المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

محطات تأريخية

“فتاة النابالم” تجبر فيسبوك على التراجع عن إزالة صورتها العارية.. و”انتفاضة” ضدَّ صلاحيات مارك المطلقة

قرّرت “فيسبوك” السماح لمستخدميها بمشاركة الصورة الأيقونية لحرب فيتنام والتي تظهر فتاة عارية، بعدما اُتهم مارك زوكربرغ بإساءة استخدام سلطته بعدما فرضت شبكة التواصل الاجتماعي الشهيرة الرقابة على نشر الصورة.

ونشرت أكبر الصحف النرويجية يوم الخميس 8 سبتمبر/أيلول خطاباً مفتوحاً في الصفحة الأولى موجهاً إلى مارك زوكربرغ، منتقدة فيه قرار فيسبوك بفرض الرقابة على الصورة التاريخية التي تظهر ركض كيم فوك صاحبة التسع سنوات هرباً من إحدى هجمات قنابل النابالم، مطالبة الرئيس التنفيذي لفيسبوك بالارتقاء إلى دوره باعتباره “المحرّر الأقوى في العالم”.

فيسبوك دافعت في البداية عن قرارها بإزالة الصورة قائلة “على الرغم من اعترافنا بأيقونية الصورة، إلا أنه من الصعب التفرقة بين السماح بصورة طفل عارٍ في حالة واحدة دون غيرها”.

تراجع عن القرار

الجمعة 9 سبتمبر، وبعدما تعرضت فيسبوك لانتقادات واسعة من وكالات الأنباء وخبراء الإعلام حول العالم، تراجعت إدارة الشبكة عن قرارها، وصرحت في بيانها لصحيفة الغارديان البريطانية “بعد سماعنا لمجتمعنا، أعدنا النظر في كيفية تطبيق مجتمعنا لمعاييره في هذه الحالة. وعلى الرغم من أن صورة طفل عار تنتهك معايير المجتمع في الأغلب، وربما تصنف كمواد إباحية في بلاد أخرى، إلا أنه في هذه الحالة، نحن ندرك تاريخ وأهمية هذه الصورة التي توثق إحدى اللحظات الفارقة في التاريخ”.

وتابع البيان “وبسبب وضعها كصورة أيقونية ذات أهمية تاريخية، فإن قيمة السماح بمشاركتها تفوق قيمة حماية المجتمع عبر إزالتها، لذا قررنا إعادة الصورة على فيسبوك في الأماكن التي نعلم بأنها قد أُزيلت منها”.

كما قالت فيسبوك أيضاً أنها “ستضبط آليات المراجعة للسماح بمشاركة هذه الصورة واستمرارها”. وأضافت الشركة أن الصورة ستكون متاحة للنشر في الأيام المقبلة، معبرة عن رغبتها في “العمل الدائم على تحسين سياساتها للتأكد من حرية التعبير ومن حماية مجتمعنا”.

استياء وجدل

وكان إيسبن إيجيل هانسن، رئيس تحرير Aftenposten قد اتهم زوكربرغ بالنزق في “إساءة استخدام سلطته” على موقع التواصل الاجتماعي الذي أصبح الموزع الرئيسي للأخبار حول العالم.

وكتب “أنا مستاء و أشعر بخيبة الأمل- أو الخوف في الحقيقة- مما توشك على فعله في الدعامة الأساسية لمجتمعنا الديمقراطي”.

iysbniyjylhansn

يرجع الجدل المشتعل إلى قرار فيسبوك بإزالة منشور للكاتب النرويجي توم إيجلاند احتوى على صورة تجسد رعب الحرب، للمصور نيك أوت والتي فازت بجائزة بولتيزر، والتي أظهرت هروب فوك من إحدى الهجمات. ناقش منشور إيغلاند “سبع صور غيرت تاريخ الحرب” وهي الصور التي تنتمي إليها “فتاة النابالم” بالطبع.

اشتعل الجدل في الوقت الذي تصاعدت فيه التوترات بين المؤسسات الإعلامية وبين فيسبوك، الموقع الذي يستخدمه 44% من البالغين الأميركيين للحصول على أخبارهم.

واجهت فيسبوك أيضاً بعض التدقيق والفحص في مايو/أيار الماضي، بعد اكتشاف أن قسمها المعروف باسم “الرائج على الإنترنت” (Trending) يمنع بشكل متعمد مقالات بعض المؤسسات الإعلامية المحافظة. وتواصل زوكربرغ شخصياً مع كبار المحافظين رداً على ذلك.

كما طردت فيسبوك مؤخراً فريق المحررين المسؤولين عن قسم المواضيع الرائجة، واستبدلتهم بخوارزميات سريعاً ما روجت العديد من الأخبار الوهمية والمبتذلة.

إزالة وحجب

وبعد واقعة Aftenposten التي جرت هذا الأسبوع، اتسع نطاق الجدل حول فيسبوك، بعدما أزالت منشوراً لإرنا سولبرج، زعيمة المحافظين في النرويج، التي طالبت بنشر الصورة ودعت الشركة إلى “إعادة النظر في سياستها التحريرية”.

كما أضافت سولبرج أنه “من المؤسف” أن الشركة التكنولوجية تدخلت في صفحة فيسبوك الخاصة بها، في محاولة “لتحرير تاريخنا المشترك” كما قالت.

وتابعت “أتمنى أن يملك أطفال اليوم الفرصة للتعلم من الحوادث والأخطاء التاريخية. هذا مهم” مضيفة أن المنشور اختفى بينما كانت على متن الطائرة.

وحين اشتكى إيجلاند من الرقابة، علقت الشركة حساب فيسبوك الخاص به.

انتقادات

أما فوك، التي تعيش حالياً في كندا مع زوجها وطفليها، فأضافت المزيد من الضغط عبر بيانها القوي الذي جاء فيه “أحزنني التركيز على عري الصورة التاريخية أكثر من الرسالة القوية التي تنقلها. أنا أدعم الصورة التوثيقية التي التقطها نيك أوت باعتبارها لحظة حقيقة استطاعت أن تلتقط رعب الحرب وآثارها على الضحايا الأبرياء”.

كما كتب هانسن في خطابه المفتوح “أنت تقيد مساحتي في ممارسة مسؤوليتي التحريرية. هذا ما تفعله أنت وموظفوك في هذه الحالة”.

مستطرداً “أعتقد أنك تسيء استخدام سلطتك، وأجد أنه من الصعب أن أؤمن بأنك قد فكرت في هذا القرار ملياً”.

ووضع هانسن الصورة على الصفحة الافتتاحية لصحيفة Aftenposten. كما استشهد بجورج أورويل في الافتتاحية المشهورة لروايته “مزرعة الحيوان” والتي قال فيها أنه إذا كانت الحرية تعني أي شيء، فهي تعني “حق إخبار الناس بما لا يريدون سماعه”.

كما تابع نقده اللاذع قائلاً “على كل محرر أن يزن إيجابيات وسلبيات (النشر). ويجب ألا يُقوَض هذا الحق والمسؤولية الواقعة على أكتاف محرري العالم عن طريق خوارزميات شُفرت في مكتبك بكاليفورنيا”.

“انتفاضة مصغّرة”

وبحلول الجمعة، شهد الإنترنت انتفاضة مصغرة، شملت تحدي مستخدمي فيسبوك الذين شاركوا الصورة في مواجهة الرقابة. استخدم حوالي 180 ألف شخص فيسبوك لرؤية ما نشرته الغارديان بنفس الصورة ، بينما شاركها حوالي 4000 آخرين عبر فيسبوك.

وفي بيان الجمعة، صرحت فيسبوك بأنها ستتواصل مع الناشرين لمناقشة هذا الأمر.

لم تكن سولبرج هي السياسية النرويجية الوحيدة التي شاركت في هذا النزاع، فقد قامت نصف حكومتها بمشاركة الصورة، مؤكدين على أهمية حرية التعبير والحاجة إلى الحفاظ على الذاكرة التاريخية.

ليست المرة الأولى

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تجد فيها شركة التواصل الاجتماعي الأشهر- التي يبلغ عدد مستخدميها حوالي 1.65 مليار شخص- نفسها في الطرف الخاسر من الجدال حول حرية التعبير. ففي عام 2008، تسببت الشركة في ثورة عارمة للأمهات المرضعات بعد منعها للصور التي تظهر الحلمات. وقالت فيسبوك أن هدفها بسيط: منع الإباحية والإساءة.

واقترح آخرون، من ضمنهم هانسن، طريقة لدفع الأمر قدماً، ودفع فيسبوك لتغيير قوانينها على المحتوى بحسب المنطقة. قائلاً أنه يجب “التفرقة بين المحررين ومستخدمي فيسبوك الآخرين”، مضيفاً “لا يمكن للمحررين تحملك كرئيس تحرير يا مارك”.

في الوقت نفسه كان رد فعل نشطاء حرية التعبير صريحاً. إذ وصفت جودي جينسبرج، المديرة التنفيذية لمؤسسة Index On Censorship سلوك فيسبوك قبل تراجعها بأنه “أحمق تماماَ”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى