المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتةاقتصاد

صندوق النقد: فاتورة الدعم ضخمة.. وتفيد الميسورين

أعدّت بعثة صندوق النقد الدولي بياناً ختامياً بعد زيارتها لدولة الكويت خلال الفترة 31 أكتوبر – 13 نوفمبر 2017، يتضمّن الاستنتاجات الأولية لتقرير سيُعَد في وقتٍ لاحق لمناقشته من قِبَل المجلس التنفيذي للصندوق في إطار المشاورات الدورية مع دولة الكويت لعام 2017 بموجب المادة الرابعة من اتفاقية إنشاء الصندوق( ). ويتناول البيان الختامي ثلاثة محاور رئيسية، تشمل التطورات المالية العامة والمالية الكلية الراهنة في دولة الكويت، وتوقّعات المالية العامة والمالية الكلية والمخاطر التي تواجه تلك التوقعات، ومناقشة السياسات، وفي ما يلي عرض موجز لمحتويات البيان. كما أرسلته وزارة المالية أمس.

أولاً – تطورات المالية العامة والمالية الكلية الراهنة

1 – ارتفاع متواضع في نمو القطاعات غير النفطية خلال العامين الماضيين، معدلات معتدلة للتضخم السنوي، حيث تعافى معدل النمو في الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات غير النفطية بعد الفتور في عام 2015، ومن المتوقع أن يصل إلى نحو %2.5 في عام 2017 مقارنةً بنحو %2.0 في عام 2016 مدفوعًا بتحسن الثقة. وإجمالاً، فإن انخفاض إنتاج النفط بنحو %6 ليعكس التزام دولة الكويت باتفاق تخفيض حصص الإنتاج لدول منظمة الأقطار المُصدّرة للنفط «أوبك»، سيؤدي إلى أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي انكماشًا في عام 2017 بنحو %2.5 مقارنةً بنمو بنحو %2.2 في عام 2016. ومن جهةٍ أخرى، وبالرغم من تأثير ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وأسعار المياه، فإن معدلات التضخم بقيت في مسار سيؤدي إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات عدة لتصل إلى نحو %1.75 في عام 2017 مدفوعة بانخفاض إيجارات المساكن والتطورات المواتية لأسعار المواد الغذائية. وعلى صعيد الحساب الجاري لميزان المدفوعات، فقد سجل في عام 2016 أول عجز له منذ سنوات عديدة وبنحو 5 مليارات دولار أميركي أو ما نسبته نحو %4.5 من الناتج المحلي الإجمالي مدفوعًا بانخفاض أسعار النفط. ومن المتوقع أن يتحسن وضع الحساب الجاري مع انتعاش أسعار النفط ليصل إلى وضع متوازن على نطاق واسع هذا العام.
2 – تحسّن وضع المالية العامة لدولة الكويت على خلفية ضبط الإنفاق العام، ولكن الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة لا تزال ضخمة، حيث تحسّن وضع العجز غير النفطي للموازنة العامة في العام الماضي، مما يعكس المزيد من الجهود الحكومية الرامية إلى تقليص الإنفاق الجاري، بالإضافة إلى أثر تخفيض دعم الطاقة (بنحو ملياري دينار). وستؤدي هذه الجهود إلى تقليص الإنفاق الجاري بنحو 3.25 مليارات دينار على مدى العامين القادمين. وشهدت الموازنة العامة في السنة المالية 2017/2016 (باستبعاد دخل الاستثمارات الحكومية، وبحساب مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة) عجزًا كبيرًا للسنة الثانية على التوالي يعادل نحو %17.5 من الناتج المحلي الإجمالي. وقد غطت الحكومة الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة من خلال السحب من أصول صندوق الاحتياطي العام، والاقتراض المحلي، والبدء الناجح ببيع السندات السيادية الدولية.
3 – بقاء القطاع المصرفي متيناً، وتباطؤ طفيف في النمو الائتماني وفقا لبيانات الربع الثاني من عام 2017، سجلت الكفاية الرأسمالية للبنوك معدلات مرتفعة وصلت إلى نحو %18.3، ومعدلات ربحية قوية مقاسةً بالعائد على الأصول وصلت إلى نحو %1.1، كما شهدت نسبة القروض غير المنتظمة انخفاضًا لتصل إلى نحو %2.4، وارتفعت نسبة تغطية المخصصات للقروض غير المنتظمة إلى نحو %200. وعلى صعيد محفظة الودائع، فقد تباطأ نمو ودائع القطاع الخاص في السنوات الأخيرة، وقابله جزئياً ارتفاع في ودائع الحكومة، كما قامت بعض البنوك بزيادة التمويل من الأسواق الدولية. وبينما تباطأت معدلات النمو السنوية للتسهيلات الائتمانية المقدمة إلى القطاع الخاص منذ يوليو 2016، فإن الاتجاه الأساسي (وذلك بعد سداد قرض كبير لمرة واحدة) لذلك النمو بقي أعلى من نحو %5.5، وبقيت السيولة لدى البنوك وفيرة. وعلى مدى العامين الماضيين، رفع بنك الكويت المركزي سعر الفائدة الرسمي (سعر الخصم) تزامنا مع الاحتياطي الفدرالي الأميركي – باستثناء قرار لجنة السوق المفتوحة الفدرالية بالرفع بعد اجتماعها في يونيو 2017 – حين عمد البنك المركزي لتعديل أسعار الفائدة على أدواته الأخرى بخلاف سعر الخصم، وقد ارتفعت أسعار الفائدة في سوق ما بين البنوك «إنتربنك»، وارتفعت بدرجة أقل أسعار الفائدة على القروض.
4 – أداء مختلط للقطاعات التي تنكشف عليها البنوك بدرجة كبيرة. فقد شهد نشاط قطاع العقار تباطؤاً كبيراً على مدى السنوات القليلة الماضية، مما أدى إلى ارتفاع طفيف في القروض غير المنتظمة NPL’s الممنوحة لوحدات هذا القطاع. وكان النمو في التسهيلات الائتمانية المقدمة لقطاع العقار مدفوع أساساً بالقروض المقسطة المضمونة بالراتب، والتي لها سجل مخاطر أقل. ومن جهةٍ أخرى، فقد شهد سوق الأسهم انتعاشاً منذ وقتٍ مبكّرٍ في عام 2016، لكنها استمرت شديدة التقلّب. وشهد انكشاف البنوك على شركات الاستثمار انخفاضاً ليصل إلى نحو %2 من إجمالي القروض.

ثانياً – توقعات المالية العامة والمالية الكلية والمخاطر
5 – من المتوقع أن تكون آفاق المالية العامة الكلية المتوسطة الأجل مواتية بوجه عام، على الرغم من بقاء الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة كبيرة.
• من المتوقع ارتفاع النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقیقي علی المدى المتوسط. فالتحسّن في تنفيذ المشاريع في إطار الخطة الإنمائية الخمسية، وتحسّن الثقة سيدعمان الانتعاش التدريجي في نمو الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات غير النفطية ليصل إلى نحو %4. ومن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الحقيقي للقطاع النفطي إلى نحو %4.5 في 2018، مع انتهاء اتفاق تخفيض حصص الإنتاج لدول منظمة الأقطار المُصدّرة للنفط «أوبك» (حسب الافتراض الأساسي للبعثة)، والتوسع في الإنتاج النفطي تدريجياً بعد ذلك تمشياً مع خطط الاستثمار في هذا القطاع. كذلك من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم السنوي إلى نحو %2.5 في عام 2018، وأن يصل إلى نحو %3.75 في عام 2019 مدفوعاً بإدخال ضرائب جديدة (ضريبة القيمة المضافة)، ويستقر بعد ذلك عند مستويات تقل عن %3.2. كما أن الانتعاش التدريجي في إنتاج النفط وأسعاره سيحافظان على توازن الحساب الجاري لميزان المدفوعات على نطاق واسع خلال فترة التوقعات.
• من المتوقع بقاء الوضع الكلي للمالية العامة قريباً من الوضع التوازني. فعلى الرغم من الارتفاع الأخير في أسعار النفط، يفترض السيناريو الأساسي أن تتراوح أسعار النفط عند نحو 49 دولاراً للبرميل خلال السنوات 2017 ـــ 2019، وتزداد لتصل إلى نحو 52 دولاراً للبرميل على المدى المتوسط، بما يتفق عموماً مع أسواق العقود الآجلة. كما يأخذ هذا السيناريو بالاعتبار الأثر المالي لإدخال ضريبة القيمة المضافة VAT، والرسوم على التبغ والمشروبات السكرية، وبعض الزيادات في أسعار الخدمات الحكومية، والالتزام الكامل لمدة ثلاث سنوات بسقف الإنفاق العام الذي تم الإعلان عنه مؤخراً.
• مع ذلك، يبقى إجمالي الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة كبيرا. وبموجب السيناريو الأساسي، فإن الموازنة العامة (شاملةً مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة وباستبعاد دخل الاستثمارات الحكومية) ستُسجل عجزا ماليا سنويا بنحو %15 من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المالية الخمس القادمة، وينتج عن ذلك العجز احتياجات تمويلية تراكمية إجمالية بنحو 100 مليار دولار أميركي (أي نحو 30 مليار دينار)، وستستمر تغطية هذا العجز من خلال إصدارات محدودة من الاقتراض المحلي، والاقتراض الخارجي، والسحب من أصول صندوق الاحتياطي العام. وبالرغم من أن السيناريو الأساسي سيؤدي إلى تراجع رصيد المصدات المالية الذي توفره أصول صندوق الاحتياطي العام المتاحة، فإن إجمالي الأصول الأجنبية التي تُديرها الهيئة العامة للاستثمار ستواصل الزيادة بالقيمة الاسمية.
• ستكون هذه التطورات مواتية بشكل عام للاستقرار المالي ونمو الائتمان، بالرغم من وجود مخاطر سلبية على جودة الأصول. إلاّ أن مصدات امتصاص الخسائر لدى البنوك مرتفعة، وسيولة القطاع المصرفي وفيرة.
6 – لا تزال دولة الكويت معرضة لعدد من المخاطر المحتملة الداخلية والخارجية. حيث يُمكن أن يؤدي انخفاض أسعار النفط على المدى المتوسط إلى زيادة العجز واحتياجات التمويل، مما يجعل الحكومة عُرضةً للتحولات في توجهات أسواق المال العالمية. وفي حال تراجع إقبال المستثمرين على سندات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يُمكن أن تواجه دولة الكويت في هذه البيئة المفاضلة بين إصدار المزيد من الديون المحلية، التي تؤدي إلى مزاحمة الائتمان المقدم للقطاع الخاص، أو السماح للمصدات المالية المتوفرة بالانخفاض. ومع ذلك إذا ما استمر الارتفاع الأخير في أسعار النفط فإنه يشكل مخاطر على الرغم من أن ذلك قد يقابله انخفاض في الإنتاج عما هو مفترض حالياً بموجب اتفاق منظمة «أوبك» في حال تم تمديده. كما أن المخاطر الأمنية المتزايدة في المنطقة والبيئة الجيوسياسية المتقلّبة يُمكن أن تؤثر أيضًا في الثقة والاستثمار والنمو. وقد تؤدي الظروف المالية العالمية الأكثر تشددا، في ظل تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة الأميركية، إلى زيادة تكاليف التمويل والمخاطر بالنسبة لكل من الدول والبنوك.
وعلى الصعيد المحلي، تتمثل المخاطر الرئيسية في احتمال تأخير الإصلاحات وتنفيذ المشاريع الذي يُمكن أن يترتب عليه نمو أقل وعجز مالي أكبر.
7 ــــ مكاسب النمو المحتملة كبيرة من الإصلاحات المالية والهيكلية. ففي حين أن التكيّف المالي قد يُضعف آفاق النمو غير النفطي على المدى القصير، إلاّ أن توجيه الإنفاق العام نحو الاستثمار المعزِّز للنمو، والإنفاق الحكومي الأكثر فاعلية، ومكاسب الثقة ذات الصلة، سيعود بالنمو في الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات غير النفطية إلى نحو %4 بحلول عام 2022. وعلى المدى الطويل، يُمكن للإصلاحات الهيكلية أن ترفع النمو في الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات غير النفطية إلى ما يفوق %5 من خلال تعزيز الاستثمار وزيادة نمو الإنتاجية. ويقدر السيناريو التوضيحي للبعثة أن التصحيح المالي والإصلاحات الهيكلية المقترحة أدناه قد يؤديان بعد 10 سنوات إلى رفع قيمة الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات غير النفطية بنسبة تتراوح بين %5 و%10 فوق قيمته ضمن السيناريو الأساسي، وستؤدي تلك الاصلاحات إلى تنويع اقتصادي أكبر.

ثالثًا: مناقشة السياسات
أ ــــ المحافظة على استدامة المالية العامة على المدى الطويل
8 ــــ ترحب البعثة بإصلاحات المالية العامة المُخطط لها وتُشجّع خطوات مبكرة للحد من مخاطر التنفيذ: ترشيد الإنفاق العام، مع تعزيز إدارة المالية العامة. ترى البعثة مجالاً لتحقيق وفورات كبيرة في الإنفاق العام بعد الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام خلال فترة أسعار النفط المرتفعة. وتنظر السلطات الكويتية في قائمة شاملة من الخيارات الممكنة لتحقيق سقوف الإنفاق العام المُقررة حديثًا، بما في ذلك تشديد الضوابط على التحويلات، والحد من جوانب القصور في النفقات الجارية والرأسمالية، ومراقبة نمو فاتورة الأجور والمرتبات، وتحسين عمليات الشراء الحكومية، إضافة إلى استمرار الجهود الحكومية الرقابية الرامية إلى تعزيز الضوابط على الإنفاق العام التي تُساعد على الحد من مخاطر التنفيذ وتصبح تلك السقوف القصوى أكثر إلزاماً بمرور الوقت. كذلك من شأن الإصلاحات الرامية إلى تحسين فاعلية التنفيذ أن تتيح تغيير ترتيب أولويات الإنفاق العام.
• تنويع قاعدة الإيرادات العامة، مع تعزيز الإدارة الضريبية. لبناء قاعدة أوسع للإيرادات غير النفطية من المهم إدخال ضرائب جديدة وخطط لإعادة تسعير الخدمات الحكومية، وذلك في ظل القابلية المرتفعة جدًا للإيرادات العامة للتأثر بتقلبات أسعار النفط. وتشجع البعثة السلطات على التعجيل بالعمل التحضيري لتجنب التأخير في التنفيذ. أخذًا في الاعتبار تعقّد واتساع نطاق كل من ضريبة القيمة المضافة وإصلاحات الرسوم، مع أهمية اقتران تلك الإصلاحات ببذل جهود لبناء القدرات على إدارة شؤون الضرائب من أجل تعظيم أثر تلك التدابير على الإيرادات العامة.
9 – الحاجة إلى المزيد من الجهود الطموحة لجعل الموازنة العامة أقرب إلى المستويات التي تنطوي عليها اعتبارات الإنصاف بين الأجيال. ووفقًا لتقديرات البعثة، سيكون عجز (فجوة) الموازنة العامة غير النفطي أعلى من الرصيد الذي يتّسق مع اعتبارات الإنصاف بين الأجيال في مجال المحافظة على المستويات المعيشية المرتفعة، وتقدر تلك الفجوة بنحو %18 من الناتج المحلي غير النفطي بحلول عام 2022. ولذلك هناك حاجة لمزيد من الإصلاحات لتقليص هذه الفجوة لضبط أوضاع المالية العامة، وتقليل الاحتياجات التمويلية، والمحافظة على المصدات المالية السائلة، والحد من الزيادة المتوقعة في المديونية الحكومية. ويشير تقييم البعثة للقطاع الخارجي إلى وجود فجوة معتدلة في الحساب الجاري يمكن تغطية الجزء الأكبر منها عن طريق توجيه رصيد الموازنة العامة إلى مستويات متسقة مع اعتبارات الإنصاف بين الأجيال.
10 ـ توصي البعثة في بيانها الختامي بإصلاحات إضافية متدرجة لسد الفجوة تسمح بتحقيق اعتبارات الإنصاف بين الأجيال خلال عشر سنوات. تتيح المصدات المالية الكبيرة وانخفاض الدين العام حيّزًا ماليًا ضروريًا لتنفيذ الإصلاحات اللازمة بوتيرة محسوبة للتخفيف من التأثير السلبي المحتمل على النشاط الاقتصادي في المدى القصير. ويستلزم ذلك تقليص عجز الموازنة العامة (بعد استقطاع مخصصات صندوق الأجيال القادمة واستبعاد دخل الاستثمارات) من نحو %17.5 من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 16/2017 إلى نحو %9 بحلول عام 2022.
11 ـ بالرغم من أن التدابير الأخرى لتنويع الإيرادات العامة ستساعد على تحقيق هذا الهدف، إلاّ أن الجزء الأكبر من الجهد الإضافي يأتي من تقليص الإنفاق الجاري، حيث تدعم البعثة أهدافًا أكثر طموحًا لإعادة تسعير الخدمات الحكومية. وسيساعد الإصلاح الذي يهدف إلى توسيع قاعدة
ضريبة دخل الشركات لتشمل جميع الشركات العاملة في دولة الكويت على تعزيز الإيرادات غير النفطية مع تحقيق تكافؤ الفرص، والقيام بالإصلاحات الهيكلية للموازنة العامة لمعالجة الجمود في الإنفاق الجاري والحد من الهدر. كما أن الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام على مدى العقد الماضي جاءت مدفوعةً بزيادة الإنفاق الجاري وجموده ولا سيما فاتورة الأجور والمرتبات، ودعم الطاقة والتحويلات إلى الأسر والشركات.
12 – السيطرة على فاتورة الأجور والمرتبات أمر بالغ الأهمية لتعزيز التكيّف المالي ونمو القطاع الخاص وخلق فرص عمل. فينبغي على السلطات الكويتية أن تبني على التدابير التي حددتها لترشيد البدلات والعلاوات، وتنفيذ إصلاح شامل للمرتبات والأجور يرمي إلى تبسيط وانسجام هيكل المرتبات والأجور وتعزيز التعويضات القائمة على المهارات المتكافئة، وإعادة تنظيم التعويضات في القطاعين العام والخاص لتعزيز الاتساق بينهما. كما أن هذه الإجراءات لن تولّد وفورات مالية فحسب، بل ستُساعد في تعزيز الحافز لدى المواطنين على النظر في فرص العمل في القطاع الخاص، ودعم القدرة التنافسية للقطاع الخاص، وتسهيل تنويع الاقتصاد على نحو يعظّم مشاركة المواطنين. إن الحد من نمو التوظيف في القطاع العام ينبغي أن يكون جزءا من إصلاحات أوسع للقطاع العام مصحوبة بجهود لتعزيز فرص العمل في القطاع الخاص وتشجيع المبادرات لدى الشباب.
13 – خفض الدعم – بما في ذلك أسعار المشتقات النفطية – والتحويلات، يُمثّل مصدرا رئيسيا محتملا لمكاسب الكفاءة والادخار، حيث اتخذت الحكومة الكويتية خطوات أولية مهمة على مدى العامين الماضيين برفع أسعار المشتقات النفطية وإعادة تسعير الخدمات الحكومية، وترشيد الدعم والتحويلات الأخرى، بما في ذلك مصاريف العلاج الطبي في الخارج. ومع ذلك، تبقى فاتورة إجمالي الدعم والتحويلات ضخمة. وبالإضافة الى تكاليفها المرتفعة فإن الدعم والتحويلات غير الموجهة تؤدي إلى المبالغة في الاستهلاك والتخصيص غير الكفؤ للموارد، وتفيد الموسرين أكثر من المحتاجين. كما أن وضع استراتيجية توعوية مصممة بشكلٍ جيد سيُساعد في بناء توافق في الآراء بشأن هذه الإصلاحات، بحيث يتم تسليط الضوء على التكاليف والاختلالات الناتجة عن الدعوم والتحويلات. إلى جانب ذلك، فإن التدابير التعويضية الممكنة للأكثر عرضةً للتأثر سلباً بتلك الإصلاحات ستساعد في بناء توافق على تلك الإصلاحات.
14 – الإصلاحات الإضافية تخلق حيزاً لمزيد من الإنفاق العام المُعزز للنمو الاقتصادي. فإعادة توازن تركيبة الإنفاق العام مع التوجّه نحو الإنفاق الرأسمالي أمر مهم لتحسين البنية التحتية، وتشجيع مكاسب الإنتاجية، ودعم النمو على المدى الطويل. كما ينبغي أن يُستكمَل ذلك بإصلاحات في إدارة الاستثمارات العامة تستهدف تحسين اختيار المشاريع وتنفيذها، بما في ذلك تعزيز التنسيق بين مختلف أصحاب المصلحة والتنفيذ الفعال لأُطُر مكافحة الفساد.
15 – أشادت البعثة بالتقدّم المُحرَز من قِبل السلطات الكويتية نحو وضع إطار مالي متوسط الأجل، حيث رحّبت بالجهود الجارية لتعزيز تخطيط الموازنة العامة، بما في ذلك الانتقال من الميزانيات السنوية إلى الميزانيات المتوسطة الأجل، والتخطيط لإدخال سقوف للإنفاق العام في الأجل المتوسط. وفي هذا السياق، فإن البعثة تؤكد أهمية تطوير نهج إعداد الميزانية من أعلى إلى أسفل، بما في ذلك ربط سقوف الإنفاق العام بالهدف الشامل لسياسة المالية العامة طويلة الأجل (على سبيل المثال، تحقيق اعتبارات الإنصاف بين الأجيال) ووضع مسار ثابت لتحقيق هدف وسيط من شأنه المساعدة في فصل الإنفاق العام عن تقلّبات الإيرادات النفطية. وينبغي أن ينظر تخطيط الموازنة العامة متوسط الأجل أيضاً في المخاطر المالية الناشئة عن العجوزات الاكتوارية المحتملة لصناديق التقاعد، وتعزيز التنسيق مع المؤسسات المشاركة في تنفيذ الخطة الإنمائية.
16 – أيّدت البعثة في بيانها الختامي النهج المتوازن، الذي تتبعه السلطات الكويتية في تمويل عجز الموازنة العامة، وتعزيز الأطر المؤسسية والقانونية ذات الصلة. وبغية مواصلة تحويل المخصصات لصندوق احتياطي الأجيال القادمة، في الوقت الذي يتم فيه إصلاح وضع الموازنة العامة، تتكون استراتيجية تمويل ذلك العجز من الاقتراض المحلي المحدود لتجنب مزاحمة الائتمان المقدم للقطاع الخاص، وإصدار السندات الدولية، والسحب من صندوق الاحتياطي العام. ويسمح ذلك للحكومة بالحفاظ على مصدات مالية لمواجهة الصدمات، مع الاستفادة من شروط الاقتراض المواتية وعوائد أعلى نسبيًا على أصول صندوق احتياطي الأجيال القادمة. كما رحّبت البعثة بالجهود التي تبذلها السلطات الكويتية لمعالجة العقبات القانونية لرفع سقف وأجل قدرة الحكومة على الاقتراض وإصدار سندات وصكوك أطول أجلاً. كما أن إطلاق مزادات للدين المحلي يسمح باكتشاف الأسعار وتطوير أسواق ثانوية من شأنه أن يساعد في تطوير سوق لسندات الشركات وإدارة السيولة.
17 ــ تَعتبِر البعثة أن سياسة ربط سعر صرف الدينار بسلة «غير معلنة» من العملات سياسة ملائمة للاقتصاد الكويتي، وتقدّم دعامة فعّالة للاستقرار النقدي. ويلتزم بنك الكويت المركزي بالكامل بنظام سعر الصرف، ويستخدم مختلف أدوات السياسة النقدية للمحافظة على أسعار فائدة قصيرة الأجل على الدينار الكويتي تفوق أسعار الفائدة على الدولار الأميركي. وأشارت البعثة إلى أنه على المدى الطويل، ومع زيادة تنويع الاقتصاد، فإن منافع زيادة مرونة سعر الصرف قد تزداد.

ب ــ حماية الاستقرار المالي
18ــ يخضع النظام المصرفي للتنظيم الحصيف، كما أن بنك الكويت المركزي كان سبّاقاً Proactive في تعزيز الإشراف والرقابة التنظيمية، حيث تعمل البنوك وفقاً لضوابط بازل 3 لرأس المال والسيولة والرفع المالي. كما يُطبّق بنك الكويت المركزي مجموعة شاملة من التدابير التحوطية الكلية للحد من المخاطر النظامية. وترحّب البعثة بالعمل المتواصل الذي يقوم به بنك الكويت المركزي لمراجعة نطاق سياسته التحوطية الكلية ومراجعة أدواتها، للمحافظة على التوازن بين استباق تراكم المخاطر وتضييق نمو الائتمان. ويلاحظ أن إنشاء لجنة للاستقرار المالي تضم جميع أصحاب المصلحة المعنيين سيُساعد في هذا الشأن. وتتميز البنوك بالقدرة على التكيف مع مختلف سيناريوهات اختبارات الضغط، بما في ذلك صدمات تطول الائتمان والسيولة والسوق. وترحب البعثة بالمبادرات الجارية لتحديد الضغوط الناشئة، كما توصي البعثة بنك الكويت المركزي بإجراء اختبارات الضغط العكسية كأداة تكميلية.
19 ــ إن توافر بيئة للسيولة الوفيرة يُعتبر فرصة لتعزيز إطار إدارة السيولة. مع حداثة تطبيق معايير السيولة في بازل 3، تتفق البعثة مع سياسة بنك الكويت المركزي الحصيفة للمحافظة على متطلبات السيولة الخمسة الحالية، وتشجع على إجراء عمليات إعادة تقييم دورية للمحافظة على توازن مناسب بين التنظيم السليم وتكاليف الالتزام. وفيما يتعلق بإدارة السيولة النظامية، فإن تعزيز إطار إدارة بنك الكويت المركزي للسيولة من خلال توسيع نطاق تقييمه لظروف السيولة في المدى غير القصير عن طريق التنبؤ، من شأنه أن يُساعد على توقع الضغوط النظامية المحتملة. كما أشار البيان الختامي إلى أهمية وجود اتفاق رسمي لتوفير المعلومات من الكيانات الأخرى ذات الصلة، مما سيُساعد بنك الكويت المركزي في هذا الشأن.
20 ــ لتعزيز مرونة القطاع المالي، يقوم بنك الكويت المركزي بتقييم خيارات تعزيز إدارة الأزمات وأطر التسوية. فينبغي أن تركز الجهود على تعزيز إطار الإجراءات التصحيحية القائمة، وإنشاء
نظام خاص لتسوية أوضاع البنوك، وتعزيز إطار المساعدة في السيولة الطارئة، وتخطيط استرداد الأموال، وإصلاح الضمان الشامل الحالي للودائع. ومن شأن الإصلاحات في هذه المجالات أن تعزز نظام منسّق لتسوية أوضاع البنوك في الانضباط في السوق، وتساعد على حماية الموارد المالية، كما أن إضفاء الطابع الرسمي على الترتيبات بين الهيئات التنظيمية الرئيسية يُساعد على تحسين الاستعداد للأزمات.
21 ــــ إن بيئة الموازنة العامة الأكثر تشددًا تزيد الحاجة إلى الإصلاحات الهيكلية التي تعزز تنمية القطاع الخاص، والتنويع الاقتصادي، وخلق فرص العمل. ويتطلب التحول من نموذج النمو المستنِد على القطاع العام إلى نموذج يقوده القطاع الخاص إيجاد حوافز للإقدام وريادة الأعمال، وتعزيز الإنتاجية والقدرة التنافسية، وتشجيع المبادرات الخاصة والاستثمار.

تحسين تسعير مخاطر المشروعات الصغيرة

قال صندوق النقد إن التجديد الجاري في الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة سيساعد في توليد فرص العمل، كونه لا يسعى فقط إلى تعزيز فرص حصول المشاريع التجارية الصغيرة على التمويل، وإنما يهدف أيضًا إلى تدريب أصحاب المشاريع وتشجيع اندماج الشركات الصغيرة والمتوسطة على نحو أفضل في سلاسل التوريد. وأوضح ان المشاركة في رأس المال يمكن أن تكون الأكثر ملاءمةً لتمويل أنواع معينة من الشركات، ما سيوفّر ضمانات لحماية الموارد العامة. وتوصي البعثة بزيادة مرونة الحد الأقصى لأسعار الفائدة للسماح للبنوك بتحسين تسعير المخاطر التي تنطوي عليها المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتشجيع القروض المصرفية لهذا القطاع.

إصلاحات سوق العمل

قال صندوق النقد إن معالجة أوجه الخلل في كفاءة سوق العمل أمر بالغ الأهمية. وبالنظر إلى محدودية فرص العمل الجديدة في القطاع العام في المستقبل، فإن إصلاحات سوق العمل والخدمة المدنية ينبغي أن تشجع على خلق وظائف للمواطنين في القطاع الخاص والبحث عنها، كما يتطلب ذلك تحسين مواءمة الأجور والمزايا في القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى الإصلاحات التعليمية الجارية لمعالجة أوجه عدم التوافق في المهارات، وتشجيع شركات القطاع الخاص على توظيف المواطنين.

التخصيص والشراكات

لفت صندوق النقد إلى أنه بالرغم من إحراز تقدم في بناء أطر قانونية ومؤسسية أقوى في السنوات الأخيرة، إلاّ أن عمليات التخصيص والشراكات بين القطاعين العام والخاص لم تكتسب زخمًا بعد. وتشجع بعثة الصندوق السلطات الكويتية على التعجيل بتنفيذ عمليات التخصيص المقررة والشراكات بين القطاعين العام والخاص على أن تنفذ بشكل شفاف وتنافسي. وينبغي مراجعة الترتيبات القائمة لتحديد ومعالجة العقبات، والاهتمام للحد من التكاليف الخفية والالتزامات الطارئة للحكومة.

تحسين بيئة الأعمال

فيما يخص تحسين بيئة الأعمال، تُشجع بعثة صندوق النقد التقدم المحرز في تبسيط التسجيل والترخيص وتخفيف القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي المباشر، كذلك من الضروري بذل مواصلة الجهود بما في ذلك تخفيف عبء الامتثال الجمركي وتخفيف الحواجز التجارية للمساعدة على زيادة انسيابية التجارة بين الكويت وشركائها وخفض التكاليف. وأشار البيان إلى أن الحصول على الأراضي يُشكّل عقبة أمام الاستثمار. كما أشارت البعثة إلى أن زيادة الاعتماد على التعامل الإلكتروني من شأنه أن يُسهّل الإجراءات الإدارية اللازمة لتعزيز فرص وتنافسية القطاع الخاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى