المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

إيران تحكم سيطرتها على كل شيء في العراق

نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا طويلا للكاتب تيم أرانغو، يقول فيه إن إيران سيطرت بالكامل على العراق.
ويقول الكاتب في مقاله: «إن دخلت أي سوق في العراق فستجد الرفوف حافلة بالبضائع الإيرانية، حليب ولبن ودجاج، ولو فتحت التلفزيون فستشاهد قنوات عديدة تبث برامج متعاطفة مع إيران.. كل بناية تبنى في العراق تملك إيران حصة فيها، خاصة أنها مبنية بالإسمنت والطوب الإيراني، وحتى الشباب يجدون في المخدرات المهربة من إيران طريقا لقتل الملل».
قصة السيطرة الإيرانية على اقتصاد العراق هي وجه واحد من هذا التأثير، فهناك الميليشيات المدعومة من إيران، التي تعمل على إكمال ممر يعبر العراق لنقل السلاح والرجال إلى سوريا ولبنان، ولا يتم تعيين أي مسؤول في العراق دون مباركة إيران.
الولايات المتحدة خسرت 45000 من جنودها، وأنفقت تريليون دولار لتسلم العراق للإيرانيين، حيث جاء الأميركيون لهذا البلد وفي ذهنهم تحويله إلى واحة ديموقراطية في العالم العربي، وعلى خلاف واشنطن، فإن طهران تعاملت منذ اليوم الأول مع الغزو على أنه فرصة لتحويل البلد إلى دولة تابعة.
رغم عودة أميركا ونشرها خمسة آلاف من جنودها للحرب ضد تنظيم داعش والمساعدة، إلا أن الإيرانيين لم يفقدوا هدفهم، وهو السيطرة على البلد، بحيث لا يشكل يوما تهديدا عسكريا عليها، ولاستخدامه نقطة انطلاق لتوسيع هيمنتهم على المنطقة العربية.

دور متنوع
وينقل أرانغو عن وزير المالية هوشيار زيباري، الذي أطيح به العام الماضي، قوله إن «تأثير إيران طاغ»، وأضاف أن سبب خسارته وظيفته هو عدم ارتياح إيران لعلاقاته مع الولايات المتحدة.
ويلفت الكاتب إلى أن «الدور الإيراني في العراق ليس متزايدا فقط، بل هو متنوع، ويبرز في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والشؤون الثقافية، وفي بعض المناطق في جنوب العراق لا احترام لسيادة العراق، خاصة عندما تنقل الحافلات عناصر الميليشيات الشباب إلى داخل إيران، دون أوراق أو جوازات، للتدرب في المعسكرات، ومن ثم ينقلون بالطائرات للقتال دفاعا عن نظام الأسد.
ويقول: «إيران تتفوق على العراق في المجالات الاقتصادية كلها، حتى في مجال جمع النفايات في مدينة النجف، بعدما منح المجلس المحلي عقده لشركة إيرانية». ويقول أحد أعضاء مجلس المدينة وهو زهير الجبوري: «نشتري التفاح من إيران لنبيعه للحجاج الإيرانيين».
وأهم ملمح بارز في السيطرة الإيرانية هو وزارة الداخلية، التي عادة ما يعين لها شخصيات دربتهم في الثمانينات من القرن الماضي، بشكل يمنحها التأثير الدائم عليها وعلى الشرطة الفدرالية، ومن أهم النجاحات التي حققتها في العام الماضي، قرار البرلمان دمج الميليشيات الشيعية (الحشد الشعبي) في الجيش الوطني ومؤسسات الأمن، بشكل ضمن لها السيطرة على أهم وحداته.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، بدأت هذه الميليشيات بتنظيم نفسها سياسياً، بحيث تؤكد نفوذ إيران على النظام السياسي بطريقة أوسع، بالإضافة إلى أن المحطات التي مولتها إيران تشارك في نقل صورة للرأي العام بأن إيران هي حامية حمى العراق، وأن أميركا دولة دخيلة عليه.
وعلى الرغم من تأكيد الولايات المتحدة، التي سحبت قواتها من العراق عام 20111، أنها ستواصل وجودها العسكري في مرحلة ما بعد تنظيم داعش، فإن إيران نافذة فيه، وتستطيع أن تستغل الصلات الدينية والثقافية مع شيعة العراق. لعل الطريق الذي يمر من محافظة ديالى إلى البحر المتوسط هو أهم وجه للتأثير الإيراني، وأقام الإيرانيون معبرا عند ديالى وبحماية من جنودهم، وتمر عبره 200 شاحنة يوميا محملة بالخضار والفواكه والألبان ومواد البناء، ولا تسجل حركة من الجانب الآخر.
ويقول مسؤول المعبر الإيراني وحيد غاتشي «ليس لدى العراق ما يقدمه لإيران.. يعتمد العراق على إيران في كل شيء، باستثناء النفط»، لافتا إلى أن المعبر الحدودي يعد مهما للقادة العسكريين؛ لنقل السلاح والعتاد للجماعات الوكيلة لهم.

التطهير أولوية
ويشير أرانغو إلى عمليات التطهير التي قام بها الحشد للسنة في محافظة ديالى، ويقول إن «التطهير كان أولوية إيرانية، فبعد هزيمة الجهاديين جعلت الميليشيات، وبدعم من الإيرانيين، نصب عينيها تهميش السنة في المحافظة، وتأمين ممر إلى سوريا، هدفين رئيسيين. ويقال إن قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، أرسل جيشا من المتعهدين العراقيين لشق الطريق مجانا، وقامت الميليشيات بتأمينه».
يقول قائم مقام الخالص في ديالى وعضو منظمة بدر عدي الخدران إنه ساعد على شق الطريق بناء على أوامر من سليماني، وعبر عن غرامه بالجنرال الإيراني قائلا: «أحب قاسم سليماني أكثر من أبنائي».
ويعلق أرانغو قائلا: «هو إن قال إن الطريق سيقصر المسافة أمام الحجيج الإيرانيين للوصول إلى سامراء، حيث مقام الإمام العسكري، إلا أنه اعترف بأهميته الاستراتيجية لسوريا، قائلا إن ديالى هي المعبر لكل من سوريا ولبنان، ورغم خروج الجهاديين من ديالى قبل عامين ونصف العام، فإن المهجرين السنة لا يزالون في الخيام البائسة».
ويرى عضو المجلس المحلي في ديالي نجاة الطائي، إن إيران أذكى من أميركا، حيث فرض الإيرانيون حضورهم على الأرض، أما أميركا فلم تحم العراق، «بل أطاحت بالنظام، وسلمت البلد لإيران».
ويرى أرانغو أن الحرب بين العراق وإيران (1980 – 19888) كانت سبباً في دفع الطموحات الإيرانية في العراق، فمعظم القيادات التي تقوم برعاية المشروع الإيراني فيه كانت من الذين قاتلوا على الجبهات، مثل سليماني الذي يقول المحلل الإيراني علي فائز إنه «بالنسبة لسليماني كانت لحظة لن تحدث مرة أخرى».
ويقول الكاتب: «اليوم يظهر التأثير الإيراني، خصوصاً في جنوب العراق في كل مكان، في المزارات، والمجالس المحلية، والأحزاب السياسية، والمواد الدعائية، التي تربط علاقة الملالي الإيرانيين بالمراجع العراقية، وحتى المصانع العراقية موجودة في إيران، بسبب رخص اليد العاملة، حيث يقول رجل أعمال من الحلة: «أشعر أنني أسهم في تدمير العراق»، رغم أن منتجاته تحمل علامة «صنع في العراق»، ولكنه يتهم الساسة في بلاده بأنهم يمشون وراء الأوامر الإيرانية، ويرفضون دعم الصناعة المحلية،
شركات البناء الإيرانية تسيطر على المشاريع في النجف، ولم يكن التسيد الإيراني في الجنوب من دون مظاهر سخط، فالعراقيون هنا، وإن كانوا شيعة، ولكنهم يعدون أنفسهم عراقيين، حيث يقول الشيخ فاضل البداري: «أنتمي للعراق وللجامعة العربية، لا إيران»، ويضيف: «الشيعة أغلبية في العراق، ولكنهم أقلية في العالم، وطالما ظلت إيران تسيطر على العراق، فليست أمامنا فرصة».

تدريب وتجنيد
واليوم، تركز إيران على تدريب الشيعة المحرومين في جنوب العراق وتجنيدهم ليقاتلوا في حروبها بسوريا.
ويعترف محمد كاظم (311 عاماً)، وهو أحد المقاتلين الذين جندهم الحرس الثوري في النجف، من أجل «حماية مزارات الشيعة» في سوريا، بأن الدافع الرئيسي كان الحصول على المال، ويقول: «كنت أبحث عن المال، وأغلبية الشبان الذين قابلتهم في سوريا كانوا يحاربون من أجل المال»، وبعد تسجيل اسمه في النجف نقل بالحافلة للتدريب قرب طهران، حيث استمع أثناء التدريب إلى خطابات الضباط الإيرانيين عن الإمام الحسين الشهيد، وقيل له إن القتلة الذين قتلوه هم أنفسهم اليوم في سوريا والعراق.
وعلى الرغم من تركيز إيران على فكرة حماية المزارات الشيعية، فإنها تقوم باتخاذ الإجراءات لتحويل قوة الميليشيات لقوة سياسية، كما فعلت في لبنان.
اخترقت إيران حتى المجال الأكاديمي والجامعات، وبدأت تؤثر عليها، وقد ألقى زعيم عصائب الحق قيس الخزعلي كلمة أمام طلاب جامعة القادسية في أبريل، وهاجم أميركا والسعودية وتركيا، وقد ثار الطلاب ضد إيران عندما ألقى شاعر قصيدة مدح فيها سليماني، وأخذوا يهتفون «إيران بره.. إيران بره».
ويختم أرانغو مقاله بالإشارة إلى أن مصطفى كمال، وهو أحد الطلاب الذين شاركوا في الاحتجاج، قال إن الطلاب استفزهم الشاعر، ولكنهم اكتشفوا ثمن نقد إيران، ففي البداية تلقوا تهديدات بالسجن، وبعدها هاجمهم الإعلام المدعوم من إيران، ووصفوا بالبعثيين، ومن ثم قامت الجامعة بتعليق دراستهم لمدة عام، حيث يقول: «اعتقدنا أن أملنا الوحيد هو الجامعة»، ولكن إيران وصلت إلى هناك أيضاً.

«نيويورك تايمز»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى