المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار عربية

سفارتان أميركيتان في القدس الغربية والشرقية

القدس أرض مقدسة دينياً ودنيوياً. فقد ورد في التلمود أن «الله وهب الأرض عشرة معايير للجمال منها تسعة للقدس». ومع ذلك، يبدو في بعض الأحيان، كما لو أن الله وضع للعالم عشرة معايير للمعاناة وجعل تسعة منها للقدس. وأطلق عالم الجغرافيا العربي في العصور الوسطى، شمس الدين المقدسي، على المدينة المقدسة، بأنها «وعاء ذهبي مليء بالعقارب».
وزعم الرئيس دونالد ترامب، انه باعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، والبدء في اجراءات نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، فإنه يقوم بتكريم الديموقراطية الإسرائيلية. وقال إن ما قام به ببساطة، هو اعتراف بالواقع؛ وإنه ما يزال يسعى إلى تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولكن هذه الخطوة في الواقع، هي اشبه بلدغة عقرب سامة.

ليس بالأمر العادي أن تكون لإسرائيل عاصمة لا يعترف بقية العالم بها. فليست لأية دولة سفارة في القدس. هذه الغرابة هي نتاج التاريخ. فبعد عام 1947، عندما صوتت الأمم المتحدة على تقسيم فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني آنذاك، أعلنت القدس مدينة دولية، فلا هي جزء من الدولة اليهودية ولا الدولة العربية. ولكن بعد حرب 1948 تقاسمت إسرائيل والأردن المدينة وبعد عقدين من الزمن، في حرب عام 1967، استولت إسرائيل على القدس الشرقية وضمتها. وقد منح السكان العرب وضعا خاصا، ولكن مشاريع البناء والسياسات السكانية، وأخيرا، الجدار الفاصل الأمني عزز وجود اليهود في «عاصمتهم الأبدية الموحدة». وبموجب اتفاقات اوسلو التي ابرمت عام 1993 والتي اسفرت عن اقامة سلطة فلسطينية مستقلة، اصبحت القدس الشرقية احدى «قضايا الوضع النهائي» التي ستحل في سلام دائم بين اسرائيل والفلسطينيين.

تفكير جديد
وكان الكونغرس الاميركي قد دعا إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وكثيرا ما وعد المرشحون الرئاسيون بذلك. ولكن حينما يتولون منصب الرئاسة، كانوا دائما يجدون المبررات لإرجاء اتخاذ هذه الخطوة. لكن يزعم ترامب أن لديه « فكرا جديدا جدا» حيال الشرق الأوسط. وقال: «أعتقد أن مسار العمل هذا يحقق المصلحة العليا للولايات المتحدة والسعي لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين». ولكن الواقع انه لن يخدم مصالح الولايات المتحدة ولا تحقيق السلام.
وقبل كل شيء، تعتبر هذه الخطوة اعترافاً بالفشل. فالرئيس ترامب يؤثر في نتائج «الاتفاق النهائي» للسلام الإسرائيلي – الفلسطيني الذي يدعي أنه يسعى إلى تحقيقه. لقد منح إسرائيل جائزة الاعتراف من دون الحصول على أي شيء في المقابل، ولم يذكر حق الفلسطينيين في إقامة دولة. وأدى ذلك إلى إضعاف نفوذه في أي محادثات سلام وزعزع ادعاء أميركا بأنها وسيط نزيه بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وثانياً، فإن ترامب أضعف موقف الرئيس الفلسطيني الضعيف أصلاً محمود عباس، كما أضعف مواقف جميع الذين يزعمون أن الطموحات الفلسطينية يمكن تلبيتها من خلال المفاوضات بدلاً من العنف. ثالثاً، أحرج الحلفاء العرب، وجعل من الصعب عليهم التحرك نحو تحالف فعلي مع إسرائيل لمواجهة توسع نفوذ إيران في الشرق الأوسط.

تعجيل يوم القيامة
ربما يحسب ترامب أن الأنظمة العربية منشغلة بأزمات ولن تعبأ بالموضوع الفلسطيني، وأن الفلسطينيين منقسمون وعاجزون عن فعل الكثير حيال ذلك. وحتى مع احتمال نجاح إسرائيل في احتواء أي اضطرابات فلسطينية، فإن ترامب يجازف بإثارة أعمال عنف في مناطق مختلفة من العالم.
لقد حاول ترامب الإيحاء بأن الولايات المتحدة ستقبل أي اتفاق مستقبلي بشأن القدس بين إسرائيل والفلسطينيين. وفي الواقع، فإن الولايات المتحدة، شأنها في ذلك شأن معظم الدول الأخرى، تعامل القدس على أنها عاصمة إسرائيل. ويجتمع الدبلوماسيون والسياسيون – بمن فيهم الرؤساء – بشكل روتيني مع الوزراء الإسرائيليين، في القدس، ولكن إذا كان الاعتراف لا يضيف شيئاً من الناحية العملية، فلماذا يهتم به ترامب كثيراً؟
الجواب لا علاقة له بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ولكن له علاقة وثيقة بالسياسة الداخلية. فقد كان ترامب يكافح من أجل تنفيذ وعوده بسبب المعارضة التي يواجهها في الكونغرس ومن المحاكم الفدرالية، ولكن على مستوى خارجي، أوفى ترامب بوعد انتخابي لم يف به أي من الرؤساء السابقين. ذلك الوعد الذي قد يساعده بوجود قاعدة انتخابية معجبة بإسرائيل ولا تحب العرب، فضلاً عن أن كثيراً من الإنجيليين يعتقدون بأن تجمع اليهود في فلسطين سيعجل بقيام الساعة.
وربما من الأفضل لو نصح أحدهم ترامب بعدم الاقتراب من القدس على الإطلاق، وكان ينبغي تركها لتكون بمنزلة التاج في أي اتفاق سلام النهائي، ولكن إذا كان لا بد من هزّ الأمور، فقد كان يتعيّن على ترامب فتح سفارتين، إحداهما في القدس الغربية (لإسرائيل)، والأخرى في القدس الشرقية (لفلسطين)، التي يجب أن يعترف بها أيضاً. بحيث تكون للولايات المتحدة سفارتان في دولتين ولشعبين. هذا هو التفكير الجديد حقاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى