المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

اقتصاد

بيل غيتس وستيف جوبز..علاقة عملاقين بدأت بعداوة

في الثلاثين من مايو 2007 جلس اثنان من أشهر العقول التي شكلت الثورة التكنولوجية، ستيف جوبز وبيل غيتس، إلى جانب بعضهما خلال مقابلة مشتركة نادرة عقدت على هامش فعاليات مؤتمر: «كل الأشياء تتحول إلى العصر الرقمي» الذي نظم في مدينة كارلسباد في كاليفورنيا.
تحدث الرجلان بلطف عن إنجازات ومساهمات كل منهما في صناعة التكنولوجيا. ولكن قبل هذه المقابلة التاريخية، كان هناك تاريخ مشترك بينهما يمتد لثلاثة عقود شهد التعاون في بعض الأحيان والمنافسة الشرسة في أحيان أخرى.
كان جوبز وغيتس يكافحان للسيطرة على العصر الجديد الذي بدأت معالمه في التشكل خلال ذلك الوقت.
وتأسست «مايكروسوفت» و«أبل» في 1975 و1976 على التوالي، وبعد عقود تبادلت الشركتان لقب العلامة التجارية الأكثر قيمة في العالم. وكعادة مثل هذه المنافسات، لم يخل تاريخ الرجلين من تصريحات حادة تجاه بعضهما البعض.
«مايكروسوفت تصنع منتجات من الدرجة الثالثة» هكذا قال جوبز في عام 1995، في حين قال غيتس في 2010: «لا يوجد شيء في جهاز الآيباد يدعوني لأن أنظر إليه وأقول: أوه، أتمنى لو أن مايكروسوفت هي التي قامت بذلك».
والتقى الرجلان لأول مرة في أواخر السبعينيات. فبعد أن تمكن جوبز وشريكه ستيف وزنياك»من تطوير كمبيوتر أبل، أظهر الاثنان اهتمامهما باستخدام برمجيات «مايكروسوفت». ذهب جوبز إلى سياتل، حيث يتواجد غيتس وتوصلا إلى اتفاق، تقوم بموجبه مايكروسوفت بتزويد أبل بالبرمجيات.
إلى جانب تعاقدها مع «أبل» كانت «مايكروسوفت» تعمل أيضًا لمصلحة «آي بي إم»، أكبر لاعب في سوق الكمبيوتر في ذلك الوقت، وتسبب ذلك في قلق جوبز من «سرقة» مايكروسوفت لتكنولوجيا واجهة الرسومات التي تميز جهاز «ماكنتوش» لتستخدمها في تحقيق أهدافها الخاصة.
بينما كانت تعمل «مايكروسوفت» على «ويندوز» في 1983، علم جوبز أن النظام يستخدم واجهة رسومات مشابهة لتلك التي تعمل على أجهزة «أبل»، وحينها دعا غيتس للحضور إلى كاليفورنيا، وصاح في وجهه قائلاً «أنت تدمرنا. لقد وثقت بك، والآن تسرقنا!».
صياح جوبز لم يؤثر في غيتس الذي أخبره بأن كليهما يعرف بأن فكرة واجهة الرسومات ليست من بنات أفكار أي منهما، وإنها في الحقيقة تخص شركة زيروكس، وأن أبل ليس لديها ما يثبت تطويرها لهذه التكنولوجيا.
وقال مؤسس مايكروسوفت لجوبز: حسناً، ستيف، أعتقد أن هناك أكثر من طريقة للنظر إلى هذه المسألة. وأعتقد أن الأمر أشبه بالتالي: أنا وأنت لدينا جار غني يدعى زيروكس، وبعد أن اقتحمت أنا بيته لسرقة جهاز التلفزيون الخاص به، اكتشفت أنك قد سرقته بالفعل».
ما قاله غيتس لجوبز كان موضوع تكهنات لسنوات. ففي عام 1979، قام أحد مهندسي «أبل» بزيارة مركز البحوث التابع لزيروكس واطلع على جهاز الكمبيوتر الذي كانت تطوره الشركة، والذي كان يدعى ألتو. واعترف جوبز لاحقاً بأن واجهة الرسومات كانت مستوحاة فقط من التكنولوجيا الخاصة بزيروكس.
وبعد أن تم إصدار «ويندوز» في 1985، أدار الاثنان ظهريهما بعضهما لبعض، وقال جوبز حينها: لقد «قاموا بكسرنا تماماً، لأن غيتس لا يمتلك أي ذرة خجل».
وفي غضون 10 سنوات، أضحى ويندوز 95 هو نظام التشغيل الخاص بكل أجهزة الكمبيوتر الموجودة في السوق تقريبا. وأصبح بيل غيتس أغنى رجل في العالم.

أعداء الأمس.. «مايكروسوفت» تنقذ «أبل»
في 1997، واجهت «أبل» مشاكل مالية دفعتها إلى حافة الإفلاس، وحينها تدخل غيتس وأنقذ جوبز، وقرر الاثنان وضع الماضي خلفهما والتركيز على المستقبل. وفي السادس من أغسطس من نفس العام، أعلنت الشركتان عن توقيع اتفاق تاريخي.
وبالإضافة إلى الموافقة على تسوية النزاعات القائمة بينهما حول براءات الاختراع، التزمت «مايكروسوفت» بتوفير برنامجها «أوفيس» على أجهزة «ماك» لمدة 5 سنوات، في حين وافقت «أبل» على جعل «إنترنت إكسبلورر» متصفح الويب الرئيسي على «ماك».
ووعدت «مايكروسوفت» أيضًا باستثمار ما يقرب من 150 مليون دولار في «أبل» في صورة أسهم ممتازة، لا تتمتع بحقوق تصويتية. ورغم أن «أبل» كانت شديدة الحذر تجاه مايكروسوفت في ذلك الوقت، فقد قال جوبز حينها عبارته الشهيرة: «علينا أن نتخلّى عن الفكرة القائلة إنه من أجل فوز أبل، يجب أن تخسر مايكروسوفت».
في الواقع كانت الصفقة بين الشركتين مفيدة لكلتيهما. فـ «أبل» من جانبها حصلت على مال كانت في أشد الحاجة إليه، في حين استفادت «مايكروسوفت» من ظهورها بمظهر الفارس الأبيض الذي أنقذ منافسه الضعيف، وهكذا تمكنت الشركة من تخفيف حدة الانتقادات الموجهة إليها في ذلك الوقت حول ممارساتها الاحتكارية.
ومنذ ذلك الحين، وتسطر «أبل» قصة صعود لا مثيل لها تقريبا، حيث تحولت من شركة تواجه شبح الإفلاس إلى أكبر شركات العالم من حيث القيمة السوقية. و«الـ150 مليون» دولار التي استثمرتها مايكروسوفت في «أبل» كانت عبارة عن 150 ألفًا من الأسهم الممتازة، قابلة للتحويل إلى أسهم عادية (سعر السهم حينها كان يساوي 8.25 دولارات) يمكن استرداد قيمتها بعد ثلاث سنوات.
وبحلول 2001، قامت «مايكروسوفت» بتحويل جميع أسهمها إلى أسهم عادية، بلغ عددها حوالي 18.1 مليون سهم. وبحلول 2003، باعت «مايكروسوفت» حصتها في «أبل» بالكامل.
السؤال الذي قد يخطر في ذهن البعض الآن: ماذا لو لم تبع «مايكروسوفت» هذه الأسهم واحتفظت بها؟ كم كانت ستساوي قيمتها اليوم؟
وتم تقسيم سهم «أبل» 3 مرات منذ الاتفاق. الأولى في 2000، حين تم تقسيمه بنسبة واحد إلى اثنين، والثانية في عام 2005، وتم تقسيمه أيضا بنسبة واحد إلى اثنين، أما الثالثة والأخيرة ففي عام 2014، حين قسّم بنسبة 1 إلى 7، أي إن السهم الواحد أصبح سبعة أسهم.
لكن في عام 2000، كانت حيازة «مايكروسوفت» لا تزال عبارة عن أسهم ممتازة وليست عادية، وبالتالي سنتجاهل عملية تقسيم السهم في عام 2000. وبالتالي: مع تقسيم السهم في 2005، أصبح عدد الأسهم التي تمتلكها «مايكروسوفت» في «أبل» يساوي 36.2 مليون سهم (18.1 مليون ضرب 2).
وتقسيم السهم في عام 2014 بنسبة واحد إلى سبعة، كان سيرفع عدد أسهم مايكروسوفت في الشركة إلى 253.4 مليون سهم (36.2 مليون ضرب 7).
لو لم تقم «مايكروسوفت» ببيع أسهمها في «أبل» واحتفظت بها حتى اليوم كان مبلغ 150 مليون دولار الذي استثمرته قبل نحو 20 عاما سيناهز تقريبا ما لا يقل عن 40 مليار دولار.

أيهما أغنى؟
قبل وفاة «جوبز» في أكتوبر 2011، كانت القيمة السوقية لـ«أبل» تقترب من 350 مليار دولار، في حين كانت القيمة السوقية لـ«مايكروسوفت» تساوي حوالي 194 مليار دولار، والأرباح والإيرادات كذلك كانت لمصلحة الأولى، ورغم هذا كان بيل غيتس أغنى بكثير من جوبز. فما السر؟
عند طرحها للاكتتاب العام، احتفظ مؤسسو «مايكروسوفت» بكمية كبيرة من أسهم الشركة، أصبحت لاحقًا تساوي ثروة كبيرة. جوبز كان قد فعل الأمر نفسه مع «أبل»، ولكن خسر تلك الأسهم حين تم فصله من الشركة في عام 1985.
وبنى جوبز ثروة لنفسه، من خلال الاستحواذ على حصة الأغلبية في شركة «بيكسار» في 1986، وبعد ذلك عاد مرة أخرى إلى «أبل» التي استحوذت على شركته الأخرى «نيكست» مقابل 400 مليون دولار، ولكنه هذه المرة لم يحصل سوى على شريحة صغيرة من أسهم «أبل».
بعد بضع سنوات من عودته إلى «أبل» حاولت الشركة مكافأته عن طريق خيارات الأسهم بشكل غير قانوني، ولكن الجهات التنظيمية حالت دون ذلك. وبعدها ظل يعمل لدى «أبل» مقابل دولار واحد سنويًا.
عند وفاته، كان الجزء الأكبر من ثروة «جوبز» يتركز في حيازاته من أسهم «ديزني» التي حصل عليها حين اشترى «بيكسار»، ولم يكن يمتلك الكثير في الشركة التي أسسها وأدارها لتصبح شركة التكنولوجيا الأكثر نجاحا في العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى