المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

هذه كتائب الصين الجديدة

يقود جيل جديد من الشباب في الصين حملة شعواء ضد أعداء الداخل والخارج، فضاؤها الإنترنت ووقودها تغريدات تسهر على دعم السياسة الخارجية الصينية وحماية مبادئ الحزب الشيوعي ونشر طاقات ايجابية بين المغردين الصينيين.
تبدو لي جينغ الطالبة الجامعية الصينية، ذات الـ21 ربيعا، فتاة متقدة ومغرمة وعاشقة ولهانة، وهي تجلس في أحد مقاهي شنغهاي القديمة. غير أن هذه الطالبة في جامعة شانغهاي ليست مغرمة بنجم من نجوم السينما ولا عارض أزياء ولا حتى زميل في الجامعة، وإنما شخص آخر تماما، حيث تقول «في السابق كنت معجبة بالممثلين والمطربين، ولكن خطف قلبي الآن الوزير وونغ ي، إنه يبدو أكثر رجولة في مواجهة الكوريين الجنوبيين».

لقد انتقدت الدبلوماسية الصينية سيئول عدة مرات وبلهجة حادة، آخرها في الثامن من مارس، حين سمحت للبنتاغون بنشر درع صاروخي على شبه الجزيرة المحاذية. وتوعد وزير الخارجية الصيني بأن تدفع كوريا الجنوبية تداعيات خطئها. وتحاول الصين الانتقام سياسيا واقتصاديا من رابع اقتصاد آسيوي لثنيها عن استقبال رادارات الدرع الصاروخي. ويرى جيش التحرير الشعبي أن هذا الفعل هو تدخل سافر، ويضع قوتها على تنفيذ اي هجمة ذرية في خطر.
وتعد هذه القضية الجيواستراتيجية مهمة جدا بالنسبة لتشي جين بينغ الذي بسط نفوذه في قلب آسيا، واحتج على سيادة الولايات المتحدة على المحيط الهادئ.
وأمام كل هذه التطورات، بإمكان الرئيس الصيني أن يعتمد على تحركات جيش ثان، هو جيش الكتروني بمقدوره أن يساعده على الفوز على مباراة القرن أمام دونالد ترامب. ويتعلق الامر بـ«الزهور الصغيرة»، وهي فرقة من المدونين الشباب والشابات والوطنيين والوطنيات، مثل لي جينغ أو فويانغ، الذين يدافعون عبر الشبكة العنكبوتية على الخطوط الحمراء للحزب الشيوعي، ويواجهون ما يصفونهم بـ «الاعداء» في الداخل أو في الخارج، بما فيها القوى المنافسة للصين. إنها قوة ضاربة افتراضية تتميز بحماسة كبيرة ويحركها شعور وطني وفخر بالصين، تشبه إلى حد كبير الحرس الأحمر في عصر الديجيتال.
وقد دفعت الرئيسة التايوانية تساي إينغوين في مايو 2016 الثمن، حين تم إغراق صفحتها على فيسبوك بعشرات الآلاف من المنشورات المنددة بفوزها تحت لواء حزب الاستقلاليين، وتقول لي جينغ التي كانت تعتزم المشاركة في هذه الهجمة إن هذا الأمر سمح بنقل الرسالة إلى الشعب التايواني. والمفارقة التاريخية هو أن ما كان ينقصها هو نظام يسمح لها بالالتفاف على الرقابة الصينية، حتى تتمكن من دخول فيسبوك الممنوع في الصين، مثله مثل تويتر. وتضيف لي جينغ «أنا مستعدة للمشاركة في المستقبل في هجمات ضد شخصيات مهمة. فالناس في تايوان وهونغ كونغ ليسوا على اطلاع حقيقي بما يجري في الصين، لأنهم لا يقرأون سوى الصحف الأجنبية التي تنتقد الصين، ولا يطلعون على الصحف الرسمية».

جيش ظل
ويقود هذه القوة الضاربة قادة وزعماء، وكأنها جيش في الظل، وعلاقاتها مع الحزب لا تزال مبهمة، وفي هذا الشان تكشف لي جينغ «انها منظمة جدا، نحن مقسمون الى عدة مجموعات، نتلقى وثائق محضرة مسبقا، فيما يمنع علينا أن نشتم أحدا».
في عام 2016، هددت «الزهور الصغيرة» شركة لانكوم بمقاطعة منتجاتها بعد أن اختارت نجمة من هونغ كونغ شاركت في تظاهرات مؤيدة للديموقراطية في المستعمرة البريطانية السابقة. وانتهت الماركة الفرنسية إلى التنازل لهذه الهبة الوطنية، واستبعدت النجمة دنيس هو. وبفضل منشوراتهم تمكن هؤلاء المدونون أيضا من مهاجمة حساب الانستغرام التابع لليدي غاغا بعد لقائها مع الدلاي لاما.
وتقول لي جينغ إن ويبو أي تويتر الصيني هو ما حمسني واثار وطنيتي، كما أن بعض التعليقات ضد وطني هي ما أغضبني.
على صفحتها على ويبو، تظهر على بروفايلها صورة باندا وفيديوهات لرسومات متحركة تروي معاناة وآلام الصين من القوى الاستعمارية خلال المعاهدات غير المتكافئة. ويشكل محو هذا الإذلال التاريخي مفتاح النهضة الاقتصادية والتاريخية التي وعد بها تشي، واختصرها شعار «الحلم الصيني» للقائد الاقوى منذ دانغ زياوبينغ.

دعم إعلامي
هذا الجيل الجديد من «الوطنيين» تتحدث عنه دوما وسائل الاعلام الرسمية مثل يومية الشعب، صحيفة الحزب الحاكم التي كتبت عنه «الزهور الصغيرة هي جيل يثق في نفسه، ولأنه استفاد من سياسة الاصلاح والانفتاح والتصحيح في الصين التي أصبحت ثاني قوة اقتصادية عالمية، فانه يتماهى مع النظام الوطني ويحتقر النماذج الغربية وفخور بنجاح بلاده، ويحب نشر الطاقات الإيجابية على الانترنت».
وأما حسابات ويبو التابعة للرابطة الشيوعية للشباب، فهي الأكثر متابعة من قبل مشتركيها الذين تتراوح أعمار 56 في المئة منهم ما بين 18 و24 عاما، وغالبيتهم من الفتيات.
وأما الموضوعات المفضلة لهذه المنتديات، فهي التبت وهونغ كونغ وتايوان وبحر الصين، وهي مواضيع جدلية بين العملاق الصيني وجيرانه، وفي احدى التغريدات نرى جيانجيا كونغ كانغ تتوجه بالحديث للرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي «بائع موز ومانغا جافة يرغب في سرقة بحر الصين الجنوبي؟ شاهد نفسك في المرآة أولا». وحين قضت المحكمة الدولية في لاهاي بان المطالب الصينية بشان هذه المياه غير مؤسسة، كتبت لي جينع أن الغرب اشترى الحكم، وأن على الصين أن تفرض نفسها بشكل كبير على الصعيد العسكري والاقتصادي امام دونالد ترامب.

قادة مُقنّعون
هذه الهبة الالكترونية الوطنية التي يقودها قادة رأي مُقنّعون، مثل سويت بوتاتو باندا الذي يتابعه 5 ملايين متابع، ووصف هذا الثلاثيني الذي يرفض الكشف عن اسمه، وصف نفسه في مقابلة مع صحيفة لوفيغارو بـ«قائد الوطنيين الصغار»، واضاف «هذا الجيل يرى العالم واقفا، لأن الصين ليس لديها ما تحسد عليه الغرب، عكس اسلافنا في سنوات 1950 و1960، الذين ولدوا في بلد يعاني من التخلف».
ويستهدف هؤلاء القادة المقنعون ايضا ما يسمى بالغونغزي، وهم المثقفون الليبراليون الذين ينددون بالانغلاق الإيديولوجي للنظام، وفي هذا الشأن يضيف سويت بوتاتو «يعتقد هؤلاء ان الاوروبيين متحضرون، والصينيين بربر، أنا أذكر هنا فيكتور هوغو الذي كان يقول هناك عصابتان الأولى فرنسا والثانية تسمى انكلترا».
وبالنسبة لهذا الشاب، فإن الصين على الطريق الصحيح بفضل تشي جين بينغ.
لكن حجم هذه الموجة الجديدة داخل الراي العام وعلاقاتها مع أجهزة الدعاية لا تزال تثير الجدل، فبعض المختصين في علم الاجتماع يتحدثون عن حضور قوي في المدن الاكثر تطورا في البلاد، ويقول شين زيندويو، وهو استاذ في جامعة هانغزو الذي يرى ان اطلاق اسم الحرس الاحمر الجديد على هذا الجيل مبالغ فيه «يدفع الاكتئاب بعض الشباب الى اللجوء الى الانترنت من اجل اثبات انفسهم».
ورغم ذلك توافر منصة مثل ويبو مجالا كبيرا لهذه الفئة التي باتت تنشر وتروج لمواقفها الوطنية بسرعة لتصبح بمنزلة سلاح جديد بيد النظام الذي طالما استخدم القومية خلال الازمات الدولية، مثلما حدث خلال التظاهرات المعادية لليابان في 2012، بعد ان أممت طوكيو الجزر التي تطالب الصين بها.
وفي كل هذه الحركية التي تشهدها الشبكة العنكبوتية في الصين، لا يزال الحزب الحاكم كتوما بشان هذه القوة التي غالبا ما تدافع عن المواقف الرسمية للحكومة، وفي هذا الشان يقول ماثيو دوشاتال مدير المعهد الاوروبي للشؤون الخارجية «لطالما راقب النظام الحركات الوطنية. يمكن ان تعتمد السلطة على هؤلاء المدونين الذين وثقوا في تشي جين بينغ» قائد عرف كيف يستجيب لكل الطموحات على حد تعبير سويت بوتاتو باندا.

¶ لوفيغارو ¶

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى