المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

مقالات

ليس البصر معيار الرجولة… فالبصيرة أصدق

بقلم: هذال السليمان

في زمن تتسارع فيه الأحكام، وتُبنى التصورات غالبًا على ما تراه العين لا ما يدركه العقل، نغفل عن حقيقة عميقة: أن البصر لا يُعادل البصيرة، وأن الرجولة لا تُقاس بالشكل أو الحواس، بل تُوزن بالفعل والمبدأ والنية الصادقة.

قلت في قصيدةٍ لي:
“مسكين يلي تحسب الشوف معيار
الشوف ما يغني بدون البصيره”

وقد جاء هذا البيت من واقعٍ كثيرًا ما نعيشه نحن الذين ابتُلينا بفقدان البصر، لكننا لم نفقد الرؤية. هناك من يظن أن العين هي كل شيء، وأن القدرة على النظر تعني بالضرورة الفهم، بينما الحقيقة أن بعض العيون لا ترى سوى القشور، وبعض القلوب تُبصر ما لا تدركه العيون.

لا يكفي أن ترى، إن لم يكن فكرك حاضرًا، وعقلك متزنًا. بل إن غياب الفكر أو انهيار العقل قد يجعل من الرؤية نقمة، لا نعمة. ولذا قلت:
“الشوف ما يكفي اذا العقل منهار
والفكر لا ضاع النتايج خطيره”

لقد رأيت – في تجربة الحياة – رجالًا بأفعالهم لا بأجسادهم، ووجدت عظماء لا تُعينهم أعينهم، بل تقودهم بصيرتهم، ونيّاتهم الطاهرة، وقيمهم الثابتة.

“كم واحدٍ بين الرجاجيل ما صار
وكم واحدٍ رجال عينه ضريره”

وهكذا تتكشّف الحقائق: هناك من يُرخص نفسه من أجل دنانير، وهناك من تعلو قيمته رغم قلّة حيلته، لأنه لا يساوم على مروءته وأخلاقه:
“وكم واحدٍ يرخص على شان دينار
وكم واحدٍ دايم فعوله كبيره”

إنني أؤمن أن ما يصيبنا ليس عجزًا، بل اختبار. وأن القَدر، وإن بدا مؤلمًا أحيانًا، إلا أنه يحمل في طياته خيرًا كثيرًا. فنحن لا نملك تغيير الأقدار، لكن نملك أن نرضى بها، ونحسن التعامل معها، ونمضي في الحياة بثبات:
“ما بيدنا شين على حكم الأقدار
والله ييسر كل حاجه عسيره”

وبين الناس، أعيش صبورًا، راضيًا، لا أتذمّر ولا أنظر لما فاتني، بل أحمد الله على ما أعطاني. فكل ما يأتي من الله خير، وإن خالف رغبتنا في الظاهر:
“أقدي بحياتي بين هالخلق صبّار
راضي بحكم الله وما صار خيره”

إنني، ومن خلال هذه الكلمات، لا أتحدث عن نفسي فقط، بل عن كل من يشبهني في التجربة، ويختلف عني في المواقف. أتحدث باسم كل من ظنّ الناس أنه ناقص، وهو في الحقيقة مكتمل من الداخل، بعقله، وإرادته، وإيمانه.

فلنُعد النظر، لا بأعيننا فقط، بل بعقولنا وقلوبنا… لأن البصيرة أصدق من البصر، وأقوى من أي حاسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى