هآرتس:إسرائيل قد تندم على دعمها لاستقلال كردستان

قد ينتهي الأمر بحكومة إسرائيل اليمينية إلى الندم على تأييدها العلني لكردستان، ففي النهاية، إذا كانت العدالة التاريخية تضفي الشرعية على حق تقرير المصير للكرد واليهود، فإن ذلك ينطبق تماما على الفلسطينيين.
يعج المجتمع الدولي بالتكهنات حول ما يعنيه استفتاء كردستان بالنسبة لمستقبل العراق، ومحاربة داعش، والديناميات الإقليمية بين إيران وتركيا وسوريا، وحتى إسرائيل، والعلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا وبين الدولتين العظميين.
ومن المتوقع ان يمر استفتاء الإثنين ويطرح دء المفاوضات مع الحكومة المركزية في بغداد حول المطالبة بالاستقلال. لقد رفض البرلمان العراقي شرعية الاستفتاء، وأمرت المحكمة العليا بتعليقه للاشتباه في انه يشكل انتهاكاً للدستور العراقي. ولكن الاستفتاء هيأ الميدان للصراع الذي يخشى كثيرون انه قد يشعل حربا أخرى في هذا البلد الذي أجهدته الحروب.
ولكن التصويت يثير سؤالا هاما آخر: كيف تولد الدول الجديدة؟
إنها مشكلة محيرّة في المشهد الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية. حدود الدول من المفترض ألا تتغير بالقوة، إلا أن الدول الجديدة غالبا ما تولد بعد مخاض دموي.
وربما كانت هناك استثناءات فريدة مثل «الطلاق المخملي» السلمي بين التشيك وسلوفاكيا أو استقلال الجبل الأسود عام 2006. وهي أمثلة قليلة مقارنة بالدول التي ولدت من رحم الحرب. فقد خاضت الجمهوريات السوفياتية السابقة مثل جورجيا وأذربيجان وأرمينيا وغيرها حروبا عرقية مريرة، وخرجت الدول الست (أو السبع إذا حسبنا كوسوفو) من تفكك يوغوسلافيا إثر اندلاع أعمال العنف التي لامست الإبادة الجماعية، التي شكلت خلفية لانفصال الجبل الأسود في وقت لاحق.
دولة فاشلة
وحتى قيام دولة جنوب السودان عام 2011 بعد استفتاء قانوني، بالاتفاق مع دولة السودان ذات السيادة، تحوّل إلى فوضى دموية. إن وجود موارد نفطية ذات ملكية متنازع عليها في كركوك بإقليم كردستان، لا يبشر بالخير لعملية سلمية في العراق.
وهذا الخطر الحقيقي لاندلاع العنف هو أحد العوامل التي دفعت بعض الدول الغربية إلى معارضة الاستفتاء الكردي. لكن هذه المعارضة ترتبط بالمصلحة الذاتية أيضاً. فمن غير المرجح أن تهتم الولايات المتحدة بعمق بآثار الحرب على الشعبين الكردي والعراقي، غير أنهم يشعرون بالقلق من أن تؤدي مثل هذه الحرب إلى إضعاف جهود محاربة «داعش»، التي تعتبر قوات البشمركة الكردية أبرز أطرافها.
ويبدو أن مبادئ مثل حق تقرير المصير، التي لا جدال فيها في حالة الأكراد، غائبة عن اجندة الحكومات الغربية.
وحتى قبل «اكتساب السيادة»، فإن كردستان العراق لديها مؤسسات تعمل، وحكم ذاتي، وحتى مؤسسات ديموقراطية نسبيا، مما أضعف المعارضة الغربية لاستقلالها.
وربما تكون «الأيديولوجية» الوحيدة التي تقود السياسة الاميركية هي دفاعها عن حرب الخليج عام 2003، التي جعلت من العراق دولة فاشلة. لكن أميركا تريد من عراق ما بعد صدام الذي ساعدت على خلقه ليبدو وكأنه ناجح، وبالتالي، فإن تقسيمه لا يتناسب مع هذه الصورة. بغض النظر عن حقيقة أن «الدم الكردي لم يجف بعد» من محاربة تنظيم داعش، على حد تعبير مهندس الاتصالات الكردي محمد يوسف من السليمانية.
نفاق دولي
وتقدم روسيا نسخة صارخة أخرى من النفاق الدولي في ما يتعلق بحركات الاستقلال. فقد ظلت روسيا منذ فترة طويلة العقبة الرئيسية أمام نيل كوسوفو لعضوية الأمم المتحدة، بعد أن أعلنت الأخيرة من جانب واحد الاستقلال عن صربيا عام 2008 واعترفت بها معظم الدول الغربية. ولكن روسيا كانت سعيدة جدا بالاعتراف بالمناطق التي انفصلت عن جورجيا في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، بعد الحرب القصيرة في صيف عام 2008، ربما رداً على احتضان الغرب لكوسوفو.
ويتسم موقف روسيا بالخجل حيال استفتاء كردستان، لا سيما بعد صفقة نفط كبرى عقدتها مؤخرا شركة روزنيفت الروسية العملاقة مع الإقليم. أي أن موقف روسيا النهائي من استقلال كردستان سوف تحكمه المصالح المالية.
وبالمثل، لم تتورع تركيا عن المشاركة في تقسيم قبرص قبل أربعة عقود، وتعترف بـ «جمهورية شمال قبرص التركية»؛ ولكنها ترفض بشدة الانفصال الكردي عن أراضيها.
وفي ظل هذه البيئة الواقعية الصارخة، يبدو موقف إسرائيل منطقياً: فقد اتخذت الموقف الجريء والعلني، بدعم استقلال كردستان، مُخالِفة لحلفائها الغربيين.
والمصلحة الذاتية واضحة: فلدى إسرائيل سابقة تفضيل القوى التي تضعف الجبهة العربية المعادية، مثل غض الطرف في الثمانينات، عن صعود حركة حماس بشكل وذلك لموازنة قوة منظمة التحرير الفلسطينية، وخوض حربين ونصف الحرب في لبنان. وبالتالي، فإن وجود عراق أضعف وأصغر ينسجم مع هذا النهج.
إن دولة كردية صديقة للغرب، يمكن أن تؤدي إلى تفاقم وتمدد الصراع العربي – الايراني في الشرق الأوسط، تشكل حليفا محتملا جذابا لإسرائيل – تُزينه بدعاوى الصداقة التاريخية، للاستهلاك العام! ونظرا لما تتمتع به اسرائيل من حلفاء دوليين أقوياء، فإن دعمها يمكن أن يكون حاسماً في إنجاز استقلال الأكراد.
ازدواجية المعايير
لكن الأكراد قد يكون لهم أيضا حليف آخر في نضالهم من أجل الاستقلال، وإن كان أقل صخباً: إنهم الفلسطينيون.
وكما قال باسم الوزير رجل الأعمال الفلسطيني الذي عاش وعمل في أربيل لمدة عامين: «أنا أؤيد تماما (الاستقلال الكردي)، وإذا كان هذا هو تحررهم الوطني، فليكن، ونحن كشعب مضطهد، نقول لهم تقدموا. فلا يمكن أن تحبس الناس في قفص إلى الأبد».
وتلتزم الشخصيات الفلسطينية الرسمية بالصمت إزاء الاستفتاء الكردي، لكنهم يخشون من التوترات على السلامة الإقليمية لأراضي العراق. أما غسان الخطيب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت في رام الله والوزير السابق في السلطة الفلسطينية، فكان أقل حذرا، حيث قال انه على الرغم من ان سلامة العراق مهمة، إلا «أنني اعتقد ان الاكراد لهم الحق في تقرير المصير ويجب السماح لهم بهذا الحق، كما ان دعم حق تقرير المصير للأكراد يجب ان يشجع الناس على اتباع المبدأ نفسه ودعم حق تقرير المصير والاستقلال وإقامة الدولة للشعب الفلسطيني، نحن، الفلسطينيين، عانينا طويلا من المعايير المزدوجة للمجتمع الدولي، عندما يتعلق الأمر بحقوقنا».
والقوى العظمى لا تخجل من تناقضاتها الخاصة، لكن الحركات التي تناضل من اجل الاستقلال غالباً ما تراقب بعضها عن كثب من إرساء السوابق.
وسيكون من الخطأ استبعاد تأثير الأفكار والمثالية تماما عن التأثير في الشؤون الدولية. والقوى العظمى تتأثر بها أيضا، فالقضية الكردية تحظى بالتعاطف من الغرب بشكل أساسي، بسبب المعاناة التاريخية للأكراد وحقهم في تقرير المصير. وتحظى إسرائيل نفسها باعتراف دولي سريع إلى حد كبير، بسبب الإحساس بالعدالة التاريخية.
إن دعم إسرائيل لاستقلال كردستان يتسم بالشجاعة، حتى وإن كان يشكل مصلحة ذاتية. ولكن المكاسب السريعة يمكن أن تكرس سابقة لصالح التحرر الوطني. حتى في عالم واقعي بارد، أصبح من الصعب الدفاع عن سياسات مثل الاحتلال العسكري الإسرائيلي الذي فقد الشرعية الدولية.
قد ينظر الفلسطينيون إلى الأكراد باعتبارهم مصدر إلهام، لبناء نموذج ناجح للدولة وإقامة نظام سياسي ديموقراطي نسبيا (وإن كان يعاني). وباقي العالم أيضا، عندما يلاحظ دعم إسرائيل لحرية الأكراد الذين عانوا طويلا، من الطبيعي أن يطرح السؤال: «لماذا لا ينطبق ذلك على فلسطين؟».
هآرتس