المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

غرائب و منوعات

الزمن.. قد يكون موجوداً في مخيلتك فقط!

  • بيّن أينشتاين في نظريته النسبية أن الزمن نسبي بالنسبة للمراقب، ويتغير بناء على سرعة الحركة في المكان.
  • في ورقة بحثية جديدة، يتم التوسع في هذا الموضوع، ومناقشة فكرة أن الزمن ينشأ من المراقب نفسه.

طبيعة الزمن

ليس هناك ما هو أهم من طبيعة الزمن من بين كل الضغوط التي تواجهنا في حياتنا اليومية. حيثُ تمضي الأيام، والأسابيع، والأشهر، والسنوات قُدماً إلى الأمام، ويتحرك الزمن متجهاً باتجاه واحد دوماً، من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل.

ولكن وفقاً للفيزياء التي تسيّر كوننا، فإن نفس الأشياء ستحدث، بغض النظر عن اتجاه الزمن. والآن، يقترح فيزيائيون أن الجاذبية ليست قوية بما يكفي لتحريك كل شيء في الكون إلى الأمام بشكل دائم.

إذاً، هل الزمن كما نعرفه موجود فعلاً؟ أم أنه مجرد فكرة في أذهاننا؟ بداية، لنسترجعْ معلوماتنا حول ما يُسمى سهم الزمن.

بفضل سهم الزمن المتجه دوماً إلى الأمام، يصبح الشاب عجوزاً، ويتحول الماضي إلى الحاضر ومن ثم إلى المستقبل. لن تستطيع أن تعيد البيض المخفوق إلى حالته السابقة، ولن تستطيع أن تتراجع عن كسر أصاب ساقك كما في الحاسوب بضغط Ctrl Z.

ولكن، لننسَ وجهة نظرنا الخاصة قليلاً، ولنصعدْ إلى الأعلى لنرى الكون ككل، إلى أبعد ما يمكن، ويمكننا أن ندرك أن الشيء الوحيد الذي يحكم سلوك الكون هو قوانين الفيزياء.

تكمن المشكلة في أن جميع هذه القوانين – باستثناء واحد فقط – تعتبر مستقلة عن اتجاه الزمن، أي أن نفس الأثر سيحدث، بغض النظر عما إذا كان الزمن يتجه إلى الأمام أو الخلف.

كتب لي بيلينجز لمجلة ساينتيفيك أميركان: “سواء أكنا نتحدث عن جاذبية نيوتن، أو كهرديناميكية ماكسويل، أو نسبية أينشتاين العامة أو الخاصة، أو الميكانيك الكمومي، فإن أدق المعادلات التي تصف كوننا يمكن تطبيقها بغض النظر عن اتجاه الزمن.”

أحد الأمثلة على خاصية “الاستقلال عن اتجاه الزمن” هو مسار كوكب يدور حول نجم، وفقاً لقوة الجاذبية.  كما شرح لنابريندان كول سابقاً هذا العام: “سواء أكان الزمن يتحرك نحو الأمام أو الخلف، فإن المدارات الكوكبية تتبع نفس المسار دائماً، والفارق الوحيد هو اتجاه المدار.”

إذاً، هل الزمن قضية ذاتية؟ ربما هذا ماتقوله النظرية النسبية الخاصة لآينشتاين، غير أن هناك شيئاً يجب أن نقف عنده هنا، وهو القانون الثاني للديناميكا الحرارية.

فوضى الزمن

وفقاً للقانون الثاني للديناميكا الحرارية، فإن مقدار الفوضى ـ أو الأنتروبية ـ في الكون سيزداد باستمرار مع مرور الزمن، وهذا يعيدنا إلى البيض المخفوق، فعندما تحل “الفوضى” في البيض، لا يمكن أن نتراجع إلى الخلف ونقلل من كمية الفوضى المطبقة.

يشرح كول قائلاً: “لهذا السبب، فقد قرر الفزيائيون – على مضض – اعتماد القانون الثاني في الديناميكا الحرارية كمصدر لاتجاه سهم الزمن، أي أن مقدار الفوضى يجب أن يزداد دائماً بعد حدوث أي شيء، ما يعني أن الزمن يتحرك في اتجاه واحد فقط.”

إنْ بدا لك كل هذا في منتهى الغرابة، فأنت محق تماماً.

بدأ الكثير من الفيزيائيين يشكّون أنه عندما تجبر الجاذبية مقداراً كافياً من الجسيمات الصغيرة على التفاعل مع بعضها، يظهر سهم الزمن المتجه إلى الأمام، وتزداد الأنتروبية. ومن ثم تنقلب القواعد نحو كون أكثر استقلالية عن اتجاهالزمن، فقط ما إن تبدأ هذه الجسيمات الصغيرة بالتفاعل مع أجسام أكبر بكثير.

ولكن حتى ينجح ذلك، يجب أن تزداد الأنتروبية أولا، ما يعني أن الكون في بداية هذه التجربة يجب أن يكون أكثر “ترتيباً” مما أصبح عليه الآن، وهو شيء حاول بعض الفيزيائيين تفسيره باقتراح وجود أكوان موازية يتحرك فيها الزمن إلى الأمام، والخلف، وبشكل جانبي، وبجميع الاتجاهات.

في محاولة لحل إحدى أكبر أحاجي العلم الحديث، قرر فيزيائيان اختبار الفرضية القائلة بأن الجاذبية هي التي تتسبب بكل هذا الجنون.

نظرة جديدة

تسمى النقطة التي تنتقل عندها الجسيمات من الخضوع لسهم الزمن إلى الخضوع لقوانين الكون المستقلة عن الزمن؛ بنقطة الانفصال.

كما يشرح نيك ستوكتون لمجلة وايرد، فإن أبرز فرضية لتفسير نقطة الانفصال هي معادلة ويلر–ديويت، والتي تتنبأ متى تختفي الحدود بين الميكانيك الكلاسيكي والكمومي بفضل الجاذبية.

إلا أنه، عندما أجريت قياسات على الجاذبية باستخدام معادلة ويلر – ديويت، وذلك من قبل الفيزيائيين ديمتري بودولسكي من جامعة هارفارد، وروبرت لانزا رئيس أستيلاس للطب التجديدي، وجدا أن الحسابات باستخدام هذه المعادلة لا تفسر فعلياً كيفية ظهور الاتجاه الأمامي للزمن.

في الواقع، لقد استنتجا أن تأثير الجاذبية أبطأ من أن يعتبر مقياساً عالمياً لاتجاه الزمن.

يوضح ستوكتون أنه إذا كانت الجاذبية أضعف من أن تحافظ على تفاعل الجسيمات أثناء عبورها نقطة الانفصال نحو شيء أكبر، فمن المستحيل أن تكون قوية بما يكفي لتجبرها جميعاً على التحرك بنفس الاتجاه الزمني.

كتب لانزا لمجلة ديسكوفر: “يظهر بحثنا أن الزمن ليس موجوداً حولنا ببساطة، متجهاً من الماضي إلى المستقبل، ولكنه بالأحرى ظاهرة ناجمة عن قدرة المراقب على حفظ المعلومات حول الأحداث التي اختبرها.”

إن هذا يمثل اقتراحاً بأن سهم الزمن أمر ذاتي، ويتم تحديده من قبل المراقب، أي نحن.

قال لانزا لمجلة وايرد: “في أبحاثه عن النسبية، بيّن آينشتاين أن الزمن نسبي بالنسبة للمراقب. وقد انتقلنا إلى ما هو أبعد من ذلك في بحثنا، حيث طرحنا فكرة أن المراقب هو من يتسبب بنشوء الزمن فعلياً”.

بالطبع، إن هذه الفكرة مثيرة للجدل، حيث إن ياسونوري نومورا – وهو فيزيائي غير مشترك في الدراسة، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي – يوضح أن الفيزيائيَيْن قد فشلا في أخذ نسيج الزمكان بعين الاعتبار، إضافة إلى أنه يجب عليهما أن يضيفا ميزة ليست موجودة حتى بشكل مؤكد إلى معادلة “زمن المراقب”.

يقول نومورا: “تعتمد الإجابة على إمكانية تعريف مفهوم الزمن بشكل رياضي بدون تضمين المراقبين في النظام”.

إن أردنا تفسير غرابة الزمن في الكون، فنحن لم نتوصل إلى ذلك بعد، ولكن، كما يقترح لانزا وبودولسكي، ربما قد أغفلنا شيئاً ما. وكما اقترح باحثون في وقتسابق من هذا العام، فقد يكون هذا الشيء هو الطاقة المظلمة.

تم قبول الورقة البحثية للنشر في أحد الأعداد المقبلة من مجلة Annalen der physik، ولكن يمكنك الاطلاع عليه الآن في موقع النشر المسبق arXiv.org.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى