المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

الافتراضي

ساركوزي زاد راتبه 170% بعد انتخابه رئيساً

تعاقب على فرنسا منذ اعلان الجمهورية الخامسة، ثمانية رؤساء، كانت لهم بصماتهم في الحكم وإدارة مفاصل الدولة. ومن الجنرال شارل ديغول الى إيمانويل ماكرون، غالباً ما كان مزاج الرئيس هو ما يفرض نفسه على ادارة قصر الإليزيه ومؤسسات البلد كلها.
في كتاب «نزوات رؤساء الجمهورية الخامسة» والصادر مطلع هذا العام، تروي الصحافية الفرنسية بياتريس هوشار، التي غطت ستة انتخابات رئاسية لمصلحة «لانوفيل ريبوبليك» و«لا في» و«لوباريزيان» و«لوفيغارو»، قصصا غريبة عن هؤلاء، وترصد أهواء البعض، وتدخلات البعض الآخر في كل شيء في الدولة، مهما كان بسيطا، ولا يرقى الى مستوى اهتمامات الرئيس، كما تهتم بجانب غير معروف عن حياتهم الخاصة، كطائرة الفالكون التي كانت تتحرك من اجل شراء الجبن الخاص بالرئيس، الى تدخل البعض في تعيينات مديري المتاحف، وتوقيت وتفاصيل برامج التلفزيون الحكومي.
إنها قصص غير معروفة على الإطلاق، امضت بياتريس هوشار سنوات في جمعها، عن نقاط ضعف رؤساء فرنسا منذ 1958، لتشكل رواية حقيقية عن السلطة في فرنسا. ونحن في القبس ننقل بعضا مما اخترناه من هذه القصص.

انتخب نيكولا ساركوزي في مايو 2007 رئيسا للجمهوية الفرنسية، ولكن ما أن حل شهر أكتوبر حتى قرُر زيادة راتبه بنسبة 170 في المئة، ليرتفع من 7000 يورو إلى 18 ألف يورو شهريا. وأما مبرراته، فهي أن راتب الرئيس يجب أن يكون أعلى من رئيس الوزراء، وأن الرئيسين اللذين سبقاه، وهما شيراك وميتيران، كانا يتقاضيان راتبا تقاعديا خلافا لحالته. بعد خمسة أعوام، روى نيكولا ساركوزي على محطة «بي اف ام تي في»: «حين أصبحت رئيسا للجمهورية.. قال لي الأمين العام للحكومة ما الراتب الذي تود أن تتقاضاه، فأجبت ما هذه القصة؟ أريد أن اتقاضى ما هو محدد لي، فأجاب لا لا، انت تعرف سيدي الرئيس كل الرؤساء السابقين فعلوا هكذا، الرئيس هو من يحدد الراتب».
في البرلمان صادق أغلبية النواب على هذه الزيادة، وفي الوقت ذاته، قرر نيكولا ساركوزي لأول مرة أن يسمح لمجلس المحاسبة بأن يراقب أموال الإليزيه. ويقول مدير الاتصال فرانك لوفريي لقد أقر ما يريد بإقرار أشياء أخرى، كما مكّن لحزبه ولأعضائه، وعيّن أربعة وزراء هم جان بيير جويي وبرنار كوشنير وفضيلة عمارة وإيريك بيسون، كما فرض الكاتب جان كريستوف رافان سفيراً في السنغال.

شيراك والطفل السري
هل كان لشيراك حساب سري وطفل أبعده عن الأنظار في اليابان أو لبنان؟ حتى تتأكد المديرية العامة للامن الخارجي من الخبر، أرسلت عدة عملاء إلى اليابان في 2002 بأوامر من رئيس الحكومة ليونيل جوسبان أو أن المديرية تصرفت بهذا الشكل، لإرضاء جوسبان الذي كان المفضل في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ كثرت التأويلات في تلك الفترة، غير أن الأجهزة الأمنية لم تعثر على شيء؛ لا طفل ولا مال. وأما جاك شيراك، فقد جن جنونه ونقل شكواه عدة مرات لرئيس الوزراء حول ما حصل واستخدام أجهزة الدولة لضرب الرئيس تحسبا للرئاسيات المقبلة. ليونيل جوسبان نفى الأمر دوما، ويبدو ان الأجهزة الأمنية تحمست للموضوع.
انتخب جاك شيراك مرة ثانية في 5 مايو، بعد مواجهة مع جان ماري لوبان. وما أن مر شهران حتى استبعد مدير الأمن الداخلي جان جاك باسكال، وبعد ثلاثة اسابيع بالتحديد أقال المدير العام للامن الخارجي جان كلود غوسيران. ويقول الجنرال جان لويس جورجيلان إن شيراك يمكن أن يقتل بابتسامته. وأما الوزير الاسبق جان جاك إيلاغون، فيقول «لم يكن مألوفا، ولكنه لم يكن يلعب دور الحاكم ولم يكن يحب الظهور او انه كان حاكما مبتهجا وملكا برجوازيا، ولكن كان قائد حرب».
ويقول وزير الميزانية الأسبق جان فرنسوا كوبي إن شيراك لم يكن يذهب بعيدا في اصلاحاته، ولكنه كان يقرر… غير أن جاك شيراك كان يمكن ان يصدر قرارات متناقضة مثلما حدث في 31 مارس 2006، حيث أعلن في التلفزيون بعد أسابيع من التظاهرات ضد قانون «عقد العمل الأول» أن القانون لن يطبق إلا بعد أن يتم تعديله.

في مقر الملك
انتخب ايمانويل ماكرون رئيسا للجمهورية الفرنسية في 7 مايو 2017، ولكنه لم يسبق له أبدا ان انتخب ولو في منصب مستشار بلدي، كما أنه لم يتبوأ أي مسؤولية في أي حزب سياسي، ذلك أنه لم يحتفظ ببطاقة عضويته في الحزب الاشتراكي الفرنسي الا ثلاث سنوات بين عامي 2006 و2009.
كان بعيدا عن السياسة، حين عينه فرنسوا هولاند في مايو 2002 أمينا عاما مساعد للإليزيه، ولكن شبابه وقوامه وقربه من الفيلسوف الراحل بول ريكور جميعها عوامل لفتت الانتباه ووجهت الكاميرات نحوه.
لم يكن هذا المستشار يشبه الآخرين، فهو خريج المدرسة الوطنية للإدارة وعمل مفتشا ماليا، كما أن ارتباطه بسيدة تفوقه بــ25 عاما يثير الفضول، ولكنه إلى ذلك الحين كان غير معروف لدى الفرنسيين. غادر الاليزيه بسرعة في 10 يونيو 2014، وخلال مغادرته وبينما كان في قاعة الحفلات، أكد أمام شهود عيان أنه سيفعل المستحيل من اجل إعادة انتخاب فرنسوا هولاند في 2017.
في 26 أغسطس 2014، عين الرئيس فرنسوا هولاند، إيمانويل ماكرون، وزيرا للاقتصاد والصناعة بعد أن أقال أرنو مونتبورغ، بنصيحة من الأمين العام للإليزيه جان بيير جويي.
لكنه كان مختلفا تماما عن فرنسوا هولاند، حيث تأقلم مع الوضع الجديد بسرعة. ويقول فرنسوا بازان المختص في اليسار الفرنسي ومؤلف كتاب «لا شيء تم وفق ما كان متوقعا… السنوات الخمس، التي صنعت ماكرون»: «لم يكن الأمر واضحا، بالنظر إلى عمره والى تجربته المتواضعة».
لم يضع ماكرون أي ثانية قبل انتخابه ولا بعد انتخابه، حيث شاهده الجميع وهو يمشي وحيدا بعد فوزه في ساحة اللوفر، مثلما وضع فرنسوا ميتيران الورد في نصب البونتيون في 21 أبريل 1981، ولكن مع اختلاف كبير، هو ان هو ميتيران كان قد تقلد منصب رئيس الجمهورية وتم تنصيبه، بينما لم يكن ايمانويل في الــ7 مايو قد نصب بعد.
بعد اسبوع بالضبط وفي يوم تنصيبه، جال الشانزليزيه في سيارة عسكرية، وفي المساء زار جنودا فرنسيين أصيبوا في عمليات عسكرية خارجية في المستشفى العسكري في بيرسي، ليستقبل بعدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قصر فرساي ثم الرئيس الاميركي دونالد ترامب في 14 يوليو 2017.

صورة الملك
لا شيء كان يتم صدفة عند إيمانويل ماكرون، حيث كان يبدو كل شيء منسجما ومحضرا وخضع لعملية بحث وتفحيص وتمحيص. فقبل عامين من انتخابه رئيسا، قال لأسبوعية «لو1»: «إن الغائب الأكبر في السياسة الفرنسية هي صورة الملك، التي أعتقد أن الشعب الفرنسي لم يرغب في موتها…. لقد صنع الرعب فراغا عاطفيا جماعيا.. لأن الملك ليس هنا… ثم حاولوا بعد ذلك اعادة استثمار هذا الفراغ من خلال شخصيات أخرى أمثال نابليون وديغول. وأما في بقية الفترات، فلم تكن الديموقراطية الفرنسية تملأ المكان، وأصبح الرؤساء عاديين في قلب الحياة السياسية، وما ننتظره من الرئيس هو أن يشغل وظيفته».
في الرابع عاشر من مايو، تم تنصيب ماكرون على «الكرسي الفارغ»، الذي تركه الجنرال ديغول، وإن كان يفضل العمل ليلا في مكتب جيسكار ديستان. وفي الصالة التي تقع في زاوية الجناح التي كانت غرفة نوم الامبراطورة أوجيني، فقد وضع صورة لماريان رسمها سيبار فيري، وكتب تحتها شعار الجمهورية الفرنسية «الحرية والمساواة والإخاء»، واختار للأرضية سجادا عصريا يحتوي على أشكال هندسية.

وعود الرئيس
خلال حملته الانتخابية لم يعد ماكرون الفرنسيين بالقمر ولا ان يقلب منحنى البطالة مثلما فعل فرنسوا هولاند، ولا تجرّأ على القول مثل فاليري جيسكار ديستان إنه سيفتح عصرا جديدا للسياسة الفرنسية أو فرنسوا ميتيران الذي كان يسعى إلى تغيير الحياة، ولا نيكولا ساركوزي الذي كان يتحدث دوما عن القطيعة.
بالنسبة لفرنسا 2017، وعد خلال الحملة الانتخابية بقياديين جدد وطريقة جديدة لممارسة السياسة واعفاء 80 من الاسر الفرنسية من ضريبة السكن، ويبدو ان مرشح حركة «نمضي معاً» فهم أن الفرنسيين يرغبون في كنس الماضي بعد ان أزاحوا نيكولا ساركوزي وآلان جوبيه في اليمين، ومانويل فالس في اليسار، وبعد أن حطوا من عزيمة فرنسوا هولاند للتقدم إلى ولاية ثانية، لذلك لم يبق سوى إيمانويل ماكرون لمنافسة فرنسوا فيون، الذي اضعفته الفضائح.
كان الرئيس الجديد يرغب مثلما فهم الجميع بأن يكون رئيسا مختلفا تماما، وكان يبدو منشغلا بكل شيء، ومثل سابقين قام بالتغطية على رئيس حكومته بعد ان خطب في قصر فرساي أمام البرلمان، قبل 24 ساعة من خطاب إدوار فيليب امام الجمعية الوطنية لتقديم سياسة الحكومة العامة.

مواجهة قائد الجيش
وكان الرئيس الفرنسي قد وقع في مواجهة مع قائد الجيش الجنرال بيي دو فيي. ففي الــ13 من يوليو قال الرئيس أمام لجنة الدفاع في الجمعية الوطنية، ردا على قائد الاركان، الذي عبر عن تحفظه على ميزانية الجيش «لا أنوي أبدا التراجع».
لم يتم حل سوء التفاهم بين الرئيس وقائد الجيش في سرية تامة ووجها لوجه، ولكن أمام الملأ خلال الحفلة السنوية التي اقامتها وزارة الدفاع في فندق بريان في 13 يوليو، قال الرئيس «أعتقد من جهتي أن بعض النقاشات لا تستحق أن تمتد إلى العلن. لقد التزمت بذلك. أنا رئيسكم والالتزامات التي اتخذها أمام المواطنين والجيش سوف أوفي بها، وفي هذا الشأن لا أحتاج إلى أي ضغوط ولا تعليقات… أحب الشعور بالواجب وأحب واجب التحفظ الذي يلتزم به الجيش».
وعلّق الجنرال جورجولين أحد من تقلدوا منصب قائد الجيش قبل بيير دو فيي، على ما حصل بقوله «إنها غلطة، لا يتم الانتقاد ابدا بهذا الشكل». وأضاف «انها زوبعة في فنجان».
حين قال الرئيس: «أنا قائدكم». وكرر الجملة، كان يتوجه بكلامه للعسكريين، لكن كثيرين شعروا بأنه يتحدث إليهم مثل الوزراء ونواب حركة «نمضي معا». لقد أدرك ماكرون أنه يجب أن يختلف عن سابقيه، وأن عليه أن يعيد الثقة للدولة، وأن يصالح فرنسا المفضلة مع فرنسا التي تشعر بأن النظام تخلى عنها، وأن ينفذ الاصلاحات لا أن يوقعها فقط، وأن يحقق نتائج لا تتوقف عند خفض نسبة البطالة. غير ان إدارة الفريق الحكومي كمدير مؤسسة لا تكفي لهذه المهمة. في هذه اللحظة فهم الفرنسيون أن لديهم رئيسا قارنه الصحافي جان دومينيك مارشي بنابليون بونابرت.

وهج فرساي
في مايو 2017، قرر الرئيس ماكرون أن يدعو فلاديمير بوتين إلى زيارة قصر غراند تيريانون أحد قصور فرساي، بذريعة زيارة معرض لبطرس الأكبر إمبراطور روسيا الأسبق، وكانت طريقة أخرى لاستقبال ضيف مثير للجدل.
في ربيع 1961، قدَّمت فرنسا كل مظاهر الجمهورية الملكية أثناء استقبال الجنرال ديغول لجون كينيدي وزوجته في قاعة المرايا في قصر فرساي، وفي 1982 استقبل فرنسوا ميتيران قادة دول مجموعة السبع في فرنسا وهم الأميركي رونالد ريغان والبريطانية مارغريت تاتشر والألماني هلموت شميدت والإيطالي جيوفاني سبادوليني والكندي بيير ترودو والد جوستن ترودو الحالي والياباني كنزو سوزوكي. قدم العشاء في قاعة الحدائق قبل عرض الألعاب النارية، وقد ذهل الحضور من فخامة المكان، ومما انفقه «ملك فرنسا» الذي انتخب في 10 مايو 1981.
لم يكن فرانسوا ميتيران لدى عودته إلى قصر الاليزيه راضيا عن الحصيلة السياسية للقمة، لكنه كان سعيدا جدا بسبب التنظيم. وقال أمام جاك اتالي انه لم يندم ابدا على اختيار قصر فرساي لتنظيم القمة. وأضاف «علينا أن نستقبل جيدا ضيوف فرنسا، ماذا كان سيحصل لو نظمنا القمة في إينان ليتار؟ كنا سنجلب العار لفرنسا».
ما أغرب هذه الرمزية، ففرساي الذي وقع في معاهدة الهزيمة عام 1871 والنصر المؤقت بعد الحرب العالمية الأولى، اختارته الجمهوريتان الثالثة والرابعة لانتخاب الرؤساء. وفي فرساي ايضا يواصل البرلمان الاجتماع بغرفتيه للتصويت على أي تعديل دستوري. وفي فرساي أصبح بمقدور الرؤساء منذ 2008 أن يتوجهوا بخطاب للنواب مباشرة بينما لم يكن يحق لهم أن يتوجهوا لهم برسالة.

حلم ساركوزي

كان نيكولا ساركوزي، وراء اضافة المادة الــ 18 للدستور، وكان يحلم بأن يخطب أمام النواب في الجمعية الوطنية، حيث كان نائبا ثم وزيرا للداخلية والاقتصاد. في 22 يونيو 2009، ألقى ساركوزي أول خطاب عن الأزمة المالية ووضع البلاد، ثم ألقى فرانسوا هولاند خطابا آخر في 16 نوفمبر 2015 بعد الاعتداءات الارهابية، التي استهدفت باريس. وفي 3 يوليه 2017 دشن ايمانويل ماكرون ما وصف لاحقا بخطابه حول وضع الاتحاد على الطريقة الفرنسية اسوة بالخطاب الذي يلقيه الرئيس الاميركي كل عام، غير أن طول الخطاب الفلسفي والسياسي الذي ألقاه الرئيس (90 دقيقة) جعله يستحق لقب «الملك».
قبل قيام الجمهورية الخامسة، كان لويس نابليون بونابرت، الذي اصبح رئيسا للجمهورية، ملزما دستوريا بالقاء خطاب أمام البرلمان، وقد تم ذلك في السنوات 1849 و1850 و1951، وخلال هذه السنة، قال أمام النواب «العمل يتباطأ في كل مكان والفقر يتفاقم والسلطات العمومية تتضاءل».
حين انتخب الفرنسيون رئيسهم عام 1848 في انتخابات عامة منعت النساء من المشاركة فيها، اختاروا أحد أفراد عائلة امبراطور، وهذه احد التناقضات الفرنسية، ولهذا يلقب لويس نابليون بونابرت بالرئيس الأمير، ومن رئيس، أصبح امبراطورا بعد انقلاب 2 ديسمبر 1851 وأصبح يسمى نابليون الثالث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى