الحنين إلى الأيام الخوالي، تبقى الجامع المشترك بين الرعيل الأول ومن عاش في الكويت، في عصر ما قبل النفط أو في مرحلة الاستقلال وما بعدها، في هذا اللقاء رحلة مع الذكريات ومع الماضي، نغوص في ثناياه، فنبحث وننقب عنه، مع الذين عايشوه تسجل لهم صفحات من عبق التاريخ ففيه رسالة وعبرة للأجيال.
حدثنا الحجام المتخصص في الطب البديل سلمان الشمري، حيث قال: لمع في سماء المحافل الطبية في الآونة الأخيرة نجم الطب البديل ولاقى إقبال الناس، ولا سيما العلاجات الرافدة من النبع الطاهر (الطب النبوي) التي حققت نجاحاً بارزاً في شفاء العديد من الحالات، التي وقف الطب الحديث عاجزاً أمامها، وتعد الحجامة إحدى أبرز هذه العلاجات الناجحة، وما ذلك إلا بفضل من الله أولاً ثم بفضل أطباء مسلمين اهتموا باحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
تاريخ الحجامة
قال الحجام الشمري: الحجم لغة المص، وسمي به فعل الحاجم لما فيه من المص للدم في موضع الشرط، والحجامة فعل الحاجم وحرفته، والمحجم الآلة التي يحجم بها أي يمص بها الدم، وهي أيضاً مشرط الحجام الحجامة، عملية الحجامة هي عملية سحب الدم من سطح الجلد باستخدام كؤوس الهواء من دون إحداث أو بعد إحداث خدوش سطحية بمشرط معقم على سطح الجلد في مواضع معينة لكل مرض.
والحجامة لها تاريخ عند قدماء المصريين، والرسوم تدل عليها في المقابر والمعابد. وفي الصين أيضاً الحجامة عالجت قبل أربعة آلاف سنة. والحجامة في الهند، يقطعون أطراف القرون المجوفة لبعض الحيوانات، ثم يضعون الجزء الواسع منها على الجلد، وبعدها يمصون بالفم بقوة من الطرف الضيق، إلى أن يتم تفريغ الهواء، واستبدلت القرون بكاسات من الفخار والبامبو أو الزجاج. والحجامة عند الأغريق يقومون بتسريب كمية من دم المريض (الحجامة) بغرض مغادرة الأرواح الشريرة مع الدم، والرومانيون نقلوا إلى بلادهم إبان عودتهم إليها بدودة العلقة (هيلينا).
وأضاف: عرف العرب الطب قبل الميلاد بزمن طويل، كان مقتصراً على الحجامة والكي وبعض الأعشاب والنباتات، وجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) ليقر ذلك العلاج، ويعمل به ويوصي به، وكان هو (صلى الله عليه وسلم) يتداوى بالحجامة لصداع كان يصيبه، وأدخلت الحجامة إلى أوروبا عبر بلاد الأندلس، ووردت أحاديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم) تؤكد أن في الحجامة شفاء. فعن ابن عباس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كي النار، وأني أنهى أمتي عن الكي».
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن كان في شيء من أدويتكم خير، ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الدواء، وما أحب ان أكتوي»، وفي رواية أخرى عنه أيضاً: «إن كان في أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم»، وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري»، وروي عن مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن أفضل ما تداويتم به الحجامة أو هو من أمثل دوائكم»، ويلاحظ أن صيغ وصف الحجامة بأنها شفاء.
الغواص الكويتي
وقال الشمري: يتعرض الغواص الكويتي في القديم لأمراض كثيرة منها: انفجار الأذن بسبب الضغط في قاع البحر، ومرض السُمَطْ يصيب جلد الغواص لمكوثه في البحر، ومرض الشاقة يصيبه بالجبهة، وهناك أمراض ومتاعب وأذى تصيب الغاصة، خاصة نزول الدم إلى القدم بسبب الوقوف لسحب الحبال، بعضهم يعالجون هذه الأمراض وغيرها بالأدوية القديمة، منها الصبر المر ـ الجعدة العشرج – صمغة الريح – على البان – الشب… إلخ.
وقال: إلى جانب هذه كلها، فهناك علاج بالكي (النار)، وهناك الحجامة، وذكر لي أحد الغاصة جاءني في معهد الحجامة أبلغني كنا في السابق لا نركب السفينة للغوص حتى نحتجم، كان هذا الرجل بلغ من العمر 105 سنوات، وقال: الحجامة علاج لكثير من الأمراض، وبعدها كان المريض يبرأ، وهذا العلاج رائع وسريع، وإقبالنا عليها من زمان وهي من العادات الحسنة، ونريد من الإعلام أن يسلط عليها.
وأضاف الشمري: الحجامة ليس لها سن محددة، وهي فلتر للدم من الأخلاط والشوائب، وتساعد الكبد في تنقية الدم، وأيضاً تفيد وتعتبر علاجا رائعا لإصابات الملاعب، ولكنها لا تفيد الرجيم كثيراً، لأن الرجيم هو أن يمنع نفسه عن الأكل الذي يؤدي إلى السمنة، ولتنظيم الأكل بشكل طبيعي علينا أن نترك العادات الخاطئة في الأكل، وهو الصحيح، والحجامة تساعد على خروج الحسد والعين والنفس، وأنا لدي خبرة من جدي في العلاج بالطب البديل، كان جدي يعالج المرضى والكسور، ومعروفاً عنه بالمجبر.
عيادات الدول المتقدمة
وبيّن الحجام الشمري: فتحت الدول المتقدمة عيادات للحجامة ودراستها، ففي الولايات المتحدة تمارس الحجامة وألمانيا والصين وكوريا، وأغلب أوروبا، ولكن الحجامة هناك هي من النوع الجاف، وليس بإخراج الدم، وكذلك مصر وسوريا ولبنان ودول الخليج العربي.
وقال: سبب انتشار هذا العلم عودة الناس إلى السنة النبوية والتمسك بها ومراجعة الكتب التي تتكلم عن الطب النبوي لا سيما كتاب «ابن قيم الجوزية»، وأيضاً ملل الناس من كثرة الأدوية في الطب العادي، ووقوفه عند كثير من الأمراض حائراً، وكثرة المهدئات فيه، فرجع الناس إلى الطب البديل (الأعشاب – الإبر الصينية – الحجامة… إلخ).
وتعد الحجامة من أفضل علاجات الطب البديل، وذلك لمعالجتها كثيرا من الأمراض التي عجز عنها غيره، وهي علاج مبارك باركه الله سبحانه وتعالى.الإبر الصينية
وأكد: الحجامة لتسكين الألم، هذا الدور المسكن للحجامة، وبعمل كأس الحجامة على تخليص الجسم من المواد السامة والخلايا الهرمة، ويقوم الكأس بتنشيط نقاط المقاومة المناعية (المفعول المناعي للحجامة، والحجامة تقوم بتنشيط وتجديد الدورة الدموية، وتحسين تغذية وتروية الأجزاء المصابة، وتنشيط الدورة الوريدية، مما يساعد على التخلص من العوادم الدقيقة، وتنشيط الدورة اللمبفاوية التي تؤدي إلى زيادة الدم الوارد إلى المنطقة المصابة، مما يؤدي إلى زيادة عوامل المناعة، وبذلك تحدث تنقية لسوائل الجسم بشكل سريع، كما يتم التخلص من العوادم الكبيرة، وتهدئة الأعصاب (الدور المهدئ للحجامة)، وتنشيط مراكز الحركة في الجسم.
وأضاف الشمري: تاريخ الحجامة يختلف كلياً عن تاريخ العلاج بالإبر الصينية، ولكن القول إن المعالج بالحجامة يستفيد من بعض أماكن الإبر، لكن في الإبر الصينية يتم تنبيه مراكز الاحساس، بالإضافة إلى تحريك الدورة الدموية وتنبيه جهاز المناعة.
تحديد.. أوقات
وزاد: يتم تحديد مواضع الحجامة من خلال ثلاثة طرق أولها: إثارة وتنبيه مناطق الألم، ثانيها: تنبيه المناطق العصبية التي لها اتصال بالجلد أو بمعنى آخر الوصلات العصبية المشتركة مع الجلد مع مراكز واحدة، كما في حالات القلب، حيث يتم التنبيه في مناطق معينة في الكتف والبروستات في أسفل الظهر، وأيضا حيث يكون الجلد مشتركاً مع الأعضاء الداخلية في أماكن حسية عصبية واحدة، والطريقة الثالثة: عبارة عن استخدام ردود الفعل Reg lexlology، حيث يتم التنبيه في أماكن معينة في الجلد فيحدث ردود فعل في الأعضاء الداخلية، مثل تنبيه الغدد وتنبيه إفرازات الجهاز الهضمي.
وقال: أما بالنسبة للأوقات المحددة، ففي الربع الثالث من الشهر العربي (القمري) هي أفضل أيام الحجامة، وذلك لاقتران اكتمال القمر بدم الإنسان، فإذا هاج الدم هاجت الأخلاط معه، كما أن هناك أياما منهية عن الحجامة فيها (السبت والأربعاء) وذلك لنهي الشارع الحكيم عن هذه الأيام، فيوم الأربعاء مثلاً:
ذكر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا ينزل بلاء ولا جذام إلا في يوم الأربعاء.
وأضاف: النساء يعترينهن بعض الأمراض مثل ما يعتري الرجال، فهناك حجامة لهن. أما دم الدورة، فهو دم وخلايا ميتة من خلايا الرحم وكريات بيضاء وبكتيريا وتختلف عن دم الحجامة من جميع الأوجه، وهذا معروف طبيا، والمرأة إذا حملت لا تأتيها الدورة.
هؤلاء ننصحهم
وأوضح: لا سن معينة للمحجوم، عدا أننا لا ننصح بحجامة الأطفال والكبار جداً والمرضى بأمراض خطرة، وننصح المريض بأن يحتجم عند حجام معروف، وننصح بأن يكون هناك اتصال بين الحجام والأطباء في حالات المرضى بأمراض قد تكون خطرة، وعلى الشخص الذي لا يشكو من شيء أن يحتجم لسببين، أولاً: إنها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤجر فاعلها باقتداء النبي، ثانياً: لها مفعول وقائي ممتاز وتزيد في الحفظ وتقلل النسيان، والحجامة يعملها الشخص متى ما احتاج إليها ولو بعد شهر من الحجامة الأولى، وفي كثير من الأحيان لا تكفي جلسة واحدة لعلاج مرض، وإنما يحتاج إلى أكثر من جلسة.
التبرع بالدم
وقال الشمري: التبرع بالدم ينتمي إلى الفصد وليس الحجامة، لأن التبرع بالدم يؤدي إلى التخلص من بعض مكونات الدم بكميات معينة في وقت قصير، ويتم ذلك من خلال وريد دموي وليس من خلال مسام الجلد، ولذلك لا نستفيد منه في تنبيه أماكن معينة في الجلد كما في الحجامة، وعندما يحدث أي خدش في الجسم يحدث استنفار لجهاز المناعة، لأن الجلد هو خط الدفاع الأول عن الجسد، فيزداد إفراز كريات الدم البيضاء وتزداد المناعة، وهناك ضغوط طبيعية، حيث إننا نجد أن جهاز المناعة عند المرأة الحامل يكون نشطاً جداً، وكرات الدم البيضاء تتكون بكميات كبيرة، وهناك ضغوط صناعية من خلال حدوث خدوش في أماكن معينة من الجلد تؤدي إلى النتيجة نفسها، وهو ما يحدث في الحجامة.
أنوع الأمراض
أمراض تعالجها الحجامة: الضغط، الصداع، الصرع، الجيوب الأنفية، ضغط العين، ثقل النوم، غشاوة العين، آلام الأكتاف، تنميل اليدين والفخذين والأرجل، الربو، الوظائف الكبدية، آلام الظهر، البروستاتا، المشاكل الجنسية، إصابات الملاعب، زيادة الأملاح، التهاب أغشية القدمين، التبول اللاإرادي، خشونة الركبتين.
حقائق
● الغواصون الذين احتجموا لم يصبهم دوار الرأس في عمق البحر.
● السباح الأميركي مايكل فيلبس احتجم لفتح منافذ الطاقة ولمعالجة التشنج العضلي وآلام المفاصل في ريو دي جانيرو.
● الملاكم فلويد مايويذر والملاكم أمير خان وكذلك بطل التنس البريطاني آندي موراي احتجموا لمعالجة الزكام والآلام المعوية ومشاكل الجلد والتنفس.
● نقاط داكنة على كتفي لاعب الجمباز أليكسي ندور ظهرت بسبب اللجوء إلى الحجامة.
● الغواص إذا احتجم يشعر بالراحة، ويكون جسمه خفيفاً، وحيويته عالية.
● صنعت الكؤوس المستخدمة من قرون الحيوانات والخشب والنحاس والزجاج.
● المتبرع بالدم يحافظ على نشاطه، ويقف في مواجهة الأمراض التي تهدده.
● الحجامة تكيفك مع البيئة المحيطة بك.
● عملية الحجامة من العمليات الشهيرة الواسعة الانتشار بين القبائل، والتي ما زالت تمارس.
