المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

مقالات

تائه

بقلم.. عبدالحي مصطفى آل كمال

استيقظَ ذات يوم من نومه فزِعاً، لأنه وجد نفسه غير ذاك الذي كان.

وقف أمام المرآة حائراً وبدأ يُتمتم:
من أنتَ؟!.. ومن أين أتيتْ؟!..
ولايجد جواباً، وأخذ يَضرِبُ بيديه المرآة إلى أن تهشمت، وأسرع مهرولاً نحو مرآة أخرى حتى اقترب منها، وبدا تعرقهُ واضحاً عليه، لكنه لم يلتفت إليها، وعمَّ الهدوء المكان، لايسمع إلا همس أنفاسه ونبضاته التي بدأت بالتسارع، وراح يُطمئن نفسه ويقول: لاتقلق؛ عسى أن يكون حُلما، والتفت سريعاً نحو المرآة.. إنه نفس الغريب! وعاد مكرراً:
من أنتَ؟!.. ومن أين أتيتْ؟!..
ولايجد جواباً، وأخذ بضرب وجهه علّه يستيقظ من كابوسه ودون جدوى، نظر إلى المرآة نظرة عميقة ثم تنهد وقال: كيف حصل ذلك؟!.. هل يُعقل أني جُننت! . خرجَ من منزله، وراح يمشي وسرَح بالتفكير إلى أن وجد نفسهُ بجانبِ بقالة يعرفها جيداً ويعرف مالكها، أسرعَ داخلها، وألتفت على البقالِ صارخا في وجهه: هل عرفتني؟! وفزِع البقال من نبرة صوته العالية؛ قد كان نائماً، وفي العادة وفي هذا الوقت من الشتاء؛ عند غروب الشمس، كل أهالي القرية يدخلون بيوتهم ويغلقون أبوابهم خشية البرد، أخذ البقال وهلةً بعد فزعه ثم جاوبه: مابك؟!.. في البارحة سملتُ عليكَ ولم ترد السلام، وظننتك غير مبالي، عد إلى منزلك، فالعاصفة على وشك الهبوب وأخافُ عليكَ عناء هذا البرد؛ بالمناسبة، هل سمعت الأخبار؟ إنهم يتحدثون منذ بداية هذا الأسبوع عن أطول ليلة في التاريخ، وهاهي على وشك البدء.
وأغلق الباب في وجهه، ولم يدع له مجالاً للتساؤلات والرد. كان شفق تلك الليلة بعد الغروب بدقائق أحمراً قاتماً، وكأن السماء توشك أن تنفجر؛ ببركان من لهبٍ ودم، وأخذ لون السماء سواداً ليس ككل سواد، حتى من رأى سواد السماء المليء بركام الغيوم الغريبة، ظنَّ أن الصُّور يوشِكُ أن يُنفخُ فيه!. أسرعَ نحو منزله، وعاد من نفس الطريق، واكتست الشوارع بالهدوء، الذي لايليقُ بوصفه سوى ذلك الهدوء الذي يسبق العاصفة. ثَقُلت خُطواته مع اقترابه من منزله، وهزيم الرعد فوق ركام الغيوم البعيدة، بإحساسٍ غاضبٍ خفيف؛ وكأن السماء على وشك أن تتفتق! وأخذ يعصِفُ بذاكرته يحاول أن يتذكر أي شيءٍ عن نفسه، حتى اقترب من الباب-أو ظن ذلك-بدأت أنفاسه تتقطع، وضربات قلبه متسارعة، وقعها عليه كأنها حربٌ قُرعت طبولها…
استيقظَ من نومه فَزِعاً-كان كابوساً-وعلَتْ تنهيدته في المكان، وكأن الروح خَرجت منه ورُدت إليه مجدداً، وأخذ يتعوذ بالله من هذا الكابوس حتى اطمأنت نفسه وسكنت، حاول العودة إلى النوم؛ لكنه نسيَّ أن يُغلق التلفاز، وموسيقى الأخبار مزعجة للغاية، فقام ليطفئ التلفاز؛ إذ به يسمع المذيع يقول: أن أطول ليلة في التاريخ قد بدأت منذ لحظات وعلى سكان القرية… ويتلاشى صوت المذيع بالتدريج، وتذكر أنه لايتذكر شيئاً عن نفسه، وهزيم الرعد بإحساسٍ غاضبٍ مخيف، يوحي بأن العاصفة اقتربت؛ زادت نبضات قلبه وعلَتْ أنفاسه وتقطعت…
واستيقظَ مجدداً فَزِعاً، نظر إلى تلفازه سريعاً ليجده مُغلق، بدأ بالضحك، وعلَتْ ضَحكاته التي بلغت حد الجنون، حتى هدأ وقال في نفسه: لا مجال للنوم بعد كل هذا. مرّ بجانب الشباك، وأمعن بالنظرِ قليلاً…
الشفق أحمر، السماء سوداء؛ ركام الغيوم غريب، وماهي إلا لحظات حتى سَمع هزيم الرعد؛ ولازال تائهاً…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى