المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

الافتراضي

لماذا لا تزال الولايات المتحدة أكثر ثراء من أي بلد آخر؟

في كل عام، تنتج الولايات المتحدة لكل فرد أكثر من معظم الاقتصادات المتقدمة الأخرى. وفي عام 2015، بلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الفعلي في الولايات المتحدة 56 ألف دولار. وكان نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الفعلي في نفس العام في ألمانيا 47 ألف دولار فقط، و41 ألف دولار في فرنسا والمملكة المتحدة، و36 ألف دولار فقط في إيطاليا، وذلك لتحديد القوة الشرائية.

باختصار، لا تزال الولايات المتحدة أغنى من أقرانها، لكن لماذا؟

يمكننا التفكير في 10 سمات تميز أمريكا عن الاقتصادات الصناعية الأخرى، وهو ما تم إيجازه في مقال نشر مؤخرا للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، والذي انبثق منه هذا المقال.

ثقافة ريادة الأعمال: يبدي الأفراد في الولايات المتحدة الرغبة في بدء الأعمال التجارية وتنميتها، وذلك فضلا عن الرغبة في تحمل المخاطر. وهناك عقوبة أقل في الثقافة الأمريكية للفشل والبدء من جديد. حتى الطلاب الذين ذهبوا إلى الجامعة أو كلية إدارة الأعمال يبدون هذه الرغبة التجارية، ويعززونها بأنفسهم، فنجاحات وادي السليكون مثل الفيس بوك تعد مصدر إلهام للمزيد من العمل الحر.

نظام مالي يدعم تنظيم المشروعات: إن الولايات المتحدة لديها نظام للتمويل المنصف أكثر تقدما من دول أوروبا، ويشمل هذا النظام استعداد المستثمرين لتمويل الشركات الناشئة وسوق رأس مالي استثماري نشطة جدا، والذي يساعد على تمويل إنتاج تلك الشركات. كما أن لديهم أيضا نظام مصرفي لامركزي، يشمل أكثر من 7 آلاف مصرف صغير، يقدمون القروض لمتعهدي الأعمال الحرة.

جامعات بحثية عالمية: تنتج الجامعات الأمريكية الكثير من البحوث الأساسية التي تنتج مشاريع فائقة التكنولوجيا. وأعضاء هيئة التدريس والحاصلين على الدكتوراه غالبا ما يقضون بعض الوقت بالشركات الناشئة المجاورة، وثقافة كلا من الجامعات والشركات تقوم بتشجيع هذا التداخل. وتجذب الجامعات البحثية العليا الطلاب الموهوبين من جميع أنحاء العالم، والكثير منهم في نهاية الأمر يبقون في الولايات المتحدة.

أسواق العمل التي تربط العمال بالوظائف بشكل عام دون عوائق من قبل نقابات العمال الكبيرة والشركات المملوكة للدولة: إن أقل من 7٪ من القوى العاملة بالقطاع الخاص في الولايات المتحدة منضمون إلى النقابة، وبشكل عملي لا يوجد بها أي من الشركات المملوكة للدولة. وفي حين أن الولايات المتحدة تنظم ظروف العمل والتوظيف، فالقواعد أقل إرهاقا بكثير مرهقة مما هي عليه في أوروبا. ونتيجة لذلك، فالعمال لديهم فرصة أفضل للعثور على الوظيفة المناسبة، وتجد الشركات أنه من الأسهل عليها الابتكار، والشركات الجديدة تجد البدء والتحرك أسهل عليها.

تزايد عدد السكان، بما في ذلك المهاجرين: إن تزايد عدد السكان في أمريكا يعني قوة عاملة أصغر سنا وأكثر مرونة وقابلية للتدريب. وعلى الرغم من وجود قيود على الهجرة إلى الولايات المتحدة، إلا أن هناك أيضا قواعد خاصة توفر الوصول إلى الاقتصاد الأمريكي ومسارا للمواطنة (البطاقات الخضراء)، وذلك على أساس المواهب الفردية والرعاية الصناعية. ويوفر “الحظ في الحصول على البطاقة الخضراء” بشكل منفصل وسيلة للأشخاص المتحمسين لكي يذهبوا إلى الولايات المتحدة. وقد كانت قدرة البلاد على اجتذاب المهاجرين سببا هاما في ازدهاره.

نظام ضريبي يشجع على العمل الشاق والساعات الطويلة: يعمل الموظف العادي في الولايات المتحدة 1800 ساعة في العام، أي أكثر بكثير من 1500 ساعة عمل في فرنسا و1400 ساعة عمل في ألمانيا (على الرغم من عدم وصولها إلى 2200 كما في هونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية). وعامة، فالعمل لفترة أطول يعني المزيد من الإنتاج، وبالتالي زيادة في الدخل الفعلي.

إمدادات الطاقة التي تجعل الطاقة في أمريكا الشمالية مستقلة: وقد أدت عمليات تصديع (تكسير) الغاز الطبيعي على وجه الخصوص إلى تزويد الشركات الأمريكية بالطاقة الوفيرة والغير المكلفة نسبيا.

بيئة تنظيمية مساعدة: على الرغم من أن اللوائح الأمريكية بعيدة عن الكمال، إلا أنها أقل عبئا على الأعمال من القوانين التي تفرضها الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي.

حجم الحكومة أصغر مما هو عليه في البلدان الصناعية الأخرى: يذكر أنه وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد بلغت نفقات الحكومة الأمريكية على المستوى الفيدرالي والدولي والمحلي 38٪ من إجمالي الناتج المحلي، بينما كانت النسبة المقابلة في ألمانيا 44٪ وفي إيطاليا 511٪ وفي فرنسا 57٪. إن ارتفاع مستوى الإنفاق الحكومي في البلدان الأخرى لا يعني فقط زيادة حصة الدخل المأخوذة في الضرائب بل كذلك زيادة مدفوعات التحويلات التي تقلل من الدوافع التي تبعث على العمل. وليس من المستغرب أن الأميركيين يعملون كثيرا، فهم لديهم حافز إضافي للقيام بذلك.

نظام سياسي لامركزي تتبارى فيه الولايات: إن المنافسة بين الولايات تشجع على روح المبادرة والعمل، كما يتم التنافس بينهم على الأعمال التجارية وعلى الأفراد المقيمين بقواعدهم القانونية وأنظمتهم الضريبية. وبعض الولايات ليس لديها ضرائب على الدخل ولها قوانين عمل تعمل على الحد من التوحد في نقابة. وتوفر جامعات عالية الجودة ذات رسوم دراسية منخفضة للطلاب من داخل الولاية. كما يتنافسون في قواعد المسؤولية القانونية أيضا. وتستقطب النظم القانونية كلا من منظمي المشاريع الجدد والشركات الكبيرة. وقد تكون الولايات المتحدة فريدة من نوعها بين الدول ذات الدخل المرتفع في درجة اللامركزية السياسية الخاصة بها.

هل ستحافظ أمريكا على هذه المزايا؟ لقد حذر جوزيف شومبيتر في كتابه في عام 1942، تحت عنوان “الاشتراكية والرأسمالية والديمقراطية”، من أن الرأسمالية ستنحدر وتفشل، وذلك لأن البيئة السياسية والفكرية اللازمة لازدهارها سيتم تقويضها عن طريق نجاح الرأسمالية ومن خلال نقد المثقفين. وقال إن الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية المنتخبة شعبيا ستنشئ دولة الرفاه التي من شأنها أن تقيد العمل الحر وتنظيم المشاريع.

وعلى الرغم من نشر كتاب شومبيتر بعد أكثر من 20 عاما من انتقاله من أوروبا إلى الولايات المتحدة، إلا أن تحذيره يبدو ملائما لأوروبا اليوم أكثر من الولايات المتحدة. وقد نمت دولة الرفاهية في الولايات المتحدة، ولكن أقل بكثير مما هي عليه في أوروبا. كما أن المناخ الفكري في الولايات المتحدة أكثر دعما للرأسمالية.

ويرى البعض أنه إذا كان شومبيتر معنا اليوم، فربما قد قام بالإشارة إلى تزايد الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية في أوروبا وما نتج عن ذلك من توسع في دولة الرفاهية كأسباب لعدم تمتع البلدان الصناعية في أوروبا بنفس النمو الاقتصادي القوي الذي ساد في الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى