المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

غرائب و منوعات

«بيبي»… معاناة مع العزلة وازدواجية الشخصية!

«فتاة يتيمة… تعيش في عزلة مغلقة في كنف جدتها غريبة الأطوار، يقتلها الخوف الدائم من تصرفات جدتها المريبة، ويسحقها التساؤل الذي لا يكف عن اللغز الغامض الذي تخبئه الجدة، وما عساها تكون الدوافع وراء تصرفاتها الغريبة؟!».

هذه التساؤلات المقلقة سرعان ما تتحول إلى صراعات نفسية شديدة التعقيد، لتنسكب على شاشة السينما، في سياق أحداث الفيلم السينمائي الكويتي الجديد، الذي يحمل عنوان «بيبي»، والذي انطلقت عروضه أخيراً في دور السينما الكويتية «سينسكيب».

الفيلم الروائي الطويل، الذي أنتجته مؤسسة ماجيك لنس، مأخوذ من رواية «حالات نادرة: جدتي التي تخيفني كثيراً» للكاتب عبدالوهاب السيد الرفاعي، وتولى كل من لولوة عبدالسلام وعبدالعزيز العمار مهمة إخراجه، في حين يتشارك في تجسيد بطولته كوكبة من الفنانين من بينهم ليلى عبدالله وإلهام علي وعقيل الرئيسي، إلى جانب عدد من ضيوف الشرف، بينهم عبدالله الباروني ومحمد صفر وروان المصري.

تتسلل كاميرا الفيلم لترصد ما يجري في ذلك البيت الذي يكتنفه الكثير من الغموض والموحي دائماً بأن هناك أسراراً مجهولة تكمن خلف الأشياء… في هذا الجو المقبض تعيش «بيبي» (التي تؤدي دورها الفنانة ليلى عبدالله)، وهي تعاني أحد الأمراض النفسية الخطيرة وهو مرض «ازدواجية الشخصية»، وتكابد حالة من الهلع بسبب جدتها المتسلطة إلى حد الرعب، كما تمنعها من الخروج والالتقاء بالناس، بل انها تتدخل حتى في اختيار ثيابها، لأسباب غير معلومة ويصعب التكهن بها. لكن بالرغم من الحصار الذي تفرضه الجدة على حفيدتها، تتمكن هذه الأخيرة بين حين وآخر من الهروب خلسة من ذلك السجن المنزلي المحكم إلى العالم الخارجي، كي ترى الناس وتتعرف عليهم كأي إنسانة طبيعية.

وهنا يدخل الشاب «سعود» على الخط الدرامي، حيث يجسد دور العاشق الولهان، الذي يقع في غرام «بيبي»، غير أن الجدة تظهر مرة أخرى لتعترض طريق العاشقين، وتحول دون استمرار هذه العلاقة.

الجميل في الفيلم أنه يغوص في فلسفة النفس البشرية، ويُبحر بالمشاهد في أعماقها، من خلال رحلة محفوفة بالإثارة والتشويق ممزوجين بالتوتر والقلق والإشفاق على هذه السجينة في محبس جدتها على مدى ساعة وربع الساعة – هي مدة عرض الفيلم – وإن كانت تمتد في الواقع الدرامي للعمل لتبلغ عمراً من الشقاء والبؤس!

فمنذ بداية الفيلم وحتى نهايته، ينشغل المتلقي بملاحقة الألغاز التي يطرحها العمل، والتي صاغها الكاتب عبدالوهاب السيد الرفاعي بحرفية عالية، فتبدو كأنها مجموعة من الطلاسم التي يصعب فهمها أو فك رموزها على الإطلاق، خصوصاً التصرفات المريبة من جانب الجدة. كما يُحسب لمخرجي العمل رؤيتهما الثاقبة والحبكة الدرامية التي نسجاها باتقان، والتي تجلت واضحة في كثير من المشاهد، بمعية فريق التصوير الإيطالي الذي تألق هو الآخر في رصد الزوايا واللقطات المهمة، والتي تعبّر بوضوح عن الحالة النفسية لبطلة الفيلم، وتوحي أيضاً بأجواء الغموض المحيطة بالأحداث.

على صعيد الأداء، أبدعت الفنانة ليلى عبدالله في تجسيدها لدور الحفيدة «بيبي»، إلى جانب الفنانة إلهام علي في دور«الجدة»، حيث ظهرت في «كراكتر» جديد ومغاير لأدوارها السابقة، وشهد العمل أيضاً براعة الفنان الشاب عقيل الرئيسي في دور العاشق «سعود»، الذي أدّى دوره بكل اقتدار. وعلى رغم قصر مدة الفيلم، فقد اجتمعت له عناصر الاتقان من جميع الأطراف، سواء الأداء التمثيلي أو الإخراج، أو الحبكة الروائية، إلى جانب العناصر المكملة من ديكور وإضاءة، ما ضاعف من شغف المتابعة والتوتر الإيجابي لدى المشاهدين، وما يجعل أيضاً من الفيلم تجربة واعدة في مجال الدراما النفسية، وواحداً من الأفلام الكويتية المميزة، التي يمكننا الرهان عليها بقوة في المهرجانات المحلية والخليجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى