المنافسة السعرية تضغط على أرباح سوق الاتصالات الكويتي بالرغم من نمو الإيرادات!

سوق الاتصالات في الكويت مازال يعتبر واحدا من أكثر أسواق الاتصالات تقدما على مستوى تبني التكنولوجيات الحديثة، وكذلك على مستوى جودة وكفاءة الخدمات، وتكشف لنا السنوات العشر الأخيرة أنه كان دائما في مقدمة أسواق الشرق الأوسط في ترقية ونشر أحدث تقنيات الشبكات، ولذلك يراه الكثيرون أنه من الأسواق المؤهلة بقوة للاستفادة من دورة نمو البيانات بشكل أفضل.

واستندت هذه الآراء إلى الاحصاءات التي ساقتها التقارير المتخصصة من الهيئات الدولية، والتي وضعت الكويت في مكانة متقدمة على سلم مؤشر تبني الأفراد للتقنيات الحديثة من حيث تغطية الهواتف النقالة، واشتراكات الهاتف النقال، والأجهزة الشخصية، واشتراكات النطاق العريض المتنقل، كما أنها ووفقا لهذه التقارير فإن الكويت احتلت مراكز متقدمة على مؤشر المحتوى الإلكتروني والبنية التحتية، حيث تشير الاحصاءات إلى أن معدل استخدام خدمات البيانات على الشبكات اللاسلكية في الكويت هو الأعلى على مستوى أسواق المنطقة، حيث يصل إلى 75% من استخدام البيانات في الدولة.

في ظل هذه الحقائق، يجب ألا يغيب عنا أن قطاع الاتصالات يشكل حاليا نحو 5% من إجمالي الناتج المحلي، وما يقارب 10% من إجمالي الناتج المحلي للقطاعات غير النفطية (احصاءات تقريبية)، هذا في الوقت الذي تجاوزت نسبة انتشار الهواتف النقالة في الكويت 173%، وهي نسبة كبيرة جدا تعكس كثافة الاستخدام في سوق الاتصالات في الكويت، خصوصا إذا ما علمنا أن أكثر من 70% من الهواتف المستخدمة على شبكات الاتصالات هي هواتف ذكية.

البيئة الاقتصادية في السوق الكويتي تتجه إلى أن تشهد تغييرات جوهرية خلال الفترة المقبلة، وهو ما تشير إليه الجهود التي تقوم بها مؤسسات الدولة في إبراز الفرص الحقيقية، والعائدات المضمونة من الاستثمار، وكذلك إبراز قوة الاقتصاد الكويتي، وتنامي حجم الاستثمار المباشر الذي وصل الى 2.3 مليار دولار، هذا بالتأكيد جاء مدفوعا بالنمو الكبير الذي يشهده قطاع تكنولوجيا المعلومات.

الاتصالات والنمو الاقتصادي

التركيز على تطور قطاع الاتصالات، مع ازدياد استخدامات تكنولوجيا المعلومات يحقق للدولة أعلى معدلات النمو الاقتصادي، ففي الآونة الاخيرة بات التقدم التكنولوجي قوة دافعة كبيرة للنمو الاقتصادي، خصوصا أن البنية التحتية المتطورة للاتصالات تستقطب الاستثمارات، وهو ما يسهم في تنويع العوائد المالية، وتوليد الكثير من الفرص في سوق العمل، وفي ظل استيعابنا لهذه المفاهيم، فإن هناك عقبات تقف أمام تحقيق النمو الاقتصادي في ظل هذا المناخ المتطور، أهمها قدرة مزودي الاتصالات على تحمل الاستثمارات والتكاليف العالية لترقية هياكلها التشغيلية، وكيفية تحقيق الاستفادة من البنية التحتية في ظل المنافسات السعرية في سوق الاتصالات.

وفي ظل البحث عن الحل الأمثل لطرفي المعادلة الصعبة التي تحكم تطور ونمو صناعة تكنولوجيا الاتصالات، والتي وضعت قطاع الاتصالات بين مطرقة توفير خدمات متطورة وميسورة، وسندان السعر والتكلفة، هناك من يرى أن خطوة الإصلاحات التنظيمية والرقابية بوضع خطط واستراتيجيات لتحرير سوق الاتصالات، هي السبيل لفك رموز هذه المعضلة الحقيقية التي باتت تؤرق القائمين على وضع الخطط الاستثمارية والاستراتيجية لمزودي خدمات الاتصالات.

وإذا رصدنا الاتجاهات السائدة في السوق الآن، فسنرى أن تعاطي الشركات مع آليات السوق يتنوع حسب الأهداف الاستراتيجية لكل منها، والتي بالتأكيد تركز على حماية أعمالها، إلا أنه من الواضح جليا أن الموجة التي تسود قطاع الاتصالات الكويتي في الوقت الراهن هي المزيد من الاستحواذ لتوسيع قاعدة العملاء، وهي منافسة استباقية تفسر الاستمرار في الاعتماد على منافسة الأسعار.

ولكن يجب ألا نغفل حجم المصروفات التشغيلية، والكلفة المالية مع استمرار هذه السياسات الحاكمة للسوق، فشركات الاتصالات بحاجة إلى تنفيذ برامج لتعديل هوامش الربحية في ظل هذه المنافسة الشديدة، حتى لا تضطر لتقليص استثماراتها في البنية التحتية، وهو ما سيؤثر بالتأكيد على الكفاءة التشغيلية.

نمو الإيرادات وانخفاض الأرباح

وحتى نفهم ما تعانيه سوق الاتصالات في الوقت الراهن من تحديات منافسة الأسعار، سنعود قليلا إلى العامين السابقين، فقد كشفت هذه الفترة حجم المعضلة الرئيسية التي تواجه شركات الاتصالات بالاستمرار في تبني التكنولوجيات الحديثة، وبين قدرتها على رفع أرباحها، فحجم سوق الاتصالات في الكويت على مستوى الإيرادات ارتفع 1% في العام 2016، وارتفع 4% في العام 2017، حيث حقق 2.615 مليار دولار عن العام 2015، و2.642 مليار دولار عن العام 2016، و2.744 مليار دولار عن العام 2017.

ولكن في المقابل، لم تستجب نسب الأرباح لمعدلات النمو في الإيرادات، وأخذت خلال هذه الفترة اتجاها منخفضا، فحجم سوق الاتصالات في الكويت على مستوى الأرباح انخفض بنسبة 10% في 2016، وانخفض 13% في 2017، حيث حقق أرباحا صافية عن 2015 بقيمة 515 مليون دولار، و465 مليون دولار عن 2016، و404 ملايين دولار عن 2017.

ومع هذه المؤشرات المالية التي تبرز مدى التباين بين نسب النمو بين الإيرادات والأرباح في سوق الاتصالات، نحن بحاجة إلى فهم وتحليل أسباب انخفاض الربحية لشركات الاتصالات في ظل تنامي حجم الإيرادات، وفي محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات، فإنه يمكن تناول الأسباب الرئيسية التي ساهمت في انخفاض الربحية في القطاع بشكل عام.

هل السبب المنافسة السعرية؟

هناك مجموعة من التحديات التي تواجهها شركات الاتصالات، بدءا من معدلات الاختراق العالية، وعمليات تسريع الاعتماد على حلول الـ «OTT»، والمنافسة السعرية، وهذه الأخيرة قد تكون المعوق الرئيسي والأبرز في تحديد فهمنا لتراجع ربحية القطاع خلال هذه الفترة، حيث باتت السمة الغالبة على طبيعة وهوية المنافسة، وهي نقطة في غاية الخطورة على مستقبل كفاءة خدمات الاتصالات.

لذلك، وجب على شركات الاتصالات وضع خطط متكاملة لتعديل هوامش الربحية، حتى لا تعرض أرباحها لمغامرة رحلة التراجع، والتي يصفها البعض بأنها ستكون رحلة قاسية في ظل سحابة المنافسة السعرية، وفي ظل حالة الانسداد التي نجمت عن تشبع السوق إلى أكثر من الضعفين لخدمات الاتصالات التقليدية، فإن قطاع الاتصالات يعول الآن وبشكل كبير على حلول الخدمات الرقمية، كميدان جديد ناشئ لتنمية حجم الأعمال.

الحصص السوقية

تكشف لنا المؤشرات المالية لشركات الاتصالات في الفترة الأخيرة أن المجال الرقمي هو العنوان الجديد لرحلة نمو قطاع الاتصالات خصوصا مع التوجهات الأخيرة نحو تنفيذ المشروعات التنموية الكبرى، والتحول نحو الحكومة الذكية التي بدأتها دبي، وتسعى إلى تنفيذها السعودية وقطر، حيث لم تتغير الحصص السوقية لشركات الاتصالات في السوق الكويتية بشكل واضح على مستوى حجم الإيرادات المحققة أو حجم الأرباح الصافية، وحتى نكون أكثر دقة، فإن الوصف الحقيقي لهذا الأمر هو الثبات تقريبا.

فكانت حصة شركة زين «في السوق الكويتية» من حجم الإيرادات في قطاع الاتصالات الكويتي في 2016 نحو 40% حيث حققت إيرادات بقيمة 1.067 مليار دولار، وحافظت زين على حصتها في الإيرادات في 2017 بنفس النسبة 40% بتحقيقها إيرادات بلغت 1.093 مليار دولار، بينما بلغت حصة شركة Ooredoo «في السوق الكويتية» 25% في العام 2016 بتحقيقها إيرادات بلغت 652 مليون دولار، بينما بلغت حصتها في الإيرادات عن العام 2017 ما يقارب 27% بحجم إيرادات بلغ 735 مليون دولار، فيما بلغت حصة VIVA «في السوق الكويتية» 35% من حجم إيرادات قطاع الاتصالات الكويتي في العام 2016 بإجمالي إيرادات بلغت 923 مليون دولار، وبلغت حصتها في الإيرادات 33% في العام 2017 بتحقيقها إيرادات بقيمة 916 مليون دولار.

وعلى صعيد حجم الأرباح الصافية في قطاع الاتصالات في آخر عامين، فما زالت شركة زين «في السوق الكويتية» تحتفظ بالحصة الأكبر حتى الآن، حيث بلغت حصتها من الأرباح الصافية في قطاع الاتصالات الكويتي 64% عن العام 2016 بتحقيقها 299 مليون دولار، وبلغت حصتها من الأرباح عن العام 2017 ما يقارب الـ 65% حيث بلغت 265 مليون دولار، وبلغت حصة شركة Ooredoo «في السوق الكويتية» من حجم أرباح قطاع الاتصالات الكويتي 7% عن العام 2016، بتحقيقها أرباحا بقيمة 34 مليون دولار، بينما بلغت 2% من حجم أرباح القطاع في العام 2017، بتحقيقها أرباحا بقيمة 7 ملايين دولار، وبالنسبة إلى شركة VIVA «في السوق الكويتية» فقد بلغت حصتها في حجم أرباح السوق الكويتية في 2016 ما يقارب 28% بتحقيقها أرباحا بقيمة 132 مليون دولار، بينما بلغت حصتها في الأرباح 33% عن 2017 بتحقيقها أرباحا بقيمة 132 مليون دولار.

تكشف لنا المؤشرات الرئيسية في قطاع الاتصالات الكويتي أنه يواجه ضغوطا على هوامش الربحية والعائد على الاستثمار بالرغم من نمو الإيرادات المستمر، حيث بدأ نمو صافي الأرباح بالتباطؤ بسبب ضغط حدة المنافسة، وزيادة توقعات المشتركين من الجهة الأخرى، وهو في النهاية ما أحدث زيادة في المصاريف والتكاليف التشغيلية، ففي الوقت الذي تتجه فيه السلع والمنتجات الأخرى إلى تحقيق زيادة في الأسعار، كانت أسعار خدمات الاتصالات المتنقلة تتجه إلى الانخفاض خلال السنوات الأخيرة.