المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

الافتراضي

4 أسباب تمنع اندلاع الانتفاضة الثالثة

اندلعت التظاهرات العنيفة في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة بعد اعتراف الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لاسرائيل. وصادف يوم 9 ديسمبر، الذكرى السنوية الـ 30 لاندلاع الانتفاضة الأولى.
في ذلك اليوم من عام 1987، اندلعت اعمال شغب في الاراضي المحتلة بعد مقتل اربعة من سكان مخيم جباليا للاجئين في قطاع غزة في حادث سير، وبعد أن سرت إشاعات بأن الحادث كان متعمّدا، مما أدى الى تأجيج المشاعر اثناء تشييعهم، كما انفجرت الاشتباكات بسرعة، بين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية، في جباليا ثم في كل مناطق غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
واستمرت الانتفاضة قرابة ست سنوات، وانتهت رسميا بالتوقيع على اتفاقات أوسلو في عام 1993.

عند النظر الى الامر بأثر رجعي، نجد ان الانتفاضة الأولى كانت تنتظر الشرارة لكي تنفجر. لقد أراد الفلسطينيون في تلك المرحلة، بعد مرور أكثر من 20 عاما على اندلاع حرب الأيام الستة، أن يثبتوا لأنفسهم وللإسرائيليين ولبقية العالم أنهم لم يكونوا مستعدين لمواصلة الجلوس من دون ان يفعلوا شيئا، في الوقت الذي عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على محو الخط الأخضر وبناء المستوطنات، الأمر الذي يُضعف احتمالات قيام دولة فلسطينية مستقلة.

صحوة عفوية
لقد كانت تلك الهبة صحوة عفوية نجحت في نهاية المطاف في إعادة رسم حدود ما قبل عام 1967 ووضع القضية الفلسطينية على الاجندة العالمية. وقد استغرق الأمر من المنظمات الفلسطينية القائمة ــــ منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل التابعة لها ــــ عدة أشهر للسيطرة على الوضع، بما في ذلك حركة حماس الوليدة التي أصبحت المنافس الإسلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
أما الانتفاضة الثانية فكانت مسألة مختلفة تماماً. فكان لها عناصر عفوية و«شعبية» في البداية، اثر اقتحام زعيم المعارضة آنذاك أرييل شارون المسجد الأقصى. ولكن منذ مراحلها المبكرة، كان لها أسلوب أكثر تنظيما، حيث تنافست الجماعات شبه العسكرية للسلطة الفلسطينية و«حماس» ومنظمات أخرى مع بعضها للقيام بهجمات مسلحة على الجنود الإسرائيليين وتنفيذ عمليات تفجير ضد المدنيين داخل الخط الأخضر.
وبعد سبع سنوات من بدء عملية أوسلو، كانت الانتفاضة الثانية محاولة من الفلسطينيين لتحقيق مكاسب لم يستطيعوا تحقيقها من خلال الدبلوماسية.
وبحلول عام 2005، مع وفاة ياسر عرفات واستُبدل به محمود عباس المعارض للعنف، توقّفت الانتفاضة. وتبع ذلك انسحاب إسرائيل من قطاع غزة وتفكيك مستوطناتها هناك، لكن سياسيا ظل الفلسطينيون منقسمين: «حماس» تحكم غزة، والسلطة الفلسطينية تحكم في الضفة الغربية، مناطق متقطعة الأوصال ويفصلها جدار الفصل العنصري عن مدينة القدس.
وقد توقّع كثيرون على مدى السنوات الــ 12 التي تلت ذلك، اندلاع انتفاضة ثالثة، لكن ذلك لم يحدث. ومع اندلاع كل موجة جديدة من العنف، كان هناك من يتوقع اندلاع انتفاضة كاملة في أعقابها.

انتفاضة السكاكين
وقد شنّت اسرائيل أربع حروب على غزة خلال هذه الفترة، أسفرت عن مقتل آلاف الفلسطينيين. لكن العنف لم ينتقل الى الضفة الغربية والقدس.
وفي شهر سبتمبر 2015، بدأت موجة من عمليات الطعن، والصدم بالسيارات، وإطلاق النار في القدس الشرقية والضفة الغربية، وبشكل يومي، وفي حين أطلق عليها البعض «انتفاضة السكاكين»، ظلت عبارة عن عمليات فردية ثم تراجعت بعد ستة أشهر ولم تتحوّل الى انتفاضة على نطاق واسع.
وفي شهر يوليو، انطلق أسبوع من الاحتجاجات الواسعة النطاق على الترتيبات الأمنية الإسرائيلية عند مداخل المسجد الأقصى، لكنها توقفت بسرعة بعد تراجع إسرائيل عن نصب البوابات الالكترونية.
وفي حين انه من السابق لأوانه إجراء أي تقييمات محددة، يبدو أن الموجة الأخيرة من الاحتجاجات ليست الانتفاضة الثالثة التي طال انتظارها. وفي حين ان هذه الجولة من العنف لم تنته بعد، الا ان من المرجح أن تتراجع مرة أخرى في غضون أيام قليلة.
هناك أربعة عوامل رئيسة غائبة عن المشهد الفلسطيني اليوم، والتي من دونها من الصعب أن نرى انتفاضة أخرى تندلع في الاراضي الفلسطينية، أولها: أن عباس ليس ياسر عرفات.
ثانياً: المصالح المشتركة للتجمّعات الفلسطينية المحتلة الثلاثة

أجندات مختلفة
في الحالتين، اندلعت الانتفاضة في وقت واحد تقريبا بين التجمعات الفلسطينية الثلاثة التي تعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي (الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية). وفي الوقت الراهن، هذه التجمّعات ليست فقط منقسمة على نطاق غير مسبوق، بل لديها أجندات مختلفة أيضا.
ففي غزة، ينتظر الفلسطينيون بفارغ الصبر تنفيذ المصالحة بين «فتح» و«حماس»، التي من المؤمل ان تؤدي الى تخفيف الحصار عن غزة وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي يحتاجه قطاع غزة بصورة ماسة.
وفي الضفة الغربية، الوضع الاقتصادي أقل سوءًا والناس أكثر اهتماما سياسيا بمستقبل السلطة الفلسطينية المشلولة. لكن «فتح» هنا تركز أكثر على الحفاظ على التنسيق الأمني مع إسرائيل، مما يساعد على إبعاد «حماس» وإبقاء الرئيس عباس في السلطة.
وربما يكون الفلسطينيون في القدس الشرقية أكثر استعدادا للمواجهة مع إسرائيل. ولكنهم، وهم يتأملون في مستقبلهم المنظور تحت السيطرة المدنية الإسرائيلية، بدأوا في استكشاف أساليب أقل عنفا للعصيان المدني سعيا إلى المساواة في الحقوق مع سكان القدس.
ثالثاً: قرار القيادة الفلسطينية باحراق السفن
السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحركة حماس في قطاع غزة لا يسعون إلى دعم جولة جديدة من العنف الشامل. وما زالوا يشعرون بأن لديهم الكثير مما يخسرونه من الفوضى. «حماس» تدعو إلى الانتفاضة، ولكن فقط في الضفة الغربية والقدس، حيث ليس لديهم أي سيطرة. لكن الانتفاضة في الضفة الغربية ستعني تقريبا نهاية السلطة الفلسطينية ــــ وعندما نجد ان عشرات الآلاف من المسؤولين وموظفي الأمن يعتمدون على السلطة الفلسطينية، من أجل كسب رزقهم، فان ذلك يعني وجود مصلحة ثابتة لمواصلة التنسيق مع إسرائيل والحفاظ على الهدوء.

تشديد قواعد الاشتباك
في عام 1987، لم تكن هناك قيادة محلية مقبولة كان لديها ما تكسبه من الإبقاء على الوضع الراهن. وفي عام 2000، اتخذ عرفات قرارا بالمقامرة بأن إسرائيل لن تجرؤ على تفكيك السلطة. وأنهى حياته محاصرا في مقر السلطة الفلسطينية في رام الله. لكن عباس ليس مقامراً.
رابعاً: انتهاء الإجهاد الفلسطيني من الحروب
إن ذكرى آلاف القتلى في انتفاضتين وأربعة نزاعات في قطاع غزة تمنع أي تدفق جماعي للغضب إلى الشوارع. بالإضافة إلى ذلك، هناك مشاهد يتابعها الفلسطينيون على شاشات التلفزة للخراب في أجزاء أخرى من العالم العربي، مثل سوريا واليمن. قد يكون هناك مئات من الأفراد الذين يشعرون بدافع حمل سكين أو بندقية محلية الصنع رشاش ومهاجمة الإسرائيليين، ولكن ذلك ليس شعورا مشتركا على مساحات واسعة من المجتمع الفلسطيني. وليس هناك بعد، تجمعات بعشرات الآلاف، ممن هم على استعداد للمخاطرة بحياتهم في انتفاضة يائسة.
وهناك عوامل أخرى تساهم في التقليل من فرص اندلاع الانتفاضة. منها، تشديد الجيش الإسرائيلي لقواعد الاشتباك فى الضفة الغربية والقدس الشرقية، مما خفض عدد الاصابات الخطيرة. وقد ساعد غياب الجنازات الجماعية للشهداء على إخماد النيران.
وبالمثل، فإن سياسة منسّق الأنشطة الحكومية في الأراضي المحتلة بالسماح لأكثر من خمسين الف عامل فلسطيني من الضفة الغربية بالدخول يوميا للعمل في إسرائيل، قد خلق حافزا كبيرا للحفاظ على الهدوء. ويعتمد ما لا يقل عن نصف الأسر في الضفة الغربية، بشكل ما، على الاقتصاد الإسرائيلي، ولا يريدون العودة إلى واقع الانتفاضة عندما استوردت إسرائيل العمال الأجانب ليحلوا محل الفلسطينيين.
هناك كثير من اليأس الفلسطيني والغضب إزاء غياب الاحتمالات للتقدم الدبلوماسي وإنهاء الاحتلال. ولكن هناك أيضا براغماتية سياسية والحاجة لكسب العيش.
وهكذا، فإن ثمن أي انتفاضة جديدة ــــ بالنسبة إلى الغالبية الساحقة من الفلسطينيين ــــ سيكون باهظاً جدّاً.
¶ هآرتس ¶

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى