المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

الافتراضي

(السعودية) من طائرة واحدة غير مكيفة إلى 126 طائرة حديثة

بدأت المملكة العربية السعودية الدخول لعالم النقل الجوي بولادة الخطوط الجوية العربية السعودية في عام 1945م بينما لم يكن هناك أكثر من ثلاثمائة ميل من الطرق المعبدة كما لا يتوفر فيها سكة حديد، ورغم البدايات المتواضعة بطائرة واحدة من طراز دي سي- 3 تسلمتها المملكة كهدية، إلا أن الانطلاقة كانت قوية، ففي عام 1946م وبعد رحلة الملك عبدالعزيز بطائرة “الداكوتا” أمر ـ طيب الله ثراه ـ بتأسيس الخطوط السعودية كإدارة تابعة لوزارة الدفاع والطيران، وفي البدايات اتخذت الخطوط السعودية الرمز (SAA) للدلالة عليها لكنه استبدل في وقت لاحق بالرمز (SDI) نظراً لتشابهه مع رمز شركة طيران جنوب افريقيا والتي سبقت «السعودية» في استخدامه، ثم أنشئ اول مطار في منطقة الكندرة وهي الان تعتبر وسط مدينة جدة.

تدعيم الأسطول
وتوالى بعد ذلك شراء المزيد من الطائرات والتي زادتها إلى 15 طائرة من نفس النوع حتى عام 1949م حيث تم تدعيم الاسطول بخمس طائرات من طراز بريستول 170، كما تم في نفس التاريخ تسيير أولى الرحلات المنتظمة بين الرياض وجدة والظهران والطائف.. وخلال فترة وجيزة ومع رفد الأسطول بمزيد من الطائرات، تمكنت شركة الطيران الفتية من تغيير نمط الحياة في المملكة بأسرها وغدت الرحلة التي كانت تستغرق أشهراً على البعير تتم في بضع ساعات، كما كانت آنذاك مرافق الخدمات الأرضية في المطارات بسيطة للغاية، فلم يكن المطار سوى شريط ممهد من الأرض في الصحراء، لكن ذلك لم يوقف مسيرة الخير فانتظمت الرحلات الجوية لتشمل أولا المدن الرئيسية في المنطقة الوسطى والغربية والشرقية ثم الى المناطق الجنوبية الغربية فالمناطق الشمالية ومنها الانطلاقة إلى العالم الخارجي.

اختصار المسافات
في أواسط الخمسينات أصبحت المملكة تمتلك مؤسسة طيران تربط مناطقها المتباعدة وتختصر المسافات، كما تم تسيير الرحلات الجوية الى البلدان المجاورة، وفي عام 1952م تم شراء خمس طائرات من طراز دي سي -4، ولأن جميع الطائرات لم تكن “مكيفة” ونظرا للحاجة إلى ذلك خصوصاً في أشهر الصيف الحارة فقد وقع الاختيار على طائرة الكونفير 340 ذات المحركين والمكيفة وتم شراء 10 طائرات منها أدخلت في الخدمة ما بين عامي 1954م و1955م.

الرغبة في المنافسة
بحلول عقد الستينيات الميلادية من القرن المنصرم ومع تنامي قدرات «السعودية» وطموحاتها ورغبتها في المنافسة، قامت في عام 1962م بشراء طائرتين من طراز بوينج 720 ذات المحركات الأربعة النفاثة وبدخولها الخدمة الفعلية توسعت آفات وطموحات الناقلة الوطنية، وفي عام 1968م واصلت «السعودية» مشوارها للصعود الى القمة بزخم كبير، حيث تسلمت طائرتين بوينج من طراز 707 والتي لم يسبق استخدامها في الشرق الأوسط، بعد ذلك التاريخ توالى وصول الطائرات من عدة طرازات منها 737 و747 وايرباص 300 وخلال العقدين الأخيرين وصلت طائراتها من طراز بوينج 777-200 وام دي 90 وامبرير 170 وايرباص 330 و 320 و 321 وخلال العام الماضي تسلمت طائراتها الجديدة من طراز بوينج 777-300 و 787-9 دريملاينر وأخيرا ايرباص 330 الإقليمية، كما توسعت شبكة الرحلات الداخلية لتشمل 27 مطاراً وتطير اليوم إلى 50 محطة دولية في 4 قارات حول العالم.

آخر الاحصائيات
وتشير اخر الاحصاءات الى ان طائرات الخطوط السعودية نقلت المواطنين والمسافرين عبر شبكة رحلاتها للعام الماضي 2015 بما مجموعه 30 مليون مسافر أي ما يقارب عدد سكان المملكة، الأمر الذي يجسد حجم دور الناقل الوطني ويعكس أهمية ما يقوم به من مساهمة من خلال ربط أرجاء الوطن والتشغيل إلى مختلف أنحاء العالم ونقل الحجاج والمعتمرين من أنحاء الدنيا إلى أرض الحرمين الشريفين.

أحدث الطائرات
وعندما ننظر إلى «السعودية» اليوم، نجد أن عدد أسطولها تنامي حتى وصل إلى 126 طائرة من أحدث ما أنتجته مصانع شركات الطيران العالمية وأكثرها كفاءة وأحدثها عمراً، و”السعودية” على موعد قريب مع حدث تاريخي، حيث سيشهد مقر شركة بوينج لصناعة الطائرات المدنية بمدينة سياتل بالولايات المتحدة الامريكية يوم الأربعاء المقبل 9 صفر 1438هـ الموافق 9 نوفمبر 2016م استلام الخطوط السعودية الأولى من طراز بوينج (B777-300ER) المزودة بالأجنحة الجديدة والفخمة للدرجة الأولى.

دهشة واستغراب
هنا، لابد ان نعود بالذاكرة إلى البدايات الأولى لخدمات النقل الجوي قبل الوصول الى ما هي عليه الآن من تطور ورفاهية وترف، فالمسافر جواً بالتأكيد ستنتابه الدهشة والاستغراب عندما يقارن وسائل الراحة التي يتمتع بها داخل الطائرة اليوم مع ما كانت عليه الطائرات الأولى من تواضع واستعدادات بدائية منذ ما يقارب تسعة عقود.

أناقة كاملة
فالمسافر اليوم يجلس بكامل اناقته على مقعده المفضل الذي اختاره مسبقاً، على متن طائرة ستحلق به بعيداً إلى وجهة ما، ربما تكون لحضور مناسبة سعيدة أو إنجاز عمل مهم أو لقضاء إجازة ممتعة في بلد آخر، يتناول الراكب قهوته المفضلة أو عصيراً منعشاً، يطلب من أقرب ملاح تلمحه عيناه مطبوعة بعينها لكي يقلب صفحاتها ريثما يستقر ذلك الجسم العجيب في السماء على ارتفاع (34) ألف قدم ـ قد تزيد أو تنقص ـ وهناك من يجد “شيفاً” مخصصاُ يعد له ما لذ وطاب من الوجبات والبعض الآخر يغلق عليه باب (الجناج) الذي يسكن بداخله على متن الطائر الميمون والذي يتمتع بأقصى درجات الرفاهية، وما هي إلا ساعات ويعلن قائد الطائرة عن الاستعداد للهبوط، ليصل المسافرون لذويهم أو لأماكن عملهم بسلامة الله وحفظه.

معدات الرحلة
تلك هي المشاهد الحالية، ولكن تقارير متخصصة تفيد أن المسافر في زمن البدايات وتحديداَ في عام 1919م ـ وهو التاريخ الذي ظهرت فيه اول طائرة مدنية ـ كان لزاماً عليه احضار معدات وأدوات للسفر جواً هي معطف جلدي من شدة البرد وخوذة للرأس للحماية من أي ارتطام ولتجنب الازعاج كان لابد من احضار قطع كبيرة من القطن وكان المسافر في ذلك الزمان يحتفظ بتلك الأشياء معه بعد مغادرته الطائرة كتذكار للمخاطرة التي اقدم عليها.

هدير المحركات
الكراسي كانت غير مثبتة ولم يكن يفصل بين الراكب وبرودة الجو الخارجي سوى نسيج قماشي سميك ولم تكن هناك أحزمة سلامة ولا حتى دورات مياه، وعندما تريد التحدث مع رفيق الرحلة الجالس الى جوارك كان يتعين عليك وقتها ان ترفع صوتك الى درجة الصراخ حتى يعلو صوتك على صوت هدير المحركات وصرير الاسلاك المكشوفة التي تضرب جسم الطائرة بفعل الحركة والهواء، أما المضيفون فكانوا متواجدين لتقديم المساعدة الطبية والتمريض، وعندما تهبط الطائرة عل المدرج غير المعبد يتطاير الطين والوحل من ارض المطار ويدخل عبر فتحات التهوية ليستقبله المسافرون على ملابسهم ووجوههم.

تغيرات مذهلة
لقد اختلفت اليوم الأمور تماما وتقدمت صناعة النقل الجوي عالميا بشكل مذهل، والخطوط السعودية اليوم تخطو خطوات متقدمة في هذا المجال، فها هي تستعد لاستلام طائرتها الأولى والأحدث من طراز بوينج (B777-300ER) المزودة بالأجنحة الجديدة والفخمة للدرجة الأولى وهي الأولى ضمن طلبية الاستحواذ التي تم ابرامها وتشمل (10) طائرات من نفس النوع ، حيث تستلم (4) طائرات أخرى خلال المدة المتبقية من هذا العام و(5) طائرات أخرى خلال العام المقبل.

ثمار “التحول”
باستلام الطائرة المزودة بالأجنحة الفاخرة تقطف «السعودية» الثمرة الثانية في برنامج «التحوّل 2020» الذي تبنته لتطوير وتجويد خدماتها والتي سبقها استلامها لطلائع طائرتها من طراز ايرباص 330 الإقليمية قبل بضعة أشهر، لقد كانت الرسالة واضحة بأن تخطيط الإدارة الحالية للخطوط السعودية ينطوي على رغبة وتصميم جاد في ان يعود ناقلنا الوطني الى موقعه ومكانته في مقدمة شركات الطيران العالمية، ذلك لأنه بدون التجويد والتحسين المستمرين لا يمكن لشركات الطيران التفوق والاحتفاظ بمركزها والصمود في هذا الميدان الذي تحتدم فيه المنافسة وتزداد صعوبة يوما بعد يوم.

استرخاء وخصوصية
أحدث طائرات «السعودية» المزودة بالأجنحة تحتوي على (12) جناحا مميزا، يتضمن كل منها على مقعدٍ إلكتروني يمكن تعديله إلى مقعد استرخاء منبسط ووثير ومريح، وكذلك سرير مسطح بالكامل كفيل بأن يساعد على النوم حتى بالنسبة للذين يتعذر عليهم النوم اثناء الطيران، كما أن للجناح أبواب منزلقة لإضفاء مساحة من الخصوصية التامة، ويتوفر به شاشة HD عريضة (24 بوصة) للاستمتاع بالمحتوى الترفيهي طوال الرحلة، الى جانب طاولة كبيرة لتناول الطعام لخدمة ضيفَين، ولوح إلكتروني يعمل باللمس يتيح التحكم الكامل في المقعد، والجناح مزود بنظام إنارة مرن، بالإضافة إلى مساحات خاصة لتخزين الأغراض الشخصية، فضلاً عن ساتر الخصوصية المصمم بطراز عربي فريد.

الموعد يتجدد
وإذا كانت الخطوط السعودية وشركة (بوينج) ستحتفلان يوم الأربعاء المقبل بمناسبة تسليم الطائرة الأولى من طراز بوينج 777 المزود بالأجنحة الفندقية الفخمة في مقر الشركة في مدينة سياتل الأمريكية بحضور عدد من المهتمين بصناعة النقل الجوي ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية وفي مقدمتهم «الجزيرة» التي وجهت لها الدعوة لتغطية الحدث، فان الناقل الوطني يدرك تماماً بان الموعد مع التطوير يتجدد دوماً مع ضيوفه، لذا لابد من الحرص على تقديم ارقى الخدمات وتكريس الجهود لمواكبة التطلعات وخاصة مع نهاية برنامج التحول في عام 2020م.. وما اسرع ما يمر الزمن.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى