المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار الكويت

سيرة حياة فولتير وأفكاره في كتاب موسوعي

 

«فولتير أو العقل ملكاً»، هو كتاب موسوعي أول في سلسلة كتب مماثلة يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت. وهي سلسلة سِير كبار من المفكرين الأوروبيين في عصر النهضة أو التنوير والحداثة تالياً. وسيصدر تباعاً في هذه السلسلة كتاب عن مؤسس علم الاجتماع الفرنسي اميل دوركهايم وآخر عن قرينه ومزامنه الألماني ماكس فيبر.

كُتب هذه السلسلة مترجمة عن لغتها الأصلية، ووضعها باحثون وكتّاب أوروبيون موسوعيون. «فولتير أو العقل ملكاً» وضعه الكاتب الفرنسي جان اوريو وترجمه عبود كاسوحة. ويقع الكتاب في قرابة الألف من الصفحات.
المؤلف أوريو قاص هو كاتب سيرة فرنسي كلاسيكي الاسلوب، وعمل أستاذاً للآداب من 1937 ونال جائزة الأكاديمية الفرنسية للرواية عام 1946، وجائزة أخرى من الأكاديمية عام 1998، وله مؤلفات كثيرة في السيرة والرواية والمذكرات. أما المترجم عبود كاسوحة السوري (1938 – 2013)، فهو مترجم محترف كان قد ترجم مؤلفاً ضخما عن «تاريخ المجتمعات الإسلامية» للباحث الأميركي الكبير ايرا لابيدوس. وكاسوحة منحته وزارة التربية والتعليم الفرنسية وسام الفارس لما قدّمه في مجال التعاون الثقافي بين العربية والفرنسية.

رقصة باليه
في المقدمة التي كتبها جان اورويو لكتابه ذكر أن الغوص في حياة فولتير وغزارة الحوادث التي زامنها، وتقلبات شخصيته وتناقضاتها، تسبّب الدوار غالباً.
وبعد المقدمة وضع المؤلف كشفاً تاريخياً متسلسلاً تبعاً للسنوات عن حياة فولتير المولود في باريس نهار الأحد 12 نوفمبر 1694 باسم ماري اورييه، وذلك أثناء مجاعة عرفتها فرنسا آنذاك. ويستغرق هذا الكشف التاريخي المزامن لحياة فولتير أكثر من 30 صفحة من الكتاب الذي لا نقرأ فيه سيرة فولتير العائلية والعاطفية والفكرية فحسب، بل سيرة الحياة الاجتماعية والثقافية التي زامنته. فحياة فولتير «رقصة باليه متراخية إلى حدها الأدنى وقد يبدو الراقص فيها أقرب إلى ضوء كاذب منه إلى انسان».
وحين قام دالمبير بتعريف فولتير قال انه لا يقبل التعريف. فحياة الكاتب والفيلسوف الفرنسي استغرقت القرن الثامن عشر تقريباً، وهو قرن رسوخ عصر النهضة والتنوير في أوروبا. ويعترف كاتب سيرته بأنه حاول أن يتلبس شخصية فولتير وزمنه ليؤدي دوره في تلك «الأوبرا الساحرة التي احتلت المسرح الأوروبي طوال ذلك القرن». والكتاب هذا كُتب لتقصي تلك الأوروبا فيما مؤلفه مستغرقاً في الاستماع إلى موسيقى «اليغرو» من تأليف موزارت. ذلك لأن ليس ثمة ما يكشف عن طبيعة فولتير العميقة مثل السرعة. فهو يغيّر لحنه وموضوعه بتواتر لا يصدق. ولم يتوانَ بعض من «ذوي الفكر النيّر في الإشارة إلى أنه عاش حياته بايقاع جهنمي». وليست حياته وحدها هي ما يأخذ شغاف قلوب قراء سيرته هذه بل مؤلفاته أيضاً.

بين الموهبة والمال
منذ الخامسة عشرة من عمره كان فولتير يعرف ماذا يريد أن يكون بعناد وطموح مذهلين: «أدرك أن عليه أن يكون غنياً جداً وشاعراً عظيماً في آن واحد، فحقق الفوز في المضمارين ونجاحه الاجتماعي سار جنباً إلى جنب مع نجاحه الأدبي». وهو كان يعتقد حين كان على مقاعد الدراسة أن الموهبة بلا مال بؤسٌ خالص وأن المال بلا موهبة غباء خالص أيضاً. وكان فولتير التجسد الكامل لنوع من اتجاه فكري كان قائماً قبله في فرنسا من دون ريب، ولكنه لم يتخذ شكله الحاسم إلا تحت قلمه. وحين أسبغ على ذلك الاتجاه الفكري وعلى تلك النزعة الإنسانية لموليير ولافونتين ومونتان الشكل الباهر للرسائل، «صرنا فرنسيين أكثر مما كنا عليه»، كتب مؤلف سيرته. وكل من يكتبون في الأسلوب الفولتيري يعرفون «أن العالم خلق لينتهي به المطاف إلى كتاب»، حسبما يقول الشاعر الفرنسي مالارميه. واشعاع عبقرية فولتير الشخصية انتشر في أوروبا كلها آنذاك، فهو قلما كان يعبأ بالدعاية القومية. فأوروبا بالنسبة اليه والى الذين يصغون الى كلماته كانت قاتمة، وهي أوروبا الأنوار والوطن الأكثر تمدنا وإنسانية بين الأوطان وليس لها حدود سوى حدود الفكر.

رجل العراك اليومي
وكان صاحب «رسالة التسامح» رجل عراك يومي في سبيل السعادة الأرضية أو الدنيوية وليس السعادة الأسطورية، وذلك عبر انتزاع الإنسان من براثن الطغيان والبؤس. والسعادة عنده تمرين على الذكاء والشجاعة وشهامة الإنسان الحر وعظمته. أما في ما يتعلّق بالماورائيات فليس للمرء أن يأمل شيئاً، فكل امرئ يصنع مصيره هنا على الأرض وبنفسه. وحسبنا ان نقرأ في هذا الكتاب سيرة حياة رجل يبني حياته مثل ممثل ويقوم بصوغ دوره وأدائه على نحو عبقري. وعلى رغم احساسه بالتضامن الإنساني، فقد كان جاحداً، أي يؤمن بالإنسان دونما وهم كبير، ولكن ليرى ان الانسان رافعة الكون. ويكتب جان اوريو أن مثل هذا الرجل جدير بأن نكرس له بضعة أعوام من التنقيب والبحث. وهو اختار بدافع المتعة ان يعيش بصحبة الرجل الأكثر ذكاء والأفضل تهذيباً والأشد رقة بين أصدقائه وضيوفه. والاعوام الستة التي أمضاها أوريو في صحبة فولتير أمتعته وعرف فيها صحبة قد تكون الأفضل عنده على الاطلاق.
ولكن حياة فولتير لم تكن خيّرة كلها بل هي عرفت بعضاً من أفعال الشر وشابتها نواقص لا تحصى. والمؤلف ترك فيما هو يكتب قصة حياة فولتير مكاناً لتلك النواقص والعيوب وأماط عنها اللثام تماماً مثل فضائله، ولكن المؤلف استشهد بفولتير نفسه ليقول ان هناك حوادث كثيرة من حياته فولتير تركها جانبا، لأن «سر التسبب بالملل هو أن تقول كل شيء».
وفي الفقرة الأخيرة من الكشف التاريخي الكرونولوجي لحياة فولتير نقرأ عن 10 شباط 1778: وصول فولتير الى باريس، قراءته مذكرات سان سيمون، مشاركته في جلسة في الاكاديمية الفرنسية، لقاء مع ديدرو. لكن في 11 أيار من العام نفسه: فولتير طريح الفراش. ونهار السبت 30 أيار: وفاة فولتير في عامه الرابع والثمانين ودفنه سراً في دير سيليير الساعة الخامسة صباحاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى