المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار الكويتأخبار مثبتة

مهنٌ ووظائف «تستعصي» على التكويت

سياسة التكويت في وادٍ، ونظرة المجتمع في وادٍ آخر، فهناك مهنٌ مكروهة من الكويتيين ويكاد يكون تكويتها ضرباً من المستحيل.
وفي مقابل ارتفاع الأصوات المنادية بتطبيق هذه السياسة، والمساعي الحكومية الحثيثة لإحلال الكوادر الوطنية محل العمالة الوافدة في جميع الجهات الحكومية، نجد إحجاماً ملحوظاً عن قبول بعض الوظائف التي يعتبرها البعض مكروهة اجتماعياً رغم أهميتها ورقي بعضها، ومع غياب السياسات التحفيزية والكوادر المالية لتشجيع الشباب على الانخراط بها في هذه الوظائف التي تصنف ضمن المهن الطاردة.
تكمن صعوبة هذه المهن في تعامل أصحابها مع الأموات لا الأحياء، ورغم أنها مهن شريفة وضرورية بل مرموقة أحياناً لكن البعض قد ينظر إليها نظرة مشوبة بالخوف والقلق وخالية من التقدير احياناً.
القبس طرقت باب الوظائف الطاردة، والتقت أصحابها لإلقاء الضوء على طبيعة عملهم، والصعاب والمشكلات التي تواجههم، وكيف تأقلموا معها؟! وواجهوا المجتمع ونظرة الخائفين والمتشائمين منهم، والسبيل لترغيب غيرهم لا سيما الكوادر الوطنية الشابة التي يرجى إحلالها محل العمالة الوافدة، ومن المهن المكروهة تغسيل الموتى وتشريح الجثث وحفر القبور وغيرها.

ذكرت مساعد مدير إدارة الطب الشرعي، د. نورة العمير ان وظيفة الطب الشرعي تصنف من أصعب المهن، وتعد من المهن الطاردة، لتأثيرها السلبي على أصحابها من النواحي العملية والنفسية والصحية، وحتى الاجتماعية، مشيرة إلى انها مهنة تتطلب من صاحبها مهارات خاصة، شخصية قوية، مشاعر محايدة، قلباً قوياً، تحكيماً للعقل.

نورة العمير

وبينت العمير لـ القبس ان مهنة الطب الشرعي مهنة محفوفة بالمخاطر ويتعامل أصحابها مع حالات مختلفة من الأحياء والأموات، منها المجرمون والمساجين والمضطربون عقلياً، إلى جانب حالات الوفاة سواء الطبيعية او الناتجة عن حوادث قتل وانتحار ودهس وحرق وغرق وغيرها من الحوادث التي تخلف أحياناً جثثاً مشوهة ومبتورة واحيانا أخرى متعفنة ما يجعل التعامل معها مهمة شاقة.
وأكدت في الوقت نفسه ان الطبيب الشرعي يجمع بين مهمة الطبيب والمحقق في آن واحد، كما أنه يلعب دوراً مهماً في خدمة العدالة والمجتمع، ويسهم بفعالية في إزالة اللبس أو الغموض الذي يكتنف القضايا الجنائية ليثبت أو ينفي صحة الادعاءات المنسوبة فيها.
وأردفت، نظراً لطبيعة هذه المهنة نتوقع عزوف الكوادر الوطنية، وتفضيل طلبة كلية الطب الالتحاق بوزارة الصحة، لا سيما في غياب أي مميزات او كوادر مالية خاصة بالأطباء الشرعيين تميزهم عن أقرانهم في وزارة الصحة، ما يجعل الطلبة يعزفون من البداية عن تخصص الطب الشرعي.

الكوادر الوطنية
وأوضحت أن العديد من الدول المجاورة حددت كادراً خاصاً للطبيب الشرعي مثل المملكة العربية السعودية ما جذب أكثر من 40 من الكوادر الوطنية لهذا التخصص، موضحة أنها ومدير الإدارة د. أسعد مهدي الكويتيَان الوحيدَان المتخصصان بالطب الشرعي في حين بقية الأطباء وافدون.
وبينت أن نسبة العمالة الوطنية في إدارة الطب الشرعي بصفة عامة لا تتعدى %15، مشيرة إلى ان أي طبيب يعرض عليه العمل في الطب الشرعي يقول: «مالي ومال الجثث والمناظر والروائح الكريهة والمجرمين؟!» ويفضل العمل في المستشفيات إلى جانب العيادات الخاصة ذات المردود المادي المغري.

القضايا تضاعفت
وذكرت العمير أن عدد القضايا التي ينظرها الطب الشرعي تضاعفت %500 مؤخرا، في حين أن عدد الأطباء كما هو بل في تناقص، لافتة إلى أن الإدارة تطالب منذ عام 2014 بـدرجات وظيفية للأجانب في ظل عزوف الكوادر الوطنية من دون استجابة.
ومضت قائلة ان الطبيب الشرعي يتعرض لضغط نفسي وعصبي كبيرين، فهو ليس كطبيب المستشفى الذي يذهب إليه المريض، لكن هو من يذهب إلى موقع الجريمة أو الوفاة وقد يكون في أي مكان، منزل أو مزرعة أو بر وحتى في البحر، إضافة إلى تعامله مع جهات التحقيق في «الداخلية» و«العدل» والمحاكم.
وأوضحت أن المشاهد التي تراها في غرف التشريح تكون أحياناً مقززة ومرعبة، لا سيما خلال التعامل مع الإصابات والحوادث والاعتداءات والوفيات والهياكل العظمية والجثث المحترقة أو المتعفنة التي قد تحوي أمراضاً معدية، وهذا كله يتطلب وقتاً طويلاً للتخلص من تأثيراتها النفسية.
دعم العائلة
وشددت على ان دعم العائلة شجعها على الالتحاق بالطب الشرعي، مشيرة إلى ان والدها كان يشجعها منذ الصغر على التميز، مؤكدة انه اليوم فخور بما وصلت إليه، وكان اكبر دافع ومشجع لها، وانها لم تندم قط على الالتحاق بهذا التخصص، حيث لم تجد نفسها في أي مجال آخر.
وكشفت ان الاكتئاب والعزلة والرغبة في الابتعاد عن الناس لفترة، هذا ما تشعر به بعد العمل على قضايا صعبة، نتيجة التعرض لضغوط نفسية وعصبية وذهنية خلال العمل على هذا النوع من القضايا التي قد تستغرق اشهرا من العمل المتواصل.
وأشارت إلى ان هذه المهنة أثرت كثيرا في علاقاتها الاجتماعية فأصبحت دائرة علاقاتها محدودة، ولا تثق الا بعدد محدود من الأصدقاء، وأصبحت قليلة الكلام ونشاطاتها الاجتماعية محدودة، وتغيرت شخصيتها فنضجت 10 سنوات مبكرا، وأصبحت ترى الحياة من منظور آخر، مشيرة إلى انها تتحاشى دائما السؤال عن مهنتها حتى لا يتدخل احد في تفاصيل عملها.

طبيعة المرأة
وعن مدى مناسبة هذا العمل لطبيعة المرأة، قالت العمير ان المرأة الكويتية حققت نجاحات في مجالات عدة، وانها كانت مصرة منذ اليوم الأول على تحقيق ذاتها رغم الصعوبات التي وأجهتها كالانتقال إلى مواقع الجريمة والتعامل مع الرجال، سواء في الداخلية او التحقيقات والمحاكم، إلا ان الهدف الذي وضعته أمامها دفعها لتخطي جميع الصعاب.
وبينت العمير ان المفارقة هنا ان الطبيب الشرعي يعمل فعليا في وزارة الداخلية ووفق قوانينها الوظيفية، ولكن يتبع وزارة الصحة فنيا في ما يخص ترقيات الأطباء.
وتابعت: ان اكثر ما يؤلمني عندما اشعر ان الضحية تعرضت لاعتداء ولا استطيع إثبات ذلك لعدم وجود دليل مادي ملموس لا سيما الاعتداءات الجنسية على الأطفال، لان %85 منها لا تترك اثارا على الجسم، وغالبا ما يكون الجاني من الدائرة القريبة او في محيط العائلة، موضحة انها تتأثر كثيرا عندما تعاين طفلا في المشرحة مضروبا او مقتولا بطريقة وحشية.

العوضي: 20 كويتية يعملن في المقابر

أكد مدير إدارة شؤون الجنائز في بلدية الكويت د. فيصل العوضي، عزوف الكثير من المواطنين عن العمل في الإدارة، لا سيما في وظائف سائقي سيارات الموتى او المغسلين، رغم توافر درجات لهذه الوظائف في ديوان الخدمة المدنية.
وعزا العوضي هذا العزوف إلى غياب البدلات التحفيزية لهذه الوظائف الشاقة، مطالباً بضرورة استحداث بدلات تخص هذه المهن تحديداً، لتشجيع الكوادر الوطنية، لا سيما أنها تعد من المهن غير المحببة اجتماعياً.
وبيّن العوضي في حديثه مع القبس أن هناك عدداً من المواطنات يعملن مغسلات موتى ويتواجدن تقريبا في جميع المقابر العاملة، إضافة إلى بعض المغسلين الكويتيين الذين يتولون غالباً عملية الإشراف على التغسيل، إلى جانب بعض السائقين.
وأوضح أن العمل في المقابر مستمر على مدار 24 ساعة بنظام النوبات (يوم دوام ويومين راحة)، منتقداً عدم وضع أي اشتراطات للمتقدمين لهذه الوظائف، منادياً بضرورة ان يحمل المتقدم شهادة علمية، او على الأقل شهادة شرعية، مشيراً إلى أن اغلب من وافق على قبول الوظيفة هم من رغبوا في التوظيف فوراً من دون انتظار الدور او خيروا ما بين العمل في السجون او الوفيات فاختاروا الوفيات.
وبيّن ان جميع المتقدمين لهذه الوظائف يخضعون لاختبار عملي لمدة 3 أيام واغلبهم لا يتحمل هذه الوظيفة ويهرب من اليوم الأول.

10 موظفين على الورق فقط!

تبين أن أكثر من 10 كويتيين يعملون مغسلي او مشرفي مغسلي موتى، لم نصادف أحداً منهم، عرفنا ان اغلبهم يوقعون ولا يداومون وهكذا يقولون لربعهم «وقع وامش»، ودوام يوم ويومين، والاستلام فوراً، والقائمون على التغسيل حقيقة هم من الوافدين.

كبير المغسلين في الصلبيخات: يجب حفظ أسرار الموتى

توجهنا إلى مكان تغسيل الموتى الرجال ولم نصادف إلا أبو الوليد (موسى قاسم محمد) كبير المغسلين في مقبرة الصليبخات، الذي أكد أن أي وظيفة قد تكون صعبة في بدايتها وبعد وقت يعتاد عليها صاحبها، كذلك وظيفة مغسلي الموتى إلا أن الأمر هنا يتطلب المزيد من الوقت.
ولفت إلى أن أصعب ما يصادف أصحاب هذه المهنة هو تغسيل الجثث الناتجة عن الحوادث أو الحرائق أو التي اكتشفت بعد عدة أيام من الوفاة وغيرها حيث تكون مهمة التغسيل في غاية الصعوبة من حيث المنظر الذي نشاهده أو الرائحة، لكن الضمير يفرض علينا القيام بعملنا لتكريم المتوفى وإيصاله إلى مثواه الأخير في أفضل حالة ممكنة، مبيناً أن هذه المهنة تعتبر رسالة إنسانية ويجب حفظ أسرار الموتى.
وأردف: «لذلك على راغب الالتحاق بهذه المهنة أن يكون رجلاً متديناً يعرف الشريعة ويحفظ السر، ويعرف أنه يؤدي واجباً إنسانياً في المقام الأول، ويعلم أن قلب مغسل الموتى يصير بعد فترة قاسياً أكثر من الحجر، إلا أن إيمانه بالله يزداد من كثرة ما يراه».
وبين أن سنوات عمله الطويلة في هذا المجال جعلته يتعرض للكثير من المواقف والمناظر، قائلاً: «هناك ميت بيريح وميت بيخوف، الأول كأنه نائم، مرتاح، وجهه وردي، يضحك، يجعلنا نجزم أنه من أهل الجنة، أما النوع الثاني عندما تنظر إليه يقشعر بدنك وتشعر بالخوف».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى