المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

إيمانويل ماكرون: قصة رجل «مستعجل»!

كان يحلم بأن يصبح كاتبا، فانتخب رئيسا للجمهورية، لذلك يبدو ما حصل مع إيمانويل ماكرون، أقرب لرواية اكتملت أركانها ووقعائها. إنها قصة مستشار ملك، انتبه لعجز سيده، فقرر من دون أن يدرك، أن يكون مكانه على رأس قصر الإليزيه. لقد كان وحيدا ضد الجميع، لكنه تمكن شيئا فشيئا من اجتياز كل الحواجز التي كانت منصوبة على طريقه. إنها قصة غير متوقعة، بل إنها أسطورة بدأ إيمانويل بتجسيدها، إلى غاية مساء ذلك الاحد الذي ألقى فيه اول خطاب له، كثامن رئيس للجمهورية الفرنسية، لم يتجاوز بعد التاسعة والثلاثين من عمره، في سابقة لم تشهدها فرنسا قط.
في مارس الماضي، قال إيمانويل ماكرون إن هناك لحظات يتسارع فيها التاريخ بشكل كبير، وإنه يعتقد أن الفرنسيين يعيشون ذلك. وأضاف «لقد كانت السنوات الخمس الأخيرة حافلة بالاعتداءات الإرهابية، وبتسارع وتيرة الانتقال على الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي، وفي مثل هذه الظروف وكل شيء يتسارع، فإن مشوارا مثل مشواري ليس مستحيلا».
وإيمانويل ماكرون ليس مغفلا كما أن الظروف ليست وحدها التي قادته إلى هنا، بدءا من قصة دخوله المعترك السياسي. لقد بدأ كل شيء بالفضيحة السياسية التي حبكها وزير الاقتصاد أرنو مونتبور خلال العيد التقليدي السنوي للورود، الذي نظم في فرانجين بريس. ففي ذلك اليوم انتقد وزير الاقتصاد مع بونوا هامون السياسة الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس فرنسوا هولاند، ما دفع هذا الأخير إلى اتخاذ قرار ابعاد وزراء من الحكومة واعتماد تعديل وزاري.
في تلك اللحظة كان ايمانويل ماكرون يقضي إجازة في منزله الثاني في توكي، لقد كان يركب دراجته حين رن هاتفه، وكان فرنسوا هولاند الذي اقترح عليه منصب وزير الاقتصاد.
لم يطرح ماكرون على هولاند سوى سؤال واحد، الا وهو: هل استطيع إجراء تعديل، فاجاب الرئيس بنعم، وهكذا قبل ماكرون باول منصب وزاري في حياته من دون ان يخبر احدا بمن فيهم زوجته بريجيت.

قدر آخر
تعد علاقة ماكرون بزوجته بريجيت التي تكبره بـ24 عاما ضرورية لفهم عزيمة إيمانويل ماكرون والمكانة والدور الذي تقوم به بريجيت إلى جانبه أيضا. ما إن اجتاز ايمانويل فترة المراهقة، حتى واجه برفقتها كل شيء بما فيها الإشاعات والسخرية اللاذعة، لكن شدة الحملة الانتخابية وتداعياتها والاخبار المزيفة جعلتهما أحيانا يضحكان، وإن كان ذلك أحيانا فوق طاقتهما، وتقول بريجيب ماكرون «كل ذلك اجتزناه بذلك النفس حتى نقلل ونذلل مصاعب الحملة الانتخابية».
لم تكن بريجيت تنتظر على الإطلاق أن تجد نفسها في قصر الإليزيه بعد أن أعطت موافقتها لزوجها حتى يصبح وزيرا للاقتصاد. أصبح إيمانويل ماكرون وزيرا للاقتصاد، وهكذا تغير فجأة قدره، وهو من كان قد استعد لحياة أخرى، فقبل شهر واحد كان لا يزال سكرتيرا عاما بالنيابة لقصر الإليزيه، لكن بلا أفق، ففرنسوا هولاند رفض التوقيع على الميزانية التي اقترحها عليه لإدارة الامانة العامة للرئاسة.
لقد كان يافعا جدا، ولا يملك الكافي من الخبرة والتجربة، ولا يعرف الكثير عن كواليس الحزب الاشتراكي، حين تم تعيينه في الحكومة، وأما هولاند الذي كان يغرق في أزمة في ذلك الصيف من عام 2014، فقد وجد نفسه يعيّن مصرفيا سابقا في بنك روتشيلد على راس وزارة الاقتصاد، ما عزز وتيرة الهجوم عليه في الحزب الاشتراكي.
يرى ماكرون أن المال هو شكل من أشكال الشر المطلق، لكنه يعترف بأنه جنى الكثير منه، لكن هدفه الوحيد وفق اصدقائه هو أن يشتري حريته، وألا يعتمد على أي حزب سياسي ليعيش.
قبل ايمانويل ماكرون، كان جورج بومبيدو قد عمل في مصرف كذلك، ونجح في الوصول إلى رئاسة فرنسا، ورغم ان كل المؤشرات لم تكن تؤكد ان ماكرون سيصبح رئيسا، فإن جاك أتالي أكد أنه يملك مقومات رئيس.

ماكينة قراءة
وعكس جميع الرؤساء السابقين تقريبا، لم يزعم إيمانويل ماكرون أبدا أنه تمنى ان يصبح رئيسا منذ الطفولة. لقد كان يقرأ كثيرا وهو طفل، أكثر من تفكيره في أن يصبح رئيسا، بسبب تأثير جدته فيه، وكانت معلمة قديمة، يقضي عندها اجازة نهاية الاسبوع اثناء عمل والديه الطبيبين.
لم يكن لإيمانويل ماكرون سوى هدف واحد في حياته، الا وهو ألا يكون في الهامش. لقد اقتنص الفرص مثلما كانت تتواتر عليه، بدءا من الادب ثم المسرح والفلسفة فالاقتصاد والمالية والسياسة.. وفي كل مرة كان يطلق فيها مشروعا، كان يسهر على أن يعزل نفسه في نشاط معين، لقد حافظ دوما على مخرج يقله الى عالم آخر. لكن إيمانويل نادم على شيء واحد هو فشله في دخول مدرسة الأساتذة العليا التي تعد مركز الدراسات الأدبية والمكان الافضل لصناعة كاتب، لكن الحياة وفق ماكرون خلاقة، لدرجة انها قادته الى الإليزيه.

أضواء وإعلام
زادت شعبية ماكرون بعد توليه منصب وزير الاقتصاد بسبب علاقته مع بريجيت ماكرون، ثم استفاد من الجمعية الوطنية، حيث كان يدافع يوميا على ما سمي بقانون ماكرون وسياسة تحرير الاقتصاد.
لكن في بداية 2015 استشعر وزير الإقتصاد اللحظة المناسبة، فالرجل الجديد، بات يستقطب الأضواء ويزعج زملاءه الاشتراكيين، وعلى الخصوص رئيس الوزراء مانويل فالس، رغم أن الأخير، كان في البداية يرى في هذا الشاب، رجلا واعدا، لكنه بمرور الوقت استشسعر أنه ينافسه، وبدأ يزحف ليسيطر على ميدانه.
كان إيمانويل ماكرون يبدو الشيء الجديد الوحيد في ولاية هولاند الرئاسية، وفي خضم اشتداد التنافس بين ماكرون وفالس، لم يتدخل الرئيس، وقد بلغ هذا التنافس اوجه، حين استخدم رئيس الحكومة المادة 49-3 لتمرير قانون ماكرون في الجمعية الوطنية، وهكذا ومن دون تصويت، اعتقد الوزير أنه نال الاغلبية بتمرير هذا القانون الذي يهدف الى انعاش الاقتصاد، لكنه واجه احتجاجات شعبية كبيرة.
كان هذا القانون هو جواز السفر الذي استخدمه ماكرون للانتقال الى عالم السياسة، وقد قضى أياما وليالي، على مدى عام كامل وهو يحاول محاججة النواب واقناعهم بضرورة تطبيقه. كان ماكرون يتحكم في الجوانب التقنية من القانون، وكان واثقا جدا في قدراته، وأما نظرته ومواهبه في الحديث فقد عززت حضوره أيضا في وسائل الإعلام، غير أن تلويح مانويل فالس باستخدام المادة 49-3 أثر فيه جدا.
يعتبر ماكرون اليوم أن لجوء فالس لاستخدام هذه المادة، كان بمنزلة هجمة سياسية، لكنها كانت ضرورة في مشواره السياسي، فهي من كشفت طموحه للترشح لمنصب الرئيس، وقد اشار الى ذلك صراحة في خطاب الترشح الذي القاه في نهاية نوفمبر 2016.

الانطلاقة
وهكذا أطلق ماكرون حملته الانتخابية التي تبدو منطقية بعد عام 2016 الذي شهد صعودا غير مسبوق لنجمه، حيث شهدت هذه السنة تأسيسه حركته السياسية (إلى الامام)، واستقالته من الحكومة في نهاية اغسطس بعد عامين من تعيينه، ليعلن في16 نوفمبر 2016 رسميا نيته الترشح للرئاسة.
كان ذلك بالنسبة لإمانويل ماكرون رهانا قد يخسر او ينجح، لكن الطريق كانت ملغمة بالعراقيل والحواجز، بدءا من اتهامه بخيانة مانويل فالس والرئيس هولاند الذي مكنه من اقتحام السياسة، وأيضا من الفوز بالانتخابات بعد ان قاد حملة انتخابية ضد سياسته.
لقد انتخب إيمانويل ماكرون على أنقاض حالة من الفوضى دفعته لاستغلال اكبر حزبين سياسيين في بناء استراتيجيته.. كان ماكرون قد قال لمجلة لونوفيل اوبسارفاتور في فبراير الماضي «لتكون مرشحا للرئاسة، يجب ان يكون لك نظرة وستايل، والأمر كذلك بالنسبة للكاتب، حيث يجب ان يكون له ستايل ونظرة»، لقد انتهت رواية الانتصارات التي كتبها وجسدها ماكرون، لتبدأ فترة رئاسته الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى