المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار الكويت

«الكويت في الخمسينات».. بانوراما بناء الدولة الحديثة خلال «العصر الذهبي»

أحمد صابر

بخطى واثقة، وخبرة سنوات طويلة في عالم الصحافة والبحث والتوثيق، يواصل الإعلامي الزميل حمزة عليان مسيرته في دروب التأريخ وإثراء المكتبة الكويتية والعربية بإصدارات مميزة تخطت الـ20 مؤلفا، ومازال يدور في فلك الكويت التي «تآنس معها» ولكن هذه المرة يدير دفة السفينة لتمخر عباب بحر التاريخ وتستقر على شاطئ حقبة الخمسينات والتي تعد «العصر الذهبي» للبلاد ومرحلة بناء وتأسيس الدولة الحديثة بكل أركانها.

«الكويت في الخمسينات»، هكذا عنون الزميل حمزة عليان كتابه الجديد والذي يقع في 194 صفحة، متنقلا بين جنبات الماضي الجميل ليقطف لنا من كل بستان زهرة، ويلتقط صورة «بانورامية» شديدة الوضوح للحياة خلال تلك الفترة الزمنية، مقتفيا أبرز مظاهر ومراحل النهضة التي شهدتها الكويت حينذاك، والقفزات النوعية التي تحققت في شتى المجالات عقب اكتشاف وتصدير النفط، ويسلط الضوء أيضا على دورها في تعزيز الروابط مع الدول العربية وتقديم مختلف أوجه الدعم للحركات التحررية والقومية، كل ذلك بأسلوب مبسط مدعم بالأرقام والإحصائيات والتواريخ الدقيقة، مع رفد صفحات الإصدار بصور تاريخية توثق لتلك الحقبة.

مراحل البناء

يستهل الكاتب الفصل الأول بالحديث عن مراحل بناء الدولة الحديثة متناولا التطور التاريخي للمجالس التنفيذية والتنظيم الإداري والحكومي للكويت خلال الخمسينات، مؤكدا ان التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته البلاد لم يكن وليد اللحظة ولكن سبقته محاولات جادة ابتداء من الثلاثينات، لافتا الى تشكيل مجموعة من الدوائر كانت أشبه بنظام الحكم المحلي منها: المالية والصحة والتعليم والخدمات، وصولا إلى تأسيس مجلس الإنشاء الذي تولى وضع الخطط اللازمة لجميع الإنشاءات والمؤسسات، معتبرا ان البلاد وبقيادة سمو الأمير الشيخ عبدالله السالم دخلت عالم الحداثة الحقيقية وسبقت مثيلاتها في الخليج وتجلى ذلك بوضوح في الكثير من الإنجازات ومنها: مشروع تحلية مياه البحر عام 1956، وبناء المدارس وفتح باب التعليم المختلط لكل فئات المجتمع، وتوفير خدمات الإسكان والصحة وبناء الطرق، وتأسيس البنوك الوطنية، وهدم السور والتوسع في إنشاء المناطق السكنية الجديدة، وتأميم الثروة النفطية.

من تنفيذ المشروعات الكبرى وتأسيس الدوائر الحكومية إلى البنوك والنقد ينتقل المؤلف إلى قضية إصدار العملة الكويتية، مشيرا الى قانون إصدار النقد في 19 اكتوبر 1960 ليخرج «الدينار» الكويتي إلى العلن والذي كانت قيمته تعادل الجنيه الاسترليني أو 13 روبية هندية تقريبا، لافتا إلى ان من أهم المتغيرات الاقتصادية عام 1952 كانت تأسيس أول بنك وطني برأسمال مال كويتي 100%.

مدينة أوروبية

«صورة حية للتطور الذي أحدثه النفط في المجتمع، مدينة عصرية بالكامل وسط صحراء قاحلة تحولت إلى واحة خضراء، ونموذج لمدن المستقبل»، هكذا يصف عليان مشهد تطور مدينة الأحمدي التي اعتبرها محاكاة لمدن أوروبا في التنظيم والبنى التحتية، حيث اشتهرت آنذاك بنواديها المكيفة وحمامات السباحة وملاعب التنس والغولف، وضمت خليطا من المواطنين والموظفين والخبراء الانجليز والهنود والعرب، وكانت مثالا للكويت الكبرى في عصرها.

ويختتم الفصل الأول بتقديم لمحة سريعة عن الطفرة الكبيرة التي حدثت في الخدمات الإسكانية فبعد تشكيل مجلس الإنشاء عام 1954 تم بناء 2000 مسكن في خمس مناطق سكنية للمواطنين، كما تقرر هدم السور الذي يحيط بالمدينة لمواكبة حركة التوسع العمرانية الهائلة، وأقيمت الضواحي الحديثة وبدأت الجهات المختصة في شق الطرق الدائرية حول المدينة.

منارة ثقافية

إلى عالم الثقافة والمعرفة، يأخذنا المؤلف في جولة سريعة عبر ردهات الحركة التنويرية خلال حقبة الخمسينات، ليرصد لنا في الفصل الثاني من كتابه ارهاصات ذاك المشهد «الذي كان يضج بالحيوية»، مؤكدا ان وسائل الإعلام المختلفة من إذاعة وصحافة وتلفزيون بجانب المكتبات والمتاحف عززت من صورة الكويت في محيطها الخليجي والعربي، مشيرا الى ان البث الاذاعي بدأ عام 1952 من غرفة صغيرة وكان مبارك الميال وقتها أول مذيع كويتي يعلن عبر الأثير «هنا الكويت»، لافتا الى انشاء دائرة المطبوعات والنشر عام 1954 لتتولى طباعة ونشر الجريدة الرسمية والمطبوعات الحكومية.

«صحافة الخمسينات»، أيضا كان لها نصيب من التوثيق عبر صفحات الكتاب، فقد أفرد لها الزميل حمزة عليان مساحة مميزة، معتبرا ان تلك المرحلة شهدت بواكير الصحافة المتخصصة والتي شكلت المخاض الحقيقي لولادة النهضة الصحافية بالكويت، حيث اتسمت صحافة تلك الفترة بكون معظمها أسبوعية باستثناء «الشعب» و«البشير» واللتين عانتا من التعثر والمشكلات، وقد بلغت الاصدارات الصحافية حتى عام 1961 أكثر من 30 مطبوعة، وأهمها مجلة العربي التي كانت عبارة عن مشروع ثقافي وتنويري صدرت الثقافة الكويتية والعربية إلى كل انحاء العالم.

كشف حساب

أما الفصل الثالث فقد خصصه الكاتب كـ«كشف حساب» ورصد للأحداث والإنجازات التي تحققت خلال الفترة من 1950 وحتى 1960، مع توثيق دقيق بالتواريخ لكل عام وما شهده من تطورات، لافتا في أواخر الفصل إلى عيد الجلوس الأول لسمو الأمير الشيخ عبدالله السالم الذي احتفل به الكويتيون في 25 فبراير عام 1950، ملتقطا صورة قلمية من مراسم الاحتفال الكبيرة التي اقيمت في ساحة الصفاة، مبينا ان ذلك اليوم كان عطلة رسمية، حيث شارك الاجانب اخوانهم الكويتيين فرحتهم بتلك المناسبة العزيزة.

بلاد العرب

من المحلية إلى «العروبة» يعرج المؤلف في الفصل الرابع على الوجه الإنساني المشرق للكويت وانتمائها إلى محيطها العربي، ومساهماتها السخية في دعم القطاعات الصحية والتعليمية بالدول العربية، والتخفيف من آثار النكبات والكوارث بها، بالاضافة إلى موجات التعاطف والتأييد القوي للقضية الفلسطينية ولثورة الجزائر واستقبال المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد وموقف البلاد مع مصر عقب العدوان الثلاثي عام 1956.

ولطالما ارتبطت الكويت بأسماء كثيرة من الشخصيات العربية قديما وحديثا فمنهم من زارها أو أقام أوعمل بها، فقد كانت الحضن الدافئ للجميع، وكان شعار «الكويت بلاد العرب» يوضع على المغلفات البريدية تأكيدا للانتماء القومي العربي، ومن أهم الرواد العرب الذين عملوا بالكويت المسرحي المصري الكبير زكي طليمات الذي استدعته دائرة الشؤون الاجتماعية عام 1958 لتقييم النشاط الفني بالكويت وأسهم في انشاء فرقة المسرح العربي ومركز الدراسات المسرحية وتنمية الحركة الفنية في البلاد، وأيضا د.أحمد زكي الذي ساعد في تأسيس «مجلة» العربي لتكون مشروعا ثقافيا رائدا، والفقيه الدستوري وأحد أعلام القانون في الوطن العربي عبدالرزاق السنهوري الذي قام بوضع العديد من القوانين الخاصة وتنظيم شؤون المحاكم بالكويت، وهناك الكثيرون ايضا ممن عاشوا في الكويت لسنوات أمثال أحمد بهاء الدين، وفؤاد زكريا، وشاكر مصطفى، والفنان ناجي العلي، وزكي نجيب محمود، ووزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي، والملكة رانيا زوجة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني التي ولدت في الكويت عام 1970 وأنهت دراستها الثانوية بها، والفنانة ماجدة الرومي التي قطنت البلاد خلال السبعينات وغيرهم الكثير.

الكويت بعيون غربية

يختتم الزميل حمزة عليان كتابه القيم بعرض موجز عن الصورة السائدة عن الكويت خلال تلك الحقبة في كتابات الرحالة الأجانب والصحافة الغربية، ومعرفة الاتجاهات الشائعة حينذاك عنها في عدد من المؤلفات والتقارير الأجنبية، ومن أهمها كتاب «الدكتورة ماري في الجزيرة العربية» والذي كانت مؤلفته طبيبة في الإرسالية التبشيرية بالكويت والجزيرة العربية وقدمت فيه وصفا دقيقا للحياة الاجتماعية قبل اكتشاف النفط وبعده، وأيضا إصدار «الكويت ـ كاديلاك كوكا كولا» لمؤلفه جان هنري مولر وهو احد المشاركين في بناء ميناء الاحمدي عام 1948 وتحدث فيه عن إنشاء الميناء والأحوال الجوية الصعبة وقتها والتقدم الذي شهدته البلاد عقب اكتشاف الذهب الأسود، بالإضافة إلى كتاب «أنا عائدة من الكويت»، من تأليف التركية بلكة كونكور عام 1958 وكانت أول ممرضة اجنبية تعمل في عيادة خاصة وقد اشادت فيه بحسن اخلاق الكويتيين وكرمهم وتناولت العديد من التقاليد التي كانت سائدة في ذلك الوقت.

الزميل حمزة عليان
غلاف الإصدار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى