المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

اقتصاد

«العطاءات الحكومية».. الشيطان يكمن في التفاصيل!

تحتاج المؤسسات العامة وكذلك المؤسسات المملوكة للدولة في أي مكان بالعالم إلى شراء السلع والخدمات من أجل الاضطلاع بمسؤولياتها وواجباتها تجاه المواطنين، ويعتبر بند المشتريات العامة أحد أهم البنود في أي ميزانية حكومية.

وبحسب موقع «أرقام»، فقد شكل هذا البند وحده حوالي 12% من الناتج المحلي الإجمالي و29% من إجمالي الإنفاق الحكومي (4.2 تريليونات يورو) لدى البلدان الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2013.

ولكن في الوقت نفسه، تعد المشتريات العامة أحد أكثر الأنشطة الحكومية تعرضا للفساد، والذي تتفاقم مخاطره بسبب التعقيد الذي تتسم به أحيانا عملية إرساء العطاءات، والتفاعل الوثيق بين الموظفين العموميين والشركات التجارية.

وفي هذا التقرير سنحاول المرور بشكل سريع على طبيعة أنشطة الفساد المرتبطة بالمشتريات العامة من خلال الاستعانة بثلاث دراسات دولية، صادرة عن البنك الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وشركة «برايس ووترهاوس كوبرز»، تناولت هذه الجزئية.

مليارات مهدرة

أشار تقرير الرشوة الأجنبية الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في العام 2014 إلى أن أكثر من نصف قضايا الرشوة الأجنبية مرتبطة بالمشتريات وعقود الخدمات والأشغال العامة.

بحسب التقرير، ارتبط أكثر من ثلثي وقائع الرشوة الأجنبية المتعلقة بالمشتريات والعقود والتراخيص العامة بالقطاعات التالية: الصناعات الاستخراجية والبناء، والنقل، والتخزين، بالإضافة إلى قطاعي المعلومات والاتصالات.

وركز التقرير على التكاليف المباشرة لهذا النوع من الفساد، والتي تشمل فقدان الأموال العامة من خلال سوء تخصيص الموارد المالية للدولة وارتفاع النفقات وانخفاض جودة السلع والخدمات والأشغال العامة.

على الرغم من صعوبة قياس التكلفة الفعلية للفساد بسبب طبيعته الخفية، قدرت المنظمة أن الدولة تخسر عادة ما يتراوح بين 10 و30% من قيمة مشاريع البناء الممولة من قبل القطاع العام، بسبب الفساد وسوء الإدارة.

في الوقت نفسه أشارت «مبادرة الشفافية الدولية في قطاع البناء» إلى أن الخسائر السنوية في قطاع الإنشاءات العالمي المرتبطة بسوء الإدارة والفساد قد تصل إلى حوالي 2.5 تريليون دولار بحلول العام 2020.

أما فيما يتعلق بالتكاليف غير المباشرة، فإن الفساد في المشتريات العامة يؤدي إلى تشوية المنافسة ومحدودية فرص الشركات الصغيرة والمتوسطة في الوصول إلى الأسواق، وكذلك تقليل رغبة المستثمرين الأجانب في المشاركة بالأسواق المحلية.

أشكال الفساد

٭ التعاقد على أشياء غير ضرورية: على سبيل المثال، قد يتم منح شركة عقدا لبناء محطة لمعالجة المياه في منطقة محلية لا تحتاج إلى هذا المرفق، وهو ما يعكس نفوذا سياسيا غير مبرر يهدف إلى استفادة أحد المتعاقدين المحليين.

٭ تقسيم العقود: ويعتبر هذا محاولة متعمدة للحد من المنافسة أو تجنبها تماما، من خلال تقسيم العقود إلى عقود أصغر بغرض التحايل على العتبة القانونية التي تستلزم خضوع العقد للمراجعة.

٭ التلاعب بالإعلانات: من المفترض أن تكون عملية الإعلان عن المناقصات الحكومية شفافة، ولكن كثيرا ما يتم التلاعب بهذه العملية، ولا يتم إبلاغ كل المتعاقدين المحتملين، ومن أجل التغطية على هذه الحقيقة، وقد يقوم المسؤول الحكومي بإصدار إعلانات كاذبة لم تطبع أو طبعت في الصحيفة ولكن نسخة واحدة فقط، بل والأطرف أنه يحدث أحيانا أن يقوم شخص معين بشراء كل النسخ المطبوعة من الصحيفة التي تحتوي على الإعلان.

٭ مواصفات غامضة أو غير واضحة: في بعض الأحيان يتعمد المسؤولون الفاسدون تقديم معلومات خاطئة أو غير كافية حول المناقصة، مما يسمح لهم باستبعاد مقدمي العروض المؤهلين وترسية المناقصة على جهة محددة مسبقا، بل قد يذهبون أحيانا إلى أبعد من ذلك ويسمحون لمقدم العطاء (المفضل من جانبهم) بصياغة المواصفات بنفسه.

٭ معايير وشروط منحازة: الشروط المنحازة هي إحدى الطرق التي تستخدم في توجيه العقود الحكومية ناحية شخص معين.

على سبيل المثال، قد يطلب المسؤول من مقدمي العروض تسليم أثاث في غضون أسبوع واحد من تاريخ فاعلية على العقد في حين أن عملية التصنيع ستستغرق أكثر من 3 أسابيع.

هذا الشرط غالبا لا يستطيع الوفاء به سوى شخص واحد.

٭ تسريب معلومات سرية: قد يسرب المسؤول الحكومي معلومات متعلقة بتقديرات التكاليف والعروض المتنافسة إلى أحد مقدمي العروض وهو ما يمنحه ميزة غير عادلة تمكنه من تكييف وتعديل العرض الخاص به ليضمن حصوله عليه.

٭ التلاعب بعملية تقديم العطاءات: قد يقبل المسؤول الفاسد العروض المقدمة بعد انتهاء المهلة المبينة في وثائق المناقصة من قبل الشخص الذي حصل على معلومات داخلية حول عروض المنافسين، أو يقوم بالعبث بملفات العطاءات من خلال القيام مثلا بحذف بإحدى الأوراق من الملف بغرض استبعاد مقدم العطاء.

٭ تزوير العطاء الفائز: في مرحلة الإعلان عن العطاء الفائز تستخدم تكتيكات مختلفة لتوجيه المناقصة نحو شخص معين.

على سبيل المثال، السعر الذي يقرؤه المسؤول بصوت عال ليعلنه كسعر فائز، قد لا يكون هو ذاته السعر الذي عرضه الشخص الذي تمت ترسية المناقصة عليه.

بعد الإعلان يقومون بتعديل الملف وكتابة السعر الجديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى