المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار عربية

«مسيرة العودة».. هل وصلت إلى نهايتها؟

تقترب مسيرة العودة من نهاية شهرها الثاني من دون ان يعرف على وجه الدقة ما الذي يريد القائمون عليها بالضبط، وسط فوضى وصخب الشعارات والاهداف والمزايدات، فمن قائل ان هدفها يعبر عنه اسمها، اي عودة اللاجئين الى وطنهم وديارهم التي شُرِّدوا منها، الى منادٍ بشطب إسرائيل من الخريطة، والأكثر تواضعاً يكتفون بهدف فك الحصار عن قطاع غزة الذي تحول الى اكبر سجن في العالم، ومكاناً لا يصلح للعيش الآدمي.
فوضى الشعارات والاهداف ذات السقوف العالية تضمر نوعاً من التعمية والتضليل، بقدر ما تستبطن أجندات خاصة، ليست عصية على التظهير، ومشاهدتها بالعين المجردة مبثوثة بين ثنايا التصريحات الصاخبة المتوعدة بالثبور وعظائم الامور، في حين تجري في الغرف المغلقة وفي عواصم اقليمية محاولة صياغة هدنة جديدة، وصفقة تؤمن مخارج لرسم خط النهاية لمسيرة العودة مقابل بعض التسهيلات المتواضعة على الحصار.
فقد أكدت مصادر متعددة ومتطابقة لـ القبس أن اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات المصرية الذي دعا إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والوفد المرافق إلى زيارة القاهرة قبل يوم من الموعد المقرر لاقتحام السياج الامني الفاصل، بلغهم رسالة إسرائيلية واضحة أن اقتحام السياج ستكون له عواقب وخيمة، ليس فقط في ارتفاع عدد الضحايا، بل إن إسرائيل تعتزم توجيه ضربة عسكرية في عمق غزة، ستطول رؤوس قادة الحركة، وهنية ضمنهم.
وطالب كامل قائد حماس بعدم الاقتراب من الجدار، واقترح بدلاً من ذلك تقديم رزمة اقتصادية، ضمنها حل مشكلة الكهرباء وفتح معبر رفح مرة في الاسبوع على الاقل، وتوريد الوقود والبضائع وتقديم مساعدة طبية للجرحى في غزة، ما يفسر العدد المحدود لمحاولات اقتحام السياج الذي اقتصر على ثلاث فقط، إضافة الى ان عدد المشاركين في الفعاليات كان اقل بكثير من التصريحات التي وعدت بمسيرة مليونية.

مواجهة عسكرية
وما يؤكد صحة ما سلف ما قاله رئيس حماس في القطاع يحيى السنوار من ان مصر وعدت بفتح معبر رفح والعمل على حل مشكلة غزة الانسانية وأن مصر ابلغت وفد حماس برئاسة هنية بأنها لا تريد ان تنجرّ المقاومة الفلسطينية الى مواجهة عسكرية مع إسرائيل.
وتقاطعت أقوال وزير المخابرات الإسرائيلي إسرائيل كاتس مع السنوار، حيث اكد ان قياديا في المخابرات المصرية – لم يذكر اسمه – أوضح لهنية بصورة قاطعة أن مصر لن يمكنها المساعدة إذا استمرت حماس في إذكاء الاحتجاجات وردت إسرائيل بإجراءات أعنف، مضيفاً: عاد هنية إلى غزة، وأعطت حماس أمراً… وانحسر هذا الاحتجاج العفوي لجماهير لم يعد بإمكانها تحمّل الوضع.
وإذا ما أضيف الى ما جرى في العاصمة المصرية، ما يجري في العاصمة القطرية من حوارات ومفاوضات يجريها جيسون غرينبلات المبعوث الاميركي لعملية السلام، مع وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، ومحمد العمادي المسؤول القطري عن مساعدات بلاده الى غزة لبحث الحاجة الملحة لتقديم المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وضرورة دعم عملية السلام التي يسعى إليها الرئيس دونالد ترامب كما أعلن غرينبلات، يمكن استنتاج ان مساعي وقف مسيرة العودة ومقايضتها بالمساعدات الانسانية تجري على قدم وساق.

بداية الانحسار
وفي إسرائيل، بدأ يسود اعتقاد بأن موجة مسيرة العودة بدأت بالانحسار، لذلك قرر الجيش الإسرائيلي بعد جلسة تقدير موقف، أجراها بعد احدث يومي الإثنين والثلاثاء، تخفيف عدد القوات التي نشرها حول غزة، إضافة إلى سحب القوات الخاصة المنتشرة داخل المستوطنات والكيبوتسات القريبة من الحدود، التي كان نشرها بهدف حماية المستوطنين في حال نجح المتظاهرون في الوصول إلى داخل الكيبوتسات والمستوطنات.
إلى ذلك، تسببت حصيلة فعاليات مسيرة العودة الإثنين الماضي، احتجاجاً على نقل السفارة الاميركية من تل ابيب إلى القدس المحتلة، باستشهاد 62 وإصابة أكثر من 2800 نتيجة العنف الإسرائيلي المفرط والقتل المتعمد من جهة، وشيوع أنباء عن مساومات تجري تحت الطاولة، من جهة أخرى، وهو ما اعتبر أمراً ميدانياً بعدم التصعيد وعدم تكرار وقائع اليوم الذي سبقه، تسببت بصدمة للرأي العام الفلسطيني، عُبّر عنها بتواضع المشاركة الشعبية والمواجهات في اليوم التالي، الذي صادف الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية، الذي تزامن مع إعلان الاضراب العام في غزة والضفة الغربية، حداداً على ارواح الشهداء، حيث اعتكف معظم الناس في منازلهم.

غياب البرنامج
لقد استطاعت مسيرة العودة تحقيق أهداف لا يمكن التقليل من شأنها، لكنها أكدت وقائع اخرى مناقضة، من بينها ان غياب البرنامج وتحديد الاهداف الممكنة والقابلة للتحقيق، ورفع شعارات فوق طاقتها وقدرتها على الاحتمال، وانعدام الشراكة السياسية والقيادة الموحدة من مختلف اطراف الحركة الوطنية الفلسطينية، ومحاولة الاستيلاء عليها رغم انها انطلقت بمبادرة نخب شعبية ومدنية مستقلة، ومحاولة توظيفها في الصراعات الداخلية لتكريس واقع الانقسام، او على اقل تقدير للتهرب من استحقاقات المصالحة، وبالتالي استخدامها لترسيخ سلطة حماس ومحاولة انتزاع اعتراف اقليمي ودولي بها كعنوان للتفاوض والمساومة على مصير غزة في مراحل لاحقة، عوامل تهدد بتبديد ما حققته، وإضاعة الدماء التي أهرقت.
وفشلت مسيرة العودة في حمل اي من طرفي النزاع الداخلي فتح وحماس على تغيير موقفهما وشروطهما المتصادمة حيال المصالحة. بل إن شقة الخلاف بينهما خلال الاسابيع الماضية اتسعت، وازدادت عمقاً. ولعل إبقاء العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على غزة رغم المأساة التي يغرق فيها، وعقد المجلس الوطني الفلسطيني من دون توافق، ينهضان كشاهدين على عمق الانقسام وضعف إمكان رأب الصدع بينهما.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى