المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

غرائب و منوعات

الاحتفاء بالفشل قد يقود إلى نجاح

هناك أكاديمي أعرفه يحظى باحترام كبير، يكن تقديرا واحتراما كبيرين لاحد معاونيه. وجود هذا الزميل لا يقدر بثمن ليس بسبب ابداعه أو فكره، كما يقول لي صديقي البروفيسور، بل  لأنه «على استعداد ليقول لي إنني مخطئ عندما أكون على خطأ، وهذا نادر الحدوث». وربما الأكثر ندرة حتى هو ممارسة البحث عن زملاء يقدمون لك انتقادا صريحا. أنا بالتأكيد لا أكون مسرورا عندما يقال لي إننى مخطئ. ويبدو أنني لست الوحيد في هذا الأمر. اذ أظهرت ورقة عمل نشرت مؤخرا أعدها بول غرين وفرانشيسكا جينو من جامعة هارفرد، وبرادلي ستاتس من جامعة نورث كارولينا، عن  كيفية تجنب الناس للانتقادات.

واثار نوع معين من الانتقادات اهتمام الباحثين تمثل في أن يعتقد المرء أنه يقوم بعمل جيد، ليأتي أحدهم بعد ذلك ويقول له إنه ليس كذلك. غرين وجينو وستاتس بحثوا في البيانات من عملية الانتقادات والتعليقات الداخلية في شركة متوسطة الحجم على مدى عدة سنوات. واستطاعوا اظهار أنه عند وصول ردود الفعل المنتقدة، يتجنب عندها الموظف التواصل مع الأشخاص الذين قدموا له تعليقات غير مرحب بها.
وهو عكس سلوك صديقي البروفيسور تماما، لكنه، كما أعتقد، رد فعل نموذجي جدا. فنحن لا نحب أن يقول لنا الناس أننا فشلنا.
المفارقة هي أن ردود الفعل المنتقدة هي ردود الفعل الأكثر فائدة. فاذا ارتكبت أخطاء جسيمة، بينما أنا غارق في فقاعة الرضا عن النفس، سأكون حتما في حاجة ماسة الى شخص ما ليشرح لي بأن ما أفعله خطأ. لكن ما أحتاجه وما يسرني هما، بالطبع، أمران مختلفان تماما.
في زوايا معينة من عالم الأعمال، أصبح من المألوف التحدث بصراحة عن الفشل، وربما يقول البعض «الاحتفاء بالفشل» رغم عدم دقة الوصف. فاجراء العمليات الجراحية الفاشلة أو التسبب بحادث مروري قاتل ليست بالأمور التي يحتفى بها، بل ينبغي أن تناقش وتحلل والتعلم منها.
الطريقة الأكثر وضوحا للقيام بذلك هي من خلال التشريح: فقد كل شيء أو فشل المشروع، أو موت المريض، لذلك دعونا على الأقل نحاول أن نقوم بأداء أفضل في المرة القادمة. الا أن الأقل ايلاما من ذلك هو فكرة عالم النفس غاري كلاين المتمثلة في «ما قبل الفشل». قبل الفشل هي عملية يحاول من خلالها المرء تخيل سيناريوهات فشل المشروع. مثل هذه السيناريوهات قد تشجع على التفكير بطرق بسيطة لمنع وقوع كارثة.

التعلم من تجارب الآخرين
بدلا من ذلك، يمكن للمرء أن يحاول أن يتعلم من أخطاء الآخرين بدلا من أخطائه فقط. في عام 2009، وجدت كاس فيليبس، وهي من القيمين على تنظيم المؤتمرات ومقرها سان فرانسيسكو، نفسها غريبة وسط مؤتمرات وادي السيليكون المملوءة بمؤسسيين يتحدثون ويصفون بحماس نجاحاتهم المبهرة. بدأت في اقامة مؤتمرات بديلة تحت عنوان «Fail con»، حيث يأتي الناس للتحدث عن فشلهم. وكانت هذه التجربة، في نواح كثيرة، غنية بمعلومات هائلة ومفيدة للحضور.
توقفت فيليبس الآن عن تنظيم المؤتمرات التي تتحدث عن الفشل، وذلك كما تقول لانتفاء حالة الاستعجال، «فالانترنت مملوء بقصص ما بعد الفشل». لكن الفكرة الأساسية سليمة وتنتشر. فعلى سبيل المثال، كتاب جديد من تأليف خبراء التنمية الاقتصادية دين كارلان ويعقوب ابيل «الفشل في الميدان»، هو مجرد قائمة لكل الأخطاء التي ارتكباها أثناء محاولة تقييم المشاريع، ونقاش حول ما قد يفعله الآخرون لتجنب الأخطاء نفسها.
ومع ذلك، فان الخدعة الحقيقية، كما تقول كاس فيليبس، هي معرفة واصلاح خطئك قبل أن يصبح قاتلا. ولكن في حين أن «كيف فشلت وما تعلمت منه» هو موضوع آمن بما فيه الكفاية لعقد مؤتمر أو تأليف كتاب، «النجدة! النجدة! أنا بحاجة الى مساعدة الآن! هي رسالة غير ناضجة».
لذلك تحولت الى آشلي جيد، الرئيسة التنفيذية لشركة «فشل نحو النجاح»، وهي شركة استشارية تساعد المؤسسات في تحويل الفشل الى تجارب أكثر انتاجية. سألتها لماذا يكون من الصعب التعامل مع الفشل في الوقت الحقيقي. تقول إن السبب هو الذعر.
«الفشل يميل الى الدفع بنا الى الاستجابة للضغط النفسي»، كما تقول، والذي يؤدي فورا الى الانكار والاتهامات وجلد الذات والاخفاء أو «أي عدد من ردود الفعل المختلة التي تحد من قدرتنا على التعلم».

3 خطوات
وهذا يعني أن الخطوة الأولى بعد اكتشاف بعض الأخطاء الرئيسية هو أن تأخذ نفسا عميقا، وأن تحاول أن تهدأ. الخطوة الثانية، بحسب ما تقول جيد، هو أن «تكون محترما ولطيفا». تلك  نصيحة جيدة في أي وقت، بطبيعة الحال، ولكن بشكل خاص عندما تكون العواطف متأججة وهناك مشكلة يجب حلها. والخطوة الثالثة هي تحمل بعض المسؤولية الفردية، وأن نسأل أنفسنا «ما الذي  يمكن أن أقوم به شخصيا بشكل مختلف الآن لتجنب هذا النوع من الأمور في المستقبل؟».
في نهاية المطاف، الهدف من كل هذا ليس «الاحتفاء» بالكارثة ولكن جعل الأمور أفضل، عن طريق تحديد واصلاح المشكلة الحالية، اذا كان ذلك ممكنا، ومنع تكرارها. وهذا يعني طرح الأسئلة حول ما هي المشكلة حقا.
عندما حصلت راقصة ومصممة الرقصات تويلا ثارب على انتقادات لاذعة حول عرضها الموسيقي «موفن أوت»، طلبت من زميل تثق به تحويل كومة النقد الى قائمة مرجعية لتحسين الأداء والعرض. نجحت العملية، وفاز العرض المنقح بالعديد من جوائز توني واستمر عرضه فترة طويلة.
ثارب لديها شيء مشترك مع البروفيسور الذي يقدر مساعده الصريح. فكل منهما أدرك أن الانتقادات المدروسة لا يجب تجنبها، وأنه يجب الاحتفاء بالفشل والاستفادة منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى