Warning: Undefined array key "HTTP_ACCEPT_LANGUAGE" in /home/shula/public_html/wp-includes/compat.php on line 40
ستحب البقرة ..! - جريدة الشعلة الإلكترونية
مقالات

ستحب البقرة ..!

في زمنٍ يزدحم فيه الظلام حول الإنسان، تبقى سورة البقرة هي الزرّ الوحيد الذي يعيد تشغيل النور من جوف القلب.

 

✍️ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي

سورة البقرة ليست مجرد تلاوةٍ من ألفي كلمة، بل فيضٌ من الرحمة يسري في مسامات الحياة كالماء في جسدٍ عطِش.
هي السورة التي ما أن تُتلى بصدق، حتى تبدأ أحداث اليوم تُعاد ترتيبها على مهل، كأنّها تُنقّح نصّ الحياة من الأخطاء البشرية.
هي البركة التي إذا حلّت في بيتٍ، حلّ معه السلام، وإذا لامست قلبًا، غادره الخوف، وإذا واظب عليها عبد، تبدّل واقعه كما تتبدّل الأرض بعد المطر.

قال رسول الله ﷺ:

> «اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة.»
(رواه مسلم رقم 804)

لم يقل “فضلها”، بل قال “بركتها”… والبركة ليست كلمة غيبية عائمة، بل أثرٌ ملموسٌ يُغيّر الواقع فعلاً.
هي طاقة من نورٍ سماويٍّ إذا دخلت حياتك غيّرت ترتيبها كله دون أن تشعر؛ تفتح مغاليق الرزق، وتسكب الطمأنينة، وتطرد الخوف من أعماق القلب.

ابن القيم – ذلك الذي فهِم أرواح النصوص كما تُفهم النفوس – قال:

> “القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، ولا يُحال دون نفعه إلا بعدم قبوله.”
(زاد المعاد، ج4)

وسورة البقرة، رأس هذا الشفاء.
هي السورة التي تُصلح الداخل قبل الخارج، وتعيد ترتيب العلاقة بين العبد وربّه، ثم بينه وبين العالم.
فمن تعاهدها تلاوةً وتدبّرًا، وجد أن حياته تتنظف من الداخل كما يُغسل القلب بماءٍ طهور.

قال أحد العلماء المعاصرين:

> “من داوم على البقرة لم يُصب بمرضٍ روحي إلا ووجد له مخرجًا، ولم يبتْ مهمومًا إلا ونام مطمئنًّا.”

وهذا ليس مبالغة… بل تكرارٌ لتجارب حيّة شهدها الناس.

هناك من اقتنصوا الفرصة يروون حياتهم مع البقرة :
فهذا رجلٌ في الخمسين من عمره، عاش سنواتٍ يعاني وساوس قهريةٍ حادّة، جرّب العلاج والرقية والأطباء، حتى قال له أحد العلماء: “داوم على سورة البقرة كل يوم.”
قرأها بصعوبةٍ أول أسبوع، ثم صار يشتاق إليها.
يقول: “كنت أقرأها لأتعالج… فأصبحت أقرأها لأعيش. اختفى الخوف شيئًا فشيئًا حتى صرت أبتسم من غير سبب.”

وامرأة تتحدث عما فعلته المداومة على البقرة وكيف كانت سلوتها :
فتقول انها فقدت زوجها وولدها في حادثٍ واحد.
كتبت في يومياتها تقول:

> “كنت أقرأ سورة البقرة بصوتٍ باكٍ كل فجر، ثم بدأت أشعر أن الله يطبطب على قلبي بالآيات. كنت أقرأ (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها) وأشعر أنها نزلت لأجلي.”
“اليوم بعد عامٍ كامل… لم أنسَ، لكني لم أعد أنهار. وكأنّ السورة منحتني جناحين من الصبر.”

بينما يروي لنا :
شابٌّ من الهند كان يعيش في ضيقٍ ماليٍّ شديد، يقول:

> “كنت أقرأ سورة البقرة كل ثلاثة أيام طلبًا للفرج، ففتح الله لي باب رزقٍ لم أحتسبه. أقسم أنني شعرت بأن البركة لا تُضاعف المال فقط، بل الوقت، والنوم، والمزاج، والحياة.”

قال الإمام النووي رحمه الله:

> “من لزم قراءة سورة البقرة رأى من بركتها ما يعجز عنه الوصف.”

وقال الحافظ ابن كثير:

> “هي سنام القرآن، فيها اسم الله الأعظم، وفيها آية الكرسي التي هي أعظم آية في كتاب الله.”

فمن أراد أن يعيش بين المعاني العليا للسماء، فليجعل سورة البقرة أنفاسه اليومية.
هي حارسٌ للبيوت من الشياطين، وبلسمٌ للصدور من الاضطراب، وبوابةٌ إلى يقينٍ يُعيد صياغة نظرتك للحياة.

من قرأها بيقين، تغيّرت طريقته في الإحساس بالزمن؛ صار يرى البلاء لطفًا مؤجلًا، والعقبة بابًا مفتوحًا من حيث لا يدري.
هي السورة التي تعلّمك أن الطمأنينة لا تأتي من زوال الهم، بل من حضور الله في قلبك أثناءه.

ولذلك قال بعض السلف:

> “من قرأ سورة البقرة ليله نهاره لم يُرَ في بيته شيطان، ولم يُؤذَ بأذى، ودام رزقه ما دام يتلوها.”

هي لا تأخذ منك وقتًا طويلًا، لكنها تبقى معك طويلًا.
ترافقك في الدنيا بالبركة، وفي القبر بالأنس، وفي الآخرة كغمامةٍ تظلّك من الهول.
هي ليست سورة تُقرأ فحسب، بل وعدٌ إلهيّ بالسكينة الممتدة من الدنيا إلى دار القرار.

اقرأها ولو مرة، وستحبها، لأنّك ستجد فيها نفسك الحقيقية بعد غيابٍ طويل.
اقرأها لأنّها وحدها قادرة أن تبرمج روحك على النور، وتعيدك إلى الله دون وجعٍ ولا خوف.
وحين تُدمنها، لن تقرأها بعينك فقط، بل بقلبك الذي أضاءه الله بها.

*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438
_____________________________________________
Radi1444@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى