المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

اقتصاد

كيف تتجنَّب الخوف من الندم في استثماراتك؟

المخاطرة هي جزء لا يمكن تجنّبه في عالم الاستثمار، وذلك بغض النظر عما إذا كان هذا هو يومك الأول في السوق أو أنك أتممت لتوك عامك الأربعين منذ دخولك إليه لأول مرة. لكن وظيفتك مديراً لأي استثمار أو نشاط تجاري على الأغلب تنطوي على اتخاذ قرارات استثمارية محفوفة بالمخاطر. والقرار لك في النهاية، إما أن تستثمر وإما تبحث عن رزقك في مجال آخر.
وعملية إدارة الاستثمارات أو الأعمال التجارية ترتبط بشكل عام بعقولنا أكثر من قلوبنا، ولكن هل سمعت عن الشعور الذي يدفع الناس إلى تفويت كثير من الفرص الاستثمارية؟ «تجنب الندم».
و«تجنب الندم» هو مصطلح بعلم الاقتصاد السلوكي يقوم على أساس شعور الإنسان بالندم تجاه قرارات استثمارية أو تجارية اتخذها في الماضي، اتضح له لاحقًا أنها لم تكن موفقة، وهو ما يدفعه أحيانًا لتجنب اتخاذ قرارات يندم عليها لاحقًا.
والفكرة هي أن الناس غالبًا ما يحاولون تجنب اتخاذ القرارات بسبب خشيتهم من عواقبها إذا اتضح لهم لاحقًا أنها كانت خاطئة، وعدم رغبتهم في الشعور بالندم. بعبارة أخرى، الخوف من الندم في المستقبل يؤثر في حكم الشخص على الأمور حين يحاول اتخاذ قرار في الوقت الحاضر.

«التنافر المعرفي».. كيف نخدع أنفسنا؟
كثيرًا ما يفشل المستثمر في الاعتراف أمام نفسه بأنه اتخذ قرارًا استثماريًا أو تجاريًا سيئًا، وبدلا من ذلك يختار تجاهل الأمر من أجل تجنّب المشاعر غير السارة التي تنشأ من مواجهته لنتائج قراراته. علماء النفس صنفوا ميلنا لتجنب الشعور بالندم تحت ما يسمى «التنافر المعرفي». ولكن ما الذي يعنيه هذا بالضبط؟
التنافر المعرفي هو حالة من التوتّر أو الإجهاد العقلي أو عدم الراحة يعاني منها الشخص الذي يحمل اثنين أو أكثر من المعتقدات أو الأفكار والقيم المتناقضة في نفس الوقت، أو يقوم بسلوك يتعارض مع معتقداته وأفكاره وقيمه، أو يواجَه بمعلومات جديدة تتعارض مع المعتقدات والأفكار والقيم الموجودة لديه.
في الواقع العملي، عندما نواجه بمعلومات وحقائق صلبة تتعارض مع أفكارنا ومعتقداتنا، نميل إلى إيجاد طرق تساعدنا على تجاهل تلك الحقائق، وتجعل أفكارنا تبدو وكأنها أكثر منطقية مما هي عليه بالفعل، وذلك لأننا نريد بأي طريقة أن نتجنّب الشعور بالندم المرير.
وقصة الثعلب والعنب الخيالية للكاتب الإغريقي الشهير إيسوب تعتبر مثالا كلاسيكيا على التنافر المعرفي: ثعلب يرى عنقودًا من العنب يتدلى عاليا من إحدى الأشجار، ويرغب في تناوله، وبعد كثير من المحاولات الفاشلة للحصول عليه يدرك الثعلب أنه غير قادر على إيجاد طريقة للوصول إليه. فيبدأ الثعلب في إقناع نفسه بأن العنب على الأرجح غير صالح للأكل، وأنه على الأغلب حامض، وذلك بغرض تقليل تأثير التنافر المعرفي وتخفيض تأثير الانزعاج الذي يشعر به بعد فشله في الوصول إلى ما سعى إليه. الشاهد هو: «يستطيع أي ساذج أن يحتقر ما لا يمكنه الحصول عليه». فأي شخص يريد شيئا، يجد أنه غير قادر على تحقيقه، سيقلل من التنافر المعرفي لديه بانتقاد هذا الشيء.
وفي سياق التخطيط المالي واتخاذ القرارات الاستثمارية، من الممكن أن يؤدي التنافر المعرفي إلى حالة يصبح فيها المستثمر متردداً جدًّا تجاه القرارات التي يجب عليه اتخاذها، وهذا يؤدي إلى احتفاظه باستثمارات خاسرة لفترة طويلة، محاولا إقناع نفسه بأنها ستتحرك في الاتجاه المعاكس وسيسترجع أمواله، وبهذه الطريقة ليس عليه أن يواجه الشعور بالندم تجاه اتخاذه هذا القرار الاستثماري من البداية.
والخوف من الندم أيضًا يمكن أن يقود المستثمر في سوق الأسهم بالتحديد إلى بيع استثمارات مربحة في وقت مبكر جدًّا، في محاولة لتأمين الأرباح قبل أن تتحول إلى خسائر، وبالتالي يضيع على نفسه مكاسب محتملة.

لا تجعل الخوف من الندم يكبّلك
أجرى الأستاذان بجامعة إيداهو جيفري بيلي وكريس كينرسون دراسة حول هذا الموضوع، قاما خلالها بإعطاء المشاركين معلومات افتراضية عن السهم «أ» والذي استثمروا فيه سابقًا وخسروا، وعن حساب توفير كان قد تحول أيضًا إلى خسارة، وخلصت الدراسة إلى الآتي:
1 – رغبة الشخص في المخاطرة تؤثّر بشكل كبير في اختياراته وسلوكه أثناء قيامه باتخاذ قرارات استثمارية.
2 – هؤلاء الذين شعروا بالندم تجاه استثمارهم في أصل معين يميلون إلى عدم الاستثمار فيه مرة أخرى، حتى لو تغيّرت الظروف والمعطيات.
3 – الشعور بالندم يخلق تحيّزًا نفسيًا يمكنه أن يعيق التفكير العقلاني للشخص حين يحاول اتخاذ قرار.
والشخص الذي لديه رغبة عالية في المخاطرة، غالبًا ما يكون أكثر إيجابية تجاه قبول القرارات التجارية والاستثمارية المحفوفة بالمخاطر.
ورغم ذلك، إذا كنت قد مررت بتجربة استثمارية سلبية (على سبيل المثال اتخذت قرارا استثماريا أو تجاريا كلفك أموالا وموارد) فأنت على الأغلب لن تتخذ قرارًا مماثلا في المستقبل بغض النظر عن عقلانية هذا القرار، وسوف تجد نفسك منحازًا للاستثمار الجديد.
على سبيل المثال، لنفترض أنك استثمرت في سهم الشركة «س»، ولكن بعد ذلك قررت تحويل أموالك إلى سهم الشركة «ص». وفي وقت لاحق من العام، اكتشفت أنك كنت ستجني 10 آلاف ريال لو احتفظت بحيازتك من سهم الشركة «س»، وبالتالي تشعر بالندم، وترتبط الشركة «ص» في ذهنك بهذا الشعور السلبي.
هذا الوضع في الغالب سيؤثر في قراراتك الاستثمارية المستقبلية. ففي المستقبل قد تشير معطيات السوق إلى أنه من الأفضل لك أن تستثمر في الشركة «ص»، ولكنك على الأغلب لن تفعل لأنك لا ترغب في الشعور بالندم مرة أخرى، وبالتالي ستفوت على نفسك فرصة لكسب المال.

ما الذي عليك فعله؟
عليك أن تدرك أن المخاطرة هي أساس الاستثمار، ستفشل مرة وستتذوق طعم النجاح مرة أو مرات، والإدارة الناجحة للاستثمارات والأعمال التجارية تتطلب أكثر من مجرد الحظ، واعتمادك فقط على تجاربك السابقة أثناء اتخاذك قراراتك الاستثمارية يفقدك المرونة في التكيف مع الأوضاع المستجدة.
وعدم الرغبة في الشعور بالندم تدفع البعض أحيانًا إلى تجنّب الخروج عن المألوف في خياراتهم الاستثمارية، ولكن الحقيقة التي يصعب على هؤلاء تقبلها هي أنهم حتى لو بذلوا قصارى جهدهم في التحليل، من الممكن حدوث ظروف وسيناريوهات غير متوقعة، كالتي يعيشها السوق من آن لآخر.
وعليك كمستثمر أن تعرف أن بعض الاستثمارات التي ستدخل بها قد لا تحقق العوائد المرجوة، لأن هذا هو جوهر الاستثمار في الأساس، واستيعابك لظاهرة «تجنب الندم» سيمكنك من تخفيف آثارها عليك حين تحاول اتخاذ قراراتك الاستثمارية أو التجارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى