المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

كيف بدأت النازية في أمريكا؟

في شهر فبراير عام 1939، تجّمع رجال شرطة مدينة نيويورك حول ماديسون سكوير غاردن لحماية حوالي عشرين شخصا من الفاشيين داخل الحديقة، من غضب أكثر من مئة ألف شخص تظاهروا ضدهم في المكان نفسه.
ولم يحدث ان حشدت شرطة المدينة مثل هذا العدد الضخم قبل 11 سبتمبر 2001. ووفقا للمؤرخ أرني بيرنشتاين، فإنه «كان هناك من رجال الشرطة ما يكفي لإخماد ثورة كبرى».
ولم يكن المتعاطفون مع النازيين في الساحة من انصار حركة بوند الألمانية – الأميركية الفاشية يمانعون في إعلان التمرد. فقد كانوا يعتقدون أن جورج واشنطن هو رجل المرحلة، وان الاحتفال بعيد ميلاده يمثل مناسبة لإطلاق الثورة، فقد اعتبروه «الفاشي الأميركي رقم واحد».
وكما حدث في شارلوتسفيل، شجب المتظاهرون الغاضبون دعوات العنصرية والكراهية التي رفعتها القلة من المحتشدين داخل ماديسون سكوير غاردن. ويؤكد بيرنشتاين أن المتظاهرين المناهضين للعنصرية «كانوا كما رأينا في شارلوتسفيل، يمثلون كل أطياف المجتمع الأميركي من الشباب وكبار السن والسود والبيض واليهود واللادينيين والمنتمين لمختلف التيارات السياسية الرئيسية والهامشية». لقد كان مشهدا هائلا، تعرّض فيه بعض أعضاء تلك المجموعة الفاشية إلى الضرب، وحاول بعضهم إخفاء انتمائهم إليها.
لقد أصبحت هذه الرابطة وما بثته من سموم الفاشية في عالم النسيان الآن، بعد أن كان أعضاؤها لاعبين مهمين في الحياة الأميركية آنذاك، كما يقول بيرنشتاين مؤلف كتاب «أمة الصليب المعقوف: فريتز كوهن وقصة صعود وسقوط البوند الألماني – الأميركي».
ويتحدث بيرنشتاين في مقابلة مع هذه الصحيفة عن جذور الحركة الفاشية في الولايات المتحدة، والحركات الموازية لها اليوم، ولماذا يجب على الأميركيين ألا يشعروا باليأس.

• فمن أين بدأت هذه الحركة؟
ــــ ولدت حركة بوند الألمانية – الأميركية من مختلف الفصائل والمجموعات التي ظهرت إلى حيّز الوجود في عشرينات القرن الماضي، عندما تعرض المهاجرون الألمان إلى الولايات المتحدة لمظالم كثيرة.
هذه الجماعات نظرت إلى الوطن الأم، ووجدت في صعود هتلر والاشتراكية الوطنية، مصدر إلهام. فتبنوا زيا يشبه الزي النازي، وبدأوا بالتزاوج من ذوي الأفكار المماثلة وإصدار صحف خاصة بهم، ونظموا المسيرات والأنشطة الأخرى.
وقد قاد حركة بوند، المهاجر من أصول ألمانية فريتز كوهن، الذي أطلق على نفسه لقب «البوندسفهرر»، تيمناً بالزعيم النازي ادزلف هتلر.
• كم كان حجم هذه المجموعة؟
ــــ من غير الممكن تقدير مدى حجم او قوة هذه المجموعة لأنها كانت سرية، ولم يكن هناك نظام جيد لحفظ السجلات. لكن البعض قدّر عدد أعضائها بأنه كان يتراوح بين 15 و20 ألف شخص. لكن هذه الأرقام لا تشمل المتعاطفين معها من غير الأعضاء أو الذين كانوا يقدمون التمويل لها سراً.
ولكن من المهم أن نلاحظ أن الغالبية العظمى من الألمان – الأميركيين لم يكونوا من المؤيدين لهذه الحركة.
• هل كانت هذه حركة هامشية؟
ــــ نعم، ولكن كان صوتها عاليا. كان الأميركيون من الساحل إلى الساحل يعرفون ما ماهية هذه الحركة وماذا تريد. لقد كان لدى فريتز كوهن شعور مبالغ فيه بأهمية الذات وتضخم الأنا، وكان يحب أضواء الإعلام.
• كيف كانت ردة فعل الزعماء الأميركيين؟
ــــ تصدى القادة السياسيون الأميركيون لهذه الحركة. وكان أبرز هؤلاء، فيوريلو لاغوارديا، رئيس بلدية نيويورك والنائب العم فيها، توماس ديوي، الذي أصبح فيما بعد حاكما لولاية نيويورك وترشّح لمنصب رئيس الولايات المتحدة.
إن تمتع أعضاء هذه المجموعة بحق الحفاظ على السرية جعل من الصعب معرفة كل التفاصيل عنها. لكن أجهزة الأمن تمكنت من كشف النقاب عن مغامرات رومانسية كثيرة لكوهن خارج نطاق الزوجية، تلك المغامرات التي كان يموّلها من صندوق المجموعة. وانتهى به المطاف إلى السجن بتهمة الاختلاس.
• من دان بالولاء لهذه المجموعة؟
ــــ الذين انتموا الى حركة البوند كانوا مجموعة من الناس ذوي الطباع الغريبة والذين يشعرون باليأس. وقد شن مكتب التحقيقات الفدرالي حملة شرسة ضدهم حتى ضمت ملفاته أكثر من ثلاثة آلاف صفحة عن صفحة حول كوهن والبوند.
الكاتب البارز والتر وينشيل استهدفهم في عموده وفي برنامجه الإذاعي. وفي الواقع، كان واحدا من أبرز مهاجميهم وسخر من زعيمهم، كوهن.
وكان كوهن يكّن الكراهية لوينشيل وقال عندما تولى رئاسة البوند انه يتمنى لو يعلقه من أعلى مبنى نادي ستورك الذي يحبه، في مدينة نيويور! وفي إحدى المناسبات السيئة السمعة، تسللت مجموعة من الأعضاء اليهود من حزب العمال إلى قاعة اجتماعات بوند، وعندما حاولوا تعطيل الاجتماع داخل القاعة، اندلعت معركة بين الطرفين وامتدت الى الشوارع مما اضطر رجال الشرطة الى طلب التعزيزات.
وفي حالة أخرى، أراد أنصار الحركة بناء معبد لهم في ساوثبوري، بولاية كونيكتيكت، لكن المجلس البدي رفض التصريح لهم بذلك، فغادروا المدينة.
• كيف كانت ردة فعل اليهود؟
ــــ كانت أكثر الجماعات سيئة السمعة التي طاردت اعضاء حركة بوند تلك التي تتألف من عدد من الشبان اليهود الذين ينتمون الى العالم السفلي اليهودي، ومنهم ماير لانسكي، بوغسي سيغال، ميكي كوهين، وغيرهم.
وما من شك في أن هؤلاء أيضاً، كانوا من الأشرار، ولكن كانوا موالين لشعبهم. وكانوا يستهدفون اجتماعات البوند ويهاجمون المشاركين فيها، حتى أن سيجال نظم دورات تدريبية لتعليم هؤلاء المتطوعين على أفضل الطرق لمهاجمةأنصار الحركة!
• ما الفرق بين فاشيي أميركا في الثلاثينات واليوم؟
ــــ ما رأيناه في الأسابيع الأخيرة من هتافات معادية للسامية ورفع الرايات التي تحمل الصليب المعقوف والأوشام النازية والشعارات العنصرية، يجعل اعضاء حركة بوند مجموعة من الهواة.
• ما الذي يمنحنا الأمل؟
ــــ الجانب السلبي هو أن هذه المجموعات موجودة وبأعداد كبيرة. وأما الأخبار السارة فهي أن الخيّرين أكثر ويتصدون للمجموعات العنصرية دائماً.
نحن نعيش في مجتمع مختلف عما كان في أواخر الثلاثينات. يمكن للناس أن يعيشوا بوحدة وانفتاح، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس أو أية عوامل أخرى.
وهذا لا يعني القول اننا مجتمع طوباوي ونمثّل امتدادا من الخيال. لكن لسنا في وضع سيئ.
¶ كريستيان ساينس مونيتور¶

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى