في المجلس الاوروبي للعلاقات الدولية فان تايوان تمثل من الناحية الاستراتيجية عنصراً مركزياً في علاقات القوة بين الصين والولايات المتحدة وحلفاءهما الآسيويين.
وعلاوة ذلك، فإن تايوان تعد وفق الباحث ذاته رمز المنافسة بين الأنظمة الشمولية والنموذج الديموقراطي. وباستخدامه لهجة حازمة، يحاول الرئيس الصيني الذي بنى شرعيته على تعزيز الحس القومي، تحسين صورته كقائد قوي ومحترم بين شعبه.
وتقول بوني غلاسر الباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إنها لا تستبعد أن تبادر الصين إلى الهجوم على تايوان لكنها تضيف «بالنظر الى حذر تايبيه فإن هذه الامكانية تبدو ضعيفة حالياً».
ويرى خبراء عديدون أن أي هجمة صينية تعد مخاطرة في الوقت الراهن، ذلك أنها ستؤدي الى تدخل عسكري اميركي. وتقول الباحثة في معهد الابحاث الاستراتيجية الفرنسي جولييت جينيفاز إن الولايات المتحدة ليست ملتزمة قانونا بالدفاع عن الديموقراطية التايوانية وجيش التحرير الشعبي غير مستعد لمواجهة البحرية الاميركية.
وتأخذ تايوان التهديدات الصينية على محمل الجد فالرئيسة التايوانية أشرفت في الـ13 ابريل الماضي على أولى المناورات البحرية منذ وصولها الى السلطة. وتدخل المناورات الصينية على الخصوص، ضمن استراتيجية حرب بسيكولوجية تستهدف التايوانيين لإجبارهم على قبول شكل من أشكال الوحدة مع الصين وفق المختص في الشؤون الصينية في جامعة هونغ كونغ جان بيير كابيستان. بينما يقول الباحث في مؤسسة البحث الاسترتيجي أنطوان بونداز: «هدف بكين هو إضعاف الوضع الراهن بينما تحاول تايبيه الحفاظ عليه».
وتضاف سلسلة الضغوط هذه إلى الضغوط التي تمارسها بكين لإبعاد تايوان عن المنظمات الدولية وتقليص عدد حلفائها الرسميين ومبادراتها من أجل حض النخبة الاقتصادية الفكرية على تناول الموضوع. ويقول جان بيير كابستان إن حظوظ فوز التيار المؤيد لفكرة الوحدة مع الصين ضعيفة جداً، وما دامت الولايات المتحدة تؤيد تايبيه فمن المستبعد أن يخضع التايوانيون. ويبدو أن الصين أمام مأزق حقيقي قد يضطرها لاستخدام القوة.

توترات في المنطقة
انزعجت الصين التي تدين أي اتصال بين تايبيه والدول الاجنبية، من مبادرات عدة مؤيدة لتايوان وافق عليها الرئيس الاميركي دونالد ترامب. فالقانون الأخير مثلا يشجع تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين. ليس لواشنطن علاقات دبلوماسية مع تايوان لكن لها علاقات غير رسمية معها وتبيعها السلاح. وكان البيت الابيض قد سمح مؤخرا ببيع تايوان تكنولوجيا تسمح لها ببناء غواصات خاصة بها. ويتوقع أن تزيد التوترات السياسية علاوة على التوترات الاقتصادية، بتعيين «الصقر» جون بولتون المقرب من تايوان، في منصب مستشار للرئيس ترامب مختصاً بالامن القومي. فقد رافع بولتون في 2017 لمصلحة تقارب عسكري بين واشنطن وتايبيه وفي مارس الماضي قالت مساعدة وزير الخارجية الاميركي الكس وونغ ان الولايات المتحدة ترغب في تعزيز علاقاتها مع الشعب التايواني خلال زيارة له الى تايبيه. لكن لا نعرف ما إذا كانت واشنطن ستتحدى الصين التي اكدت ان توقف بوارج حربية اميركية في الجزيرة يمثل خطا احمر. وكانت ازمة قد اندلعت في نهاية 2016، حيث تلقى دونالد ترامب مباشرة بعد انتخابه مكالمة هاتفية من الرئيسة التايوانية، في تصرف يتعارض تماما مع النهج الذي كانت الدبلوماسية الاميركية تنتهجه منذ عقود.

صراع صيني أميركي
حضر الرئيس الصيني تشي جبن بينغ في 12 ابريل الماضي، مناورات عسكرية عملاقة في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه وقال يومها «حاجتنا الى بحرية قوية لم تكن ابدا ملحة مثلما هي اليوم». أكدت الصين سيادتها على جزر عدة وشعاب مرجانية، تطالب دولاً أخرى بخفض بسط سيادتها عليها مثل فيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي كما حولت بعض الجزر الى قواعد عسكرية لدعم نواياها التوسعية، لذلك زادت التوترات مع الولايات المتحدة في المنطقة، لكن واشنطن تسعى ايضا لاستعراض عضلاتها في المياه، حيث تبحر حاليا حاملة طائرات اميركية وترسل بانتظام بوارج حربية بالقرب من الجزر التي تسيطر عليها الصين التي تعتبر هذا الامر استفزازا لسيادتها.
ويتوقع الخبراء أن تؤدي هذه التوترات إلى وقوع حوادث، لكنهم يستبعدون أي صراع في الوقت الحالي. وهنا يقول انطوان بونداز «تسعى بكين التي تطبق سياسة الامر الواقع إلى تغيير الوضع تدريجياً لمصلحتها، من دون أن يؤدي ذلك إلى ردة فعل قوية من المجموعة الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى