مقالات

الجميع يبارك… والنية مقتولة ..!!

"الله ألطف من كل نوايا البشر، وأرحم من كل مقارنة، وأحكم من كل ميزانٍ ناقص."

 

✒️ راضي غربي العنزي – “كاتب سعودي”

ليست كل الابتسامات صافية، ولا كل الأمنيات بريئة كما تبدو.
هناك من يقول لك: أتمنى لك الخير، ثم يضع هذا الخير في حجم قلبه، فإن تجاوزته ضاق، وإن فاقه انقلب صمتًا باردًا.
هم لا يكرهونك، لكنهم لا يحتملون أن تكون أفضل.
لا يعادونك، لكنهم يفضّلونك في المرتبة التي لا تزعجهم.
يتمنّون لك النجاح ما دام لا يعلو صوتك فوق أصواتهم، ويباركون لك التقدّم بشرط ألّا تُربك طمأنينتهم الهشّة.
وهنا تبدأ المفارقة الإنسانية المؤلمة: أن يصبح التفوّق ذنبًا، والتميّز وقاحة غير معلنة.
في زوايا الحياة، لا يخاصمك الجميع، بعضهم فقط يضيق حين تتّسع، ويتراجع حين تتقدّم، ويُربكهم أنك تمضي بلا إذن.
إنهم طيبون… لكن بوقاحةٍ ناعمة، تلك التي لا تجرحك مباشرة، بل تتركك حائرًا: هل أخطأت لأنني كنت أكثر صدقًا مع نفسي؟
وسط هذا الضجيج الصامت، يقف الله جلّ جلاله وحده، كاملًا في حكمته، منزهًا عن النقص، كريمًا لا يضيق بعطائه، ولا يخشى أن يرفع عبدًا فيغار منه آخر.
الله لا يقيس عباده ببعضهم، بل يقيس القلوب بالصدق، والأعمال بالإخلاص، والنيات بما استقرّ فيها.
﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ﴾
[سورة النحل: 53]
آية واحدة كفيلة بأن تُسقط كل المقارنات، وتُعيد الإنسان إلى حجمه الحقيقي أمام فيض الله وعظيم فضله.
فالخير ليس ملكًا لأحد، والرفعة ليست حكرًا على أحد، وكل ما يمرّ بنا إنما هو من الله، وإلى الله.
وقال النبي ﷺ، واضعًا ميزان الطمأنينة القلبية:
«انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ»
رواه مسلم.
الحكماء أدركوا هذا الصراع باكرًا؛ سينيكا رأى أن من يقيس سعادته بغيره محكوم بالقلق الأبدي، لأن المقارنة لا تنتهي.
وجبران خليل جبران كان أكثر رفقًا حين قال: ليس كل من أطفأ نورك يكرهك، بعضهم فقط لا يحتمل الضوء.
ومن زمننا القريب، قصة شاب بدأ من الصفر، حلمه بسيط، وسعيه صادق.
كان الجميع حوله يشجّعه، حتى نجح.
تبدّلت النبرات، خفتت التهاني، وظهر التمنّي المشروط.
لم يدخل في صراع، ولم يبرّر، قال بهدوء: الله أعلم بنيّتي، وهو حسبي.
مضى… وكسب نفسه، وكسب سلامًا لا يُهدى.
وهنا تتجلّى الحكمة:
أن لا تجعل فرحك رهينة تصفيقهم، ولا حزنك أسير فتورهم.
أن تؤمن أن الله أقدس من أن يرفعك ليكسرك، وأرحم من أن يمنحك نعمة ليؤذيك بها، وأحكم من أن يفتح لك بابًا ثم يتركك وحدك.
كن كما أنت، واسعًا، صادقًا، متقدمًا.
لا تعتذر عن نورك، ولا تُصغّر ذاتك لتناسب ضيق الآخرين.
فمن كان الله معه، فلا يضره من خالفه، ولا يقلقه من ضاق به.

ابتسم الآن … فأنا أكتب من أجلك … ولأضيء

الهيئة العامة لتنظيم الإعلام 479438

▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

Notice: ob_end_flush(): Failed to send buffer of zlib output compression (0) in /home/shula/public_html/wp-includes/functions.php on line 5471