المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

شعر

من بواعث الشعر

يمر بالإنسان شعور وإحساس غريب يجذبه نحو مايحب وهذا الشعور يرتبط بشيء في الذاكره فأحيانًا يرى المرء صورةً ترجع به للوراء لسنين طويلة وأحيانًا موقف يذكره بموقف مماثل أو مقارب يسبح بخياله في الذكرى وأحيانًا يقف على الأطلال فينتابه شعور غريب تختلط فيه الذكرى مع الشوق والحنين غير أن الشعراء هم من يستطيعون ترجمة مثل هذه المشاعر والأحاسيس فقد طرق الشعراء أبوابًا كثيره فمنهم من هيجه الوقوف على الأطلال أو الحنين للأوطان أو الشوق للمحبين أو غير ذلك من أغراض وبواعث الشعر الاخرى.
ومن أعجب ماقرات أو سمعت أن يكون الباعث لشاعر (نوح حمامة)
فما هو السر في هذه المخلوقه الضعيفة حتى ينقسم الشعراء إلى مؤيدين لها أو مناوئين لهذه الحمائم إنهم يدركون حالات ومظاهر عجيبة تفوق غيرهم وقد تندهش لكثره الأشعار التي تتحدث عنها من منا أنصت لحمامة تبكي أو تترنم وهل الحمامة فعلًا تبكي لأنها فقدة إلفها أم أنها تغني طربا وتغرد بالالحان لقد أستجاب الشعراء لنواحها وشاركوها فيه بعالمهم الواسع وأمنياتهم فهذا أبو العلاء يقول:
ابكتْ تلكم الحمامة أم غنت* * *على فرع غصنها الميادِ
وهذا أبو فراس الحمداني وقد وقع في الأسر لدى الروم وعلى عظم مأساته يضحك متحليا بالصبر وإذا بالحمامة الطليقه تبكي وتنوح فهو يرى أنه اولى منها بالبكاء لكن دمعه في الحوادث صعب ولا يذرف بسهوله فيقول:
أقول وقد ناحت بقربي حمامةً***ايا جارتي هل تشعرين بحالي
معاذ الهوى ماذقت طارقة النوى***ولا خطرت منك الهموم ببالِ
تعالي تري روحًا لدي ضعيفةً ***تردد في جسم يعذب بالِ
ايضحك مأسور وتبكي طليقةٌ***ويسكت محزون ويندب سالِ
لقد كنت اولى منك بالدمع مقلةً***ولكن دمعي في الحوادث غالِ
وهذا عنتره بن شداد أحد أشهر فرسان العرب في الجاهلية ومن أشدهم بأسًا ينشد أبياتً في غاية الرقة فيقول:
ياطائر الباني قد هيجت أشجاني ***وزدتني طربًا ياطائر البانِ
أن كنت تندب إلفًا قد فجعت به ***فقد شجكاك الذي بالبين اشجاني
ويقول البارودي:
الا ياحمام الأيك إلفكِ حاضرٌ***وغصنك مياد ففيمَ تنوح
ويقول (البندبيجي): وقد مر يومً بباب الطاق في بغداد وبه سوق الطير فسمع صوت قمريه وهي تهتف في قفصها فبكى فقال للبائع أتبيع هذه
قال نعم
قال: بكم قال البائع بعشرة دراهم فعدها له ثم فتح القفص فأطلقها وأنشد يقول:
ناحت مطوقة بباب الطاقِ***فخرت سوابق دمعي المهراقِ
حنت إلى أرض الحجاز بحرقة***تشجي فؤاد الهائم المشتاقِ
أن الحمائم لم تزل بحنينها***قدما تبكي أعين العشاق
اني سمعت حنينها فبتعتها***وعلى الحمامة جدت بالإطلاقِ
بي مثل مابكِ ياحمامة***فاسالي من فك اسركِ أن يفك وثاقي
هذا الشاعر عبيد الرشيد في قصيدة غزليه يصف فيها تأثير صوت الحمام عليه
ناح الحمام بعاليات المقاصير***وهل الهوى طربين مايسمعونه
ذكرتني يالورق لاذكرك خير*** غرو كما لدن المطارق قرونه
ويقول محسن الهزاني:
ناح الحمام وقلت لحول مكنون***واهل الدمع ساعه له اوحيت
حج الحجيج وكلهم له يلبون***وانا بدار أمورد الخد لبيت
وفي الأدب العربي الكثير من هذه النماذج وبعد هذا كله أختم بقول الشربيني في شرح مقامات الحريري ولم تزل العرب تستحسن تسجيع الحمام وقد ذكرت من رقته مايبعث التذكر ويولد الشجون ويهيج الأسى ويجدد رقت القلب حتى يجعل البكاء فرضًا معها والتصابي لازم لأجلها أنتهى وفي الحقيقه أن المحزون يهيجه أشياء كثيره فصوت الحادي له تأثير والطبيعة الخلابة تطرب الإنسان وإطلاق النظر أو أطلاله من موقع مرتفع (المرقاب) ايضًا له تأثير ولكن ذكرت هذه النماذج لغرابتها ورقتها مع اختلاف العصور والأزمنة.

بقلم / إبراهيم مفرج آل هدران

رئيس المجلس البلدي بمحافظة وادي الدواسر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى