المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

غرائب و منوعات

علم النفس الإيجابي الطريق إلى الحياة الطيبة “عقول إيجابيّة” اول نادي سعودي يضم اختصاصيين في علم النفس الإيجابي

د. وسيلة محمود الحلبي

“أنه العلم الذي يدرس ما يجعل الحياة تستحق أن تُعاش”، بهذه العبارة بدأت حديثها معنا ضيفتنا المدربة تمارا قزاز، اخصائية علم النفس الإيجابي، والخبيرة في مجالات جودة الحياة والتعليم وعلم النفس، في معرض حديثها عن ذلك المصطلح النفسي الجديد؛ علم النفس الايجابي، وقالت أنه العلم الذي يدرس أوجه النمو والازدهار في التجربة الإنسانية بهدف تمكين الأفراد والمجتمعات والمؤسسات من تحقيق إمكانياتها ومن الوصول لحياة صحية وإيجابيّة.
وأضافت المدربة قزاز: “أن علم النفس الإيجابي ليس مفهوماً حديثاً كما يعتقد الكثيرون، ويمكن أن نرصد بداياته في الفلسفة اليونانية القديمة التي ركّزت على مفهوم السعادة البشريّة وربطتها بإتباع الفضائل ثم منظور أرسطو الذي تلخّص في مفهوم الإيدومونيا (Eudemonia) والتي يمكن أن نختصره بأنه تحقيق التوازن المثالي بين السعادة والخير، وصولاً الى خمسينيات القرن الماضي، حيث نجد التركيز على الإيجابية في نظريّات كبار روّاد علم النفس الإنساني مثل ابراهام ماسلو، صاحب نظريّة “هرم ماسلو” الشهير، الذي يصوّر الاحتياجات الإنسانية على شكل هرم ويتصدر مفهوم (تحقيق الذات (self-actualization أعلى الهرم”.
واستطردت المدربة قزاز: “إن صياغة علم النفس الإيجابي بالشكل الحالي تمّ في 1998 على يد عالم النفس الشهير مارتين إي بي سيلغمان الذي قاد حركة علمية لتشجيع علماء النفس على محاولة الإسهام في دراسة الأبعاد والجوانب الإيجابية للحياة، بدلاً من التركيز الشديد على الجوانب السلبية للخبرة الإنسانية مثل الأمراض والاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب والضغوط الخ”.
مفهوم أوسع
وفي معرض حديثها عن الفرق بين علم النفس الإيجابي والتقليدي قالت تمارا قزاز: ” إن علم النفس الإيجابي في الواقع يوسّع من مفهوم علم النفس الذي كان محصوراً في دراسة وعلاج المرضى النفسيين، ليصبح اليوم أداة فعّالة في يد الفرد العادي الذي قد لا يعاني من اضطرابات نفسيّة ملحّة لكن يحتاج للعون ليحسّن ويطّور من نفسه ويسهم في مجتمعه بما يحقق له السعادة، علم النفس الإيجابي، وهو بذلك توجه مكمّل لعلم النفس بمفهومه الأوسع وليس معاكساً له أو بديلاً عنه، لكن الفرق الرئيسي يكمن في أن علم النفس التقليدي يركّز على الأمراض والاضطرابات النفسية وأساليب علاجها، بينما يركز علم النفس الإيجابي على أوجه القوة والعافيّة الكامنة في الأفراد والمجتمعات وكيف يمكن أن نسهم في تحسينها وتطويرها لنصل للحد الأقصى من السعادة وتحقيق الذات”.
أوجه شبه
ولا تنفي ضيفتننا وجه الشبه بين التنمية البشرية وعلم النفس الإيجابي وتضيف: “أوجه التشابه بينهم كبيرة، لكن تعتمد التنمية البشرية على دراسة تجارب التغيير والنجاح الفرديّة واستلهامها واستخلاص أدوات ومهارات لتطوير الذات وتغييرها نحو الأفضل، بينما علم النفس الإيجابي علم منظّم يخضع للبحث والتدقيق والاختبار، مثله مثل باقي العلوم الاجتماعية، ويستند إلى نظريّات علميّة محكمة وتجارب معمليّة موضوعية قد تستمر لأشهر وسنين، للتوصل الى نظريّة واحدة”.
ثلاثة أعمدة
وحول الآثار التي يتركها علم النفس الإيجابي على الفرد والاسرة والمجتمع تكشف تمارا قزاز قائلة: “يستند علم النفس الإيجابي على ثلاثة اهتمامات مركزيّة، وهي: دراسة التجارب الإيجابية؛ مثل السعادة والفرح والإلهام والحب والرضا والأمل الخ، تليها دراسة الحالات والسمات الإيجابية؛ مثل الامتنان والإبداع والمرونة والرحمة والتعاطف وضبط النفس الخ، وإنتهاءاً بدراسة الصفات المؤسسيّة الإيجابيّة والتي يقصد بها المبادئ والقيم الإيجابيّة التي تعزّز من بناء المجتمعات مثل العدل والنزاهة والتسامح والمسؤولية الاجتماعية وأخلاقيات القيادة والعمل الجماعي الخ”.
عناصر الرفاهية
وتستطرد ضيفتنا أن هذه المستويات الثلاثة تهدف إلى تحقيق عناصر الرفاهية الخمسة التي يتشكّل منها نموذجPERMA النظريّ الذي وضعه سيلغمان وهي: المشاعر الإيجابية (القدرة على التفاؤل ومواجهة الحياة من منظور إيجابي)، والاندماج (الاستغراق في أنشطة تغذي الشغف لدى الإنسان)، والعلاقات الاجتماعية (التواصل البشري الذي يوفّر الحب والألفة والدعم)، والمعنى (الشعور بالوصول للهدف)، والإنجاز (الشعور بالنجاح مهما كان حجم النشاط صغيراً أو كبيراً).
وأجمل ما في نموذج PERMA أنه يمكن تطبيقه بسهولة في اي اطار، على المستوى الذاتي، أو على مستوى الشركات في تعاملها مع الموظفين، وعلى مستوى المؤسسات التعليمية، وعلى مستوى المجتمعات عموماً.
التفكير الإيجابي
وردًا عن سؤال حول مدى مساعدة علم النفس الإيجابي على مواجهة التحديات والانتكاسات والمشاعر السلبيّة مثل خيبات الأمل والإحباط، تجيب تمارا قزاز: “بالعكس تماماً، يعي خبراء الإيجابيّة والسعادة أن تجارب الحياة القاسية تزيد من قوة الإنسان وصلابته، ولكن بمقدورها أيضاً أن تشلّه كذلك إذا تجاوزت حدودًا معينة، وهو ما تثبته نظريّة “العجز المتعلّم”، واحدة من أشهر نظريّات علم النفس، والتي أثارت انتباهنا لظاهرة نفسيّة خطيرة، وهي التكّيف مع العجز واكتسابه بالتعلّم، ويحدث ذلك حين يفشل الإنسان في تجاوز عثرة ما بعد عدد من المحاولات، فيصاب باليأس من المحاولة ويتقبّل وضعه على علاّته. بالتالي يفضي ذلك إلى تعطيل الفاعلية الذاتية وتراجع روح المبادرة والسعي للتغيير، وهذا الموقف السلبيّ هو ما يحاربه علم النفس الإيجابي بحثّه على “التفكير الإيجابي” وخلق “عقليّة إيجابية” في مواجهتها للتحديّات”.
وتؤكد: “لا يعني التفكير الإيجابي التعامي عن المآزق والمشاكل والمعوقات، بل ينطوي على محاولة البحث عن جانب مشرق في كل مأزق لتحقيق أقصى استفادة من المواقف السيئة المحتملة والوصول إلى نتائج إيجابيّة، وهو ما لن يحدث بالتمسك بالتفكير السلبيّ”.
عقول إيجابية
ونختم حديثنا مع ضيفتنا بالتعرف منها على واقع علم النقس الإيجابي في المملكة إذ تقول: ” يعد هذا العلم نوعًا ما حديثًا في المملكة وهناك عدد من السعوديين المختصين في هذا المجال، حيث بدأتُ في المجال قبل نحو 15 عامًا وأقدم عددًا من الدورات وجلسات التدريب للأفراد والمؤسسات والمجتمع، كما اقدم استشارات مع عدد من الشركات، وأدير مجموعة “عقول إيجابية “، وهو نادي خاص ومسجل في منصة هاوي ضمن برامج جودة الحياة، ويجمع المختصين والمهتمين في مجتمع الكوتشنيغ، والتدريب، وعلم النفس، والموارد البشرية، بهدف إثراء وعينا الثقافي وتبادل الخبرات والمعارف، ويعقد النادي إجتماعاته الأسبوعية لمناقشة الكتب في صالون الوراق الثقافي، ونفخر بعضويّة وتواجد بعض من ألمع العقول في السعودية في المجالات المذكورة في نادينا”.
وتفخر تمارا بأن مجموعتها تضمّ بعضاً من ألمع العقول في السعودية في مجالات الكوتشينغ، والتدريب، وعلم النفس، والموارد البشريّة، والذين يجمعهم الطموح بإلهام وتحفيز دوائرهم ومجتمعاتهم لترك بصمة إيجابية على العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى