المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتةمقالات

‫#حكايتي _مع _الصحوة‬⁩ في #بريدة

بقلم: شيخة الصالح

‏في مرحلة من مراحل العمر يمر على الإنسان ما يسمى بالذكريات .. ‏لكن السؤال؟! ‏هل هذه الذكريات صنفها الإنسان بالجميلة ذات الطابع الجميل؟! أم هي ذكريات أليمة ذات طابع مؤلم وسيء يخجل منها الإنسان عندما يمر طيفها في مخيلته!!.‏لكن هناك بعض الحوادث التي تبقى عالقة في الذهن.

‏حكايتي مع الصحوة بدأت في الثمانينات الميلادية حينها كنت طالبة في المرحلة المتوسطة، ‏أعيش في كنف والدين مختلفين في التعليم والمباديء والثقافة، فوالدي رجل متعلم تعليم بسيط ديمقراطي بعيد عن السياسة مهتم في مجال التجارة. ‏

ووالدتي إمرأة أمية تنحدر من أسرة متشددة، خلال هذه الفترة من العمر كان إرتباطي قوياً بأخوالي الذين أنقلب حالهم عن السابق من الوسطية في الدين إلى التشدد أو مايسمى بالصحوة، ‏حيث شارك خالي الأكبر في الحرب الأفغانية السوفياتية.

‏وبعد رجوعه زاد تشدده وتعلقه بالحركة الإخوانية التي انقلبت مبادئها في منتصف التسعينات خلال حرب الخليج الثانية، ولوجود مؤسس الصحوة في مدينة بريدة ” سلمان العودة ” ولإرتباط معظم أفراد عائلة والدتي به سواء إجتماعياً أوفكرياً. ‏

كان لذلك الأثر الكبير في إنجذاب العديد من شباب ورجالات ونساء الأسرة وغيرها به وما يدعيه من تحرير بلاد الحرمين من الوجود الأمريكي وغيره من الأراء والأفكار، هذه الصحوة بفكرها الجديد جعلها في صدام مع الدولة. ‏خلال هذه الفترة الراهنة كنت متعلقة بأخوالي ومعجبة بهم وبأفكارهم ومبادئهم، ومن الطبيعي أن أكون معجبة بالصحوة وأفكارها لمروري بمرحلة عمرية حساسة ألا وهي (مرحلة المراهقة). ‏

فكنت أتمنى إبان تلك الفترة الذهاب للجهاد والإستشهاد في ساحة المعارك سواء في أفغانستان أو فلسطين، ‏وحلمي كنت أريد تحقيقه وهو تحرير بيت المقدس، ‏فكل يوم يمر من عمري يزداد تعلقي بالصحوة وشعاراتهم واشرطة الأناشيد الجهادية والإستشهادية والخطابات الدينية لرموزها، وقراءة العديد من الكتب لسيد قطب وحسن البنا.

‏لم يخطر ببالي كيف تغير الحال فبعد أن كان كل شيء في المجتمع عادي ومسموح أصبح كل شيء محرم ولايجوز بناءً على فتاوى رموز الصحوة وخطاباتهم. ‏بعد ذلك بدأ الصدام بين الحكومة والصحوة وبدأت تحارب فكرهم، ‏كانوا قدسيطروا على معظم البيوت والشباب، وأعلنوا تظامنهم مع سلمان العودة بعد مظاهرة بريدة ومنهم أخوالي.

‏وقد كان يوجد لدى البعض اجهزة حاسوب وطابعات يقومون بطباعة بعض التقارير والأخبارالمزيفة عن الحكومة، والتي يقوم بإرسالها لهم سلمان، ويتم توزيعها خفية في المساجد والمدارس عن طريق بعض الشباب وصغار السن، ‏ونظراً لصغر سني وحيث أن والدي لم يلزمني بلبس العباءة في تلك الفترة، ‏ولن أكون ملفتة لإنتباه الشرطة والمباحث، فكنت مسئولة عن توزيع المنشورات في المدرسة وقت (الفسحة) أضعها في حقائب الطالبات.

‏آيضاً وقت صلاة الجمعة انتظر لحين قرب إنتهاء وقت الصلاة وأضعها بالزجاج الأمامي للسيارات تحت (المساحه)، ‏وكنت أخرج وقت الظهيرة وأحياناً بالليل وأضعها بالسيارات أو من أسفل باب المنزل.

‏تغمرني السعادة عند إنجازي لمهمتي، ‏لكن بعد فترةً من الزمن ولحبي للإستطلاع والفضول وبعد إستلامي للنشرات، بدأت أقرأ مابداخلها على الرغم من تحذيري من قبل خالي بعدم قرأتها.

‏زاد إطلاعي على ماتحتويه تلك النشرات وقمت بالإحتفاظ بالعديد منها داخل الكتب، ‏وتولد داخلي تناقض كبير خاصة بعد ملاحقة الحكومة لرموز الصفوة وشاهدتهم يقومون بإتلاف المنشورات والتخلص من الأجهزة.

‏ (إذ اكانو على حق فلم الخوف)؟! كان هذاالسؤال يتكررفي ذهني، ‏بعدها شاءت الأقدار أن أنجو من الصحوة في نهاية التسعينات، وخلال دراستي الثانوية، وبت أكره تلك الفتاوى المتشددة والتقاليد المتخلفة، ‏وأدركت أنه فكر غبي يحرم أي شيء حسب مزاجه ويحرم كل فتوى مخالفة لفكره. ‏(ولو أني بقيت معها إلى وقتنا الحاضر لشاركت في العمليات الإرهابية ولهربت لسوريا أو العراق)، ‏إبان هذه الفترة حاولت الدولة جاهدةً محاربة هذا الفكر بكل الوسائل والطرق. ‏ لكن لقد نفذ هذا الطاعون إلى معظم مؤوسسات الدولة وخاصة التعليم، ‏وقد حاولت جاهدةً محاربته طيلة دراستي الثانوية والجامعية، وبعد الوظيفة في سلك التعليم ولمعرفتي بأراءهم وأفكارهم.

‏لكن دون جدوى فالمرأة في تلك الحقبة ليس لها أي دور فكري أو إجتماعي مؤثر، بل على العكس وجدت أنا الحرب والإستهجان من قبل الأسرة والمجتمع وإطلاق لقب العلمانية بحقي. ‏وإلى وقتنا الحاضر مازال معظم المجتمع موالي للصحوة ولزعيمها في بريدة سلمان العودة، ‏ويتخذون من حبهم وموالاتهم للدولة ستاراً للحفاظ على المناصب القيادية في المنطقة وبخاصة التعليم، وتمركزهم فيها هم ونسائهم الصحويات للحيلولة دون وصول من هم فعلاً موالين للدولة، أو بالاصح على حد زعمهم علمانيين وليبراليين.

‏كل ذلك كان بسبب الفهم الخاطيء للدين والغلو فيه، وإقفال باب الحياة المتساوية بين المرأة والرجل، فكان الزمن قبل (زمن الفجوة)جميلاً، الأنفس طيبة، والبال مرتاح، على العكس من ظهورها، الكل بدأ ينظر للأخر بريبة، وبدأ أمرالناس ونهيهم بالعنف، والدين أصبح غنايم. ‏

وركون الناس لهذه الهزيمة الإخوانية الصحوية التي سيطرت على السياسة والدين في آن معاً، فهم مسيطرون على الفضاء الإجتماعي، وأصبحوا جهة محورية فاعلة في إتخاذ القرار. ‏

على الرغم من أن بعض رموز الصحوة والمنتمين إليها ممن أعرفهم، تراجعوا عن أفكارهم بعد مارأو خطرها على الشباب وعلى أخلاقهم، ‏لكن الأمل في رؤية السعودية الجديدة، في عهد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان حفظهم الله. ‏

آمل بصحوة سعودية جديدة (وطنية) ذات مفاهيم وقيم إنسانية، بعيدة عن التعصب والتشدد والغلو والتكفير، التي اغلقت المجتمع بقالب جامد، وغُلفت بالقالب الديني المناسب لميولها وأفكارها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى