المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار الكويت

آري شبيط.. أحلام الصهيونية وسقوطها

يعرف عن آري شبيط ــ مؤلف كتاب «أرض ميعادي… إسرائيل النصر و الماساة»، (صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بترجمة عماد الحطبة ووسام عبدالله)، أنه أول ما نشر في الصحافة كان على هيئة مقالات في عام 1982، يناهض فيها حركة الاستيطان في الضفة وقطاع غزة، وكان آنذاك عضوا في حركة «السلام الآن».

استمر آري شبيط على هذا المنوال، وأصبح كاتبا مرموقا ينشر في «هآرتز» والصحافة العالمية. والكتاب الذي أمامنا ليس عملا أكاديميا في التاريخ، إلا أنه يمكن أن يكون مرجعا في التاريخ، خاصة أنه يجمع خلاصة تجربته الصحافية على مدى أكثر من ثلاثة عقود، بما في ذلك لقاءات مع عسكريين وعلماء وتجار وسياسيين وعلماء، ومن ضمنهم ضباط إسرائيليون شاركوا في مجازر الفلسطينيين في اللد ودير ياسين في 1948، وأن يستعيد معهم ذكرياتهم لهذه المجازر، كما استطاع أن يلتقي بفلسطينيين كانوا هم أنفسهم من ضحايا المذابح، التي ارتكبت في اللد، كما قابل فلسطينيين تحولت حياتهم من ميسوري الحال إلى لاجئين في مخيمات الأنروا.
ومع هذا الجو العدواني، ظل بعض الرواد اليهود يؤمنون بحلول سلمية. وكان منهم سيفغريد ليهمان ــ الطبيب المولود في برلين عام 1892، الذي رأى «في الصهيونية حركة نظر إليها بأن تجد علاجا للإنسان اليهودي المعاصر والبشر بشكل عام، وأن تنجز رسالة بشرية خالية من التعصب والسلوك الاستعماري. وكانت رؤيته مبنية على أنه لكي تنجح الحركة الصهيونية لا بد أن تندمج مع محيطها العربي».

مأساة «اللد»
ويعتبر الفصل المخصص لمدينة اللد ومأساتها أكثر الفصول أهمية، فقد بذل الكاتب جهدا كبيرا في استقصاء الحقائق، متمكنا من مقابلة القادة العسكريين الصهاينة، الذين نفذوا عملية «لارلار»، التي من خلالها قتل أكثر من أربعمئة فلسطيني مدني بريء، وطرد آلاف الفلسطينيين منها. وقد كتب شبيط هذا الفصل بأسلوب تصويري أدبي يثير مشاعر التعاطف مع الضحايا، وكأنه يجهزه ليكون سيناريو لفيلم يبكي الملايين. فيعتبر شبيط اللد الصندوق الأسود للصهيونية، ويضيف الكاتب:
«لقد أخذت اللد على حين غرة، فلم تشك أبدا بأن يحدث لها ما حدث، فقد شاهدت على مدى أربعين عاما الوجه الطيب للصهيونية، مدارس ومزارع زيتون وبرتقال. وتعودت على زيارات من الطبيب (ليهمان)، الذي كثيرا ما كان يقدم العناية للأطفال العرب. لقد تعودت اللد على زيارات من طلاب د. ليهمان، الذي كان يحاول زرع المحبة للجميع في قلوبهم. لكن اللد لم تعرف أن آخرين كانوا يأخذون بعض هؤلاء الطلاب انفسهم ليعلموهم إطلاق الرصاص ورمي القنابل، لم يتوقع أهل اللد أن تكون هذه الصهيونية، التي رأوها تعطي أملاً لأجيال من اليتامى، هي نفسها ستقوم بافتراس مدينتهم».

مهاجرة من العراق
يستمر شبيط في رواية تاريخ إسرائيل، التي ولد بعد سبع سنين من تأسيسها، وهو صحافي ماهر، لا يكتفي بقراءة التقارير أو مقابلة الشخصيات أو زيارة الأماكن، وإنما بكل ذلك. فيلتقي بشخصيات هاجرت إلى إسرائيل قبل وبعد تأسيسها، بيهود نكّل النازيون بأهلهم، وطوردوا من مكان إلى آخر ونجوا من الموت بأعجوبة.
كان المحظوظ من المهاجرين يسكن في وحدات لا تزيد مساحتها على 34 متراً مربعاً. ومن بين هؤلاء المهاجرين الذين مروا بالتجربة، كانت لويز عينجي ــ العراقية التي كانت تعيش مع عائلتها في فيلا على نهر دجلة في بغداد. وتروي لشبيط كيف أن أحوال اليهود قد ساءت بعد ثورة رشيد عالي الكيلاني، وعمليات النهب «الفرهود» التي شهدتها بغداد. وتتحدث عن الرفاهية التي كان يعيشها معظم يهود العراق وزالت بين ليلة وضحاها. وكيف ساءت الأحوال أكثر، عندما أعدم التاجر العراقي عدس في البصرة. وأنها لم تصدق نفسها عندما ركبت الطائرة في يونيو 1951، متوجهة لإسرائيل، فأخذت تلقي من خلال النافذة نظرتها الأخيرة على نهر دجلة وبغداد، التي ولدت ونشأت بها. وتروي خيبتها عندما وصلت إلى إسرائيل، وأسيئت معاملتها، لدرجة أن رشوا «دي دي تي» على شعرهم، وسكنوا الخيام إلى أن انتقلوا إلى وحدات سكنية تجلب الأسى واللوعة.

اليهود الشرقيون
هاجر معظم اليهود الشرقيين إلى إسرائيل في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وقد شكلوا %50 من سكان إسرائيل اليهود عام 1990. وكانت معاملتهم مختلفة منذ وصولهم أرض إسرائيل. كما حكت لويز عينجي، التي هاجرت من بغداد. فمن لحظة الوصول، وبعد أن وضعوا الـ«دي دي تي» على رأسها، شعرت بأنها أقل من اليهود والأشكيناز. والأهم من ذلك أن اليهود الشرقيين فقدوا نمطا روحيا دينيا بعد وصولهم لإسرائيل، فقد شعروا بالغربة في أرض الميعاد، وإلى أول التسعينات كان دورهم هامشيا في السياسة الإسرائيلية.
ويبدو أن وضع اليهود العرب، الذين ينتمون إلى ثقافة يهودية شرقية، تغيّر إلى حد كبير بعد بروز حزب شاس. لكن مشكلة انتمائهم إلى هذه الدولة، التي أسسها أوروبيون غربيون، وشعورهم بالغربة، ظلت قائمة. وفي هذا المجال ينقل لنا آري شبيط من لقاء له مع اليهودية المغربية جال جابي، التي تقدم برنامجا في التلفزيون الإسرائيلي، معبرة فيه عن مشاعرها الشرقية، حيث تقول:
«أحب تشايكوفسكي، لكني أحب فريد الأطرش كذلك. بداخلي حنين لما افتقدناه كمهاجرين من المغرب، فلدي حنين لما هو عربي. لذا تدمع عيناي عندما أزور أصدقاء عرباً، وتغمرني العواطف عندما أشاهد فيلما عربيا. لقد افتقد أبي راحته عندما ترك المغرب، وقد أورثنا عدم ارتياحه. لقد توقف الانتماء العربي عندي، لكن كذلك توقف الانتماء الإسرائيلي. هذا ومع أن زوجي يهودي غربي فإن إسرائيل لا تقبلني، فأنا دائما تحت دائرة الشك».

قراءة ضرورية
منذ عقدين وأكثر تطورت في إسرائيل صناعات اعتمدت على المعرفة العلمية المتقدمة، خاصة في مجال الأجهزة الطبية وفي مجال الكمبيوتر وهندسة الاتصالات. كثير منها كان ناتجا من تفوق فردي. على هذا النمط كان مثلا نجاح كوبي رختر ــ الطيار السابق، الذي أكمل بعد تقاعده الدكتوراه في العلوم، وحصل على براءات اختراع حولها إلى صناعة في المجال الطبي. ويملك الآن شركة تنتج %35 من دعامات القسطرة في العالم. ولدى إسرائيل براءات اختراع في المجال الطبي هي الأكثر في العالم نسبة إلى عدد سكانها. ولديها شركات في هذا المجال أكثر من فرنسا. وقد ساعد على تطور هذه الصناعة هجرة مليون روسي في بداية التسعينات، لذا فإن %85 من العاملين في الصناعة المتقدمة هم من اليهود الروس. هذه الصناعات هي التي جعلت الاقتصاد الإسرائيلي ينمو بمعدل %4.7، عندما كان الاقتصاد العالمي يعاني من الكساد خلال الفترة 2008 ــ 2011.
أرى ان قراءة الكتاب ضرورة لنا نحن العرب. فالكتاب يتضمن اعترافا بالمجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، كما أنه يحمل رسالة للعرب والعالم، وهي كما يفهم من كلام شبيط «اننا نحن ـ اليهود الإسرائليين ــ قد اضهدنا الفلسطينيين، لكن العالم اضهدنا نحن اليهود اكثر. لذا نود تفهمكم ومساعدتنا على حل النزاع مع العرب، خاصة أن كلينا أصبح يعاني من الأصولية الدينية». فالكتاب يعبّر عن قلق نجده أكثر وضوحا عند النخبة اليهودية المثقفة في اسرائيل، الذي يصفه بصورة افضل رائف زريق، في مراجعته لرواية «يهوذا» لعاموس عوز، المنشورة في مجلة الدراسات الفلسطينية في شتاء 2018 قائلا: «الحياة لا تستشير أحداً، وتلقي بنا في سياقات لا شأن لنا بها. إلا أن هذا القلق الفردي يوازيه قلق جماعي إزاء الواقع العام الذي انتهى به الوجود اليهودي الصهيوني على أرض فلسطين. هذا هو قلق المستوطن الذي أقام بيته القومي في أرض شعب آخر وعلى أنقاضه، وهو واع لفعلته، ويبررها الى حد ما، لكن الى حد ما فقط».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى