المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

اقتصاد

الهاشل: قطاعنا المصرفي الأقوى

أكد محافظ بنك الكويت المركزي د. محمد الهاشل أن قيادة صاحب السمو حققت لهذا الوطن خلال عقد من الزمن نظاماً مالياً من بين الأقوى والأكثر أماناً واستقراراً على مستوى المنطقة، ونظاماً مصرفياً مزدوجاً يحفّز ازدهار البنوك الإسلامية والتقليدية سواء بسواء.
وأضاف خلال كلمته في المؤتمر أن البنك المركزي أدرك أهمية وضع المعايير الدولية واعتمادها، بما يراعي خصوصيات الصناعة المالية الإسلامية، وأهمية الدور الذي تقوم به هيئات معايير المالية الإسلامية لتطوير صناعة مالية إسلامية تتمتع بالحصافة وتتحلى بالشفافية، ومن هنا كان بنك الكويت المركزي أحد التسعة المؤسسين لمجلس الخدمات المالية الإسلامية عام 2002، واليوم نعتز كل الاعتزاز بالنجاح الذي أحرزه المجلس، إذ بلغ عدد أعضائه اليوم 185 عضواً، منهم 75 هيئة تنظيمية ورقابية في 57 دولة.
وأشار إلى أن العالم يواجه اليوم العديد من التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تتطلب تناولاً جماعياً، وما تقلبات الأسواق ومحدودية التنوع الاقتصادي ونقص التكافل الاجتماعي والفقر والبطالة إلا بعض ما تواجهه المجتمعات حول العالم، وإني لأرى جمعنا اليوم يأتلف في وقت تزداد فيه الحاجة إلى مساهمة المالية الإسلامية، التي يمكنها أن تؤدي دوراً مَرْضِيّاً في معالجة تلك القضايا إن استمسكت بالمبادئ السامية النابعة من ديننا الحنيف، وإن راعت متطلبات الحوكمة المؤسسية الرشيدة.

الصناعة في الكويت
وتطرق المحافظ إلى تطور الصناعة المالية الإسلامية في الكويت، قائلاً: إن الغرسة التي غرسها رواد هذه الصناعة في الكويت أورقت وآتت أكلها، والتيار الذي سبحوا ضده ذات يوم أصبح اليوم مواتياً ودافعاً.
وأشار إلى أن الصناعة المالية الإسلامية التي بدأت في الكويت بفرع واحد يعمل فيه 4 أفراد عام 1978 نمت حتى صارت تشكّل %40 من مجمل القطاع المصرفي في الكويت، وغدت تضم خمسة بنوك إسلامية تبلغ أصولها المجمعة 96 مليار دولار أميركي، ولها 600 فرع يعمل فيها 12 ألف موظف.
وأضاف الهاشل أن العديد من الدول اتبعت النموذج الذي رسمته تجربة الكويت ومثيلاتها من التجارب الناجحة، ونمت المالية الإسلامية على المستوى العالمي خلال العقود الأربعة المنصرمة نموا استثنائيا، إذ تشير أغلب التقديرات إلى أن أصولها بلغت اليوم 2.2 تريليون دولار أميركي، وتوجد اليوم أكثر من عشر دول لديها نظام مصرفي مزدوج (تقليدي وإسلامي) تشكل فيه البنوك الإسلامية ما قيمته %20 من مجمل أصول القطاع المصرفي، بما يعكس أهمية المالية الإسلامية المطردة، بالإضافة إلى 44 دولة قامت حتى اليوم بسن قوانين تنظم المالية الإسلامية لدعم تطورها في تلك الدول.

80 دولة
وقال المحافظ إنه أمام التحديات وغيرها من قضايا الاقتصاد الكلي يتحتم على الأطراف المعنية أن تحشد العزائم لتجابهها، ما دام الوقت مواتيًا والظرف سانحًا، وهنا يتجلى الدور الذي يمكن للمالية الإسلامية أن تنهض به، فإنها من خلال مزاياها العديدة وطرحها الشمولي تستطيع أن تكون قاطرة نمو اقتصادي شامل وأن تسهم بسهم كبير في تعزيز الاستقرار المالي مما يؤول رفاها ويمنا على الواقع الاجتماعي.
وعلى الرغم من النمو المشهود والكبير للمالية الإسلامية على مر العقود الأربعة المنصرمة فإنها ما زالت لا تشكل سوى نحو %2 من حجم الصناعة المالية العالمية، وعلى الرغم من أن أكثر من 80 دولة تطبق بعض أشكال المالية الإسلامية فإنها تبقى محدودة خارج حفنة من الأسواق الرئيسية لهذه الصناعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرقها.
ولكن تبقى الصناعة المالية الإسلامية أطروحة عالمية تتمتع بالشمولية ويمكنها أن تسهم في مجابهة العديد من التحديات التي يواجهها العالم بشرط البناء على المبادئ والقيم الإسلامية والحوكمة المؤسسية والأسس السليمة لإدارة المخاطر، لا سيما في ما يخص التنوع الاقتصادي، إذ يمكن للأدوات المالية الإسلامية أن تسد ثغرا لا يستهان به، فمن أمثلة تلك الأدوات «الصكوك» التي تستخدم على نطاق واسع لهذا الغرض، ففي الأعوام الأربعة الماضية استخدمتها حكومات أكثر من 19 دولة – مسلمة وغير مسلمة – لجمع 100 مليار دولار أميركي لتمويل العديد من مشاريع البنى التحتية والمبادرات في أفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط، ولا تقف منفعة الصكوك عند حد جمع رؤوس الأموال ولكنها إلى جانب ذلك تساهم في تعميق الأسواق المالية وتطوير الصناعات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأما في ما يخص الاستقرار المالي، فيمكن للمالية الإسلامية أن تترك أثرا إيجابيا على هذا الصعيد، من خلال تقديم أدوات مالية جديدة في إطار ممارسة منضبطة بمعايير الحوكمة الرشيدة وملتزمة بمبادئ الشريعة وقيمها السمحة، من المشاركة في المغنم والمغرم، وارتباط المعاملات المالية بأصول اقتصادية حقيقية، والنأي عن الغرر واجتناب الأدوات المالية الافتراضية واتقاء كل ما يعود بالضرر على المجتمع. وتؤكد ذلك الأثر الإيجابي دراسات عدة صدرت من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وأشارت إلى أن المالية الإسلامية تقوم على نموذج عمليات شمولي ومستقر.

تطور اجتماعي
وقال المحافظ: فيما يخص التطور الاجتماعي، فهذا ميدان آخر تساهم فيه مبادئ المالية الإسلامية وقيمها، فإن أخذنا الشمول المالي مثالا، نجد أن العديد من الدول أقبلت بداية من الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي على تقديم الخدمات المالية الإسلامية لتعزيز الشمول المالي من خلال توفير الخدمات المصرفية للعديد من الأفراد الذين لم يكونوا يتمتعون بتلك الخدمات، وفي السنوات الأخيرة باتت المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تعترف بها صناعةً جوهريةً لمواجهة تحدي الإقصاء المالي حول العالم، وتشير دراسة حديثة قامت بها شركة إرنست آند يونغ حول «المصرفية في الأسواق الناشئة»، إلى أن المنتجات المتوافقة مع الشريعة يمكنها – إن وظفت التقنيات الحديثة – أن تستقطب 150 مليون شخص من غير المشمولين بالخدمات المصرفية، خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ولعل قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أكثر القطاعات استفادة من مزايا المالية الإسلامية، حيث تتفق مبادئها التي أشرت إليها من قبل مع احتياجات هذا القطاع، وهذا ما تدل عليه دراسات العديد من المؤسسات العالمية منها دراسة نشرها البنك الدولي عام 2014 تشير إلى أنه كلما زادت نسبة البنوك الإسلامية للسكان انخفض عدد المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تواجه عوائق في الدخول إلى النظام المالي.

7 تريليونات
وإذا ما أخذنا بالحسبان مزاياها البارزة التي تناولتها، فعلينا أن نسأل أنفسنا ما الأثر العالمي للمالية الإسلامية لو قدر لها أن تصل إلى أقصى إمكانها؟ وللإجابة على هذا السؤال الملح فإن تقديراتنا تشير إلى أنها إن تطورت على المستوى العالمي – وفق أفضل السيناريوهات – يمكن أن تبلغ 7 تريليونات دولار أميركي خلال العقد المقبل. ويعني هذا النمو ــ إن تحقق ــ أن الصناعة المالية الإسلامية ستضاعف حجمها ثلاث مرات كما ستسهم بــ 4 تريليونات دولار أميركي كل عام على المستوى العالمي، بما يعادل %4 من الناتج الإجمالي العالمي، وستوفر 150 مليون فرصة عمل تتوزع على مختلف قطاعات الاقتصاد، ولكن مع كل ذلك ستبقى هذه الصناعة غيضا من فيض الصناعة المالية العالمية ولا تتجاوز %3 منها على وجه التقريب، وعلينا أن نسأل أنفسنا إن كنا راضين أن نبقى على حاشية الصناعة المالية العالمية؟ وهل لدينا رغبة صادقة باجتراح المبادرات اللازمة لإعتاق هذه الصناعة من قيودها وإطلاق طاقاتها.
وأضاف المحافظ أن الصناعة المالية الإسلامية بمقدورها اليوم تقديم طرحٍ ذي قيمة عالمية يلبي حاجة ماسة لدى الحكومات والمؤسسات والأفراد مسلمين كانوا أم غير مسلمين، طرح يقود إلى نمو اقتصادي مستدام وشامل، ورخاء يمد ظله على الجميع، فالمبادئ الأخلاقية التي تقوم عليها هي من المشترك الإنساني الذي لا تختلف عليه الثقافات والأديان.

جهات رقابية
وأضاف أن ثالث الرقابة تمثله الهيئات الدولية للمالية الإسلامية التي تدعم الدور المنوط بالجهات الرقابية، وتنهض بمهمة تحقيق التكامل على المستويين الإقليمي والدولي بين مؤسسات الصناعة المالية الإسلامية. إن مؤسسات مثل مجلس الخدمات المالية الإسلامية، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، والسوق المالية الإسلامية الدولية، ومؤسسة إدارة السيولة المالية الإسلامية، لها أهمية بالغة ودور حيوي في الصناعة المالية العالمية فهي التي تضع المعايير وتسعى لتوحيدها وتطور المنتجات وتقدم الأدوات المالية، وذلك كله يدعم النمو ويشجع التعاون على المستوى العالمي فيزيد ثقة المستهلك في الصناعة، ويعمق جذور المالية الإسلامية عالميا.
وتناول الهاشل الركن الرابع في الرقابة، لافتاً الى أنه لا تكتمل منظومة الصناعة ولا تترجم أطروحتها العالمية إلى واقع، هو المؤسسات المالية الإسلامية التي يتعين عليها ألا تكتفي بتوافق منتجاتها مع أحكام الشريعة فحسب، بل ان تتمثل روح مقاصدها وجوهر مبادئها، فإنها إن تستمسك بذلك تنهض بدور كبير في تحقيق النمو الاقتصادي وتعزيز الشمول المالي ودفع عجلة التطور الاجتماعي.

أصول البنوك الإسلامية
وقال بحسب مسوحات مجلس الخدمات المالية الإسلامية، يتركز حاليا %68 من كل أصول البنوك الإسلامية في منتج المرابحة يتلوها %14 في منتج الإجارة، وأما المنتجات الأخرى مجتمعة فتشكل %18 من كل الأصول المالية.

صناعة مالية
وأشار إلى أن محدودية المنتجات والتركيز على عدد قليل منها، لا سيما أن الكثير من الأصول المعروضة للمرابحة ما هي إلا سلع استهلاكية لا تسهم كثيرا في التنمية الاقتصادية نظرا لطبيعتها.
ويمكن تلافي ذلك بتوظيف المنتجات الأخرى مثل السلم أو الاستصناع وغيرها بدلا من اقتصار التركيز على المرابحة، فهذه المنتجات تسهم في تطوير أصول اقتصادية حقيقية، وسوف يكون لذلك تأثير ملحوظ على الاقتصاد، حيث تظهر تحليلاتنا أن التركيز على هذين المنتجين سيسهم، خلال السنين الخمس المقبلة، في توفير 800 مليار دولار أميركي لتطوير أصول حقيقية تغطي قطاعات اقتصادية حيوية بما فيها الصناعة والإنشاء والزراعة وهي مجالات لها تأثير مضاعف عبر الاقتصاد ككل، وهذه هي المقاصد الحقيقية للمالية الإسلامية التي تسعى إلى إعمار الأرض.

680 مؤسسة
وان مما يبعث على التفاؤل رؤية برامج تأهيل العاملين في المالية الإسلامية وهي تسجل حضورا لافتا في الدول غير المسلمة، مما يدل على القبول العالمي لهذه الصناعة، فمن بين 680 مؤسسة تقدم برامج تتعلق بالصناعة المالية الإسلامية فإن %34 منها في دول غير مسلمة.

أسواق المال
ولكننا إن نظرنا إلى الدور الذي تؤديه المؤسسات الأكاديمية وجدنا وحدة كبيرة بين نظرية المالية الإسلامية وتطبيقاتها، وإن دققنا النظر أكثر ألفينا المؤسسات الأكاديمية مازالت بعيدة عن تأهيل كوادر مهيأة لمزاولة المهنة على الفور، ولذلك على المؤسسات الأكاديمية تسلم خطام القيادة في هذا الشأن وأن تقدم مناهج متكاملة توازن بين نظرية المالية الإسلامية والبرامج المتوافقة مع متطلبات السوق وفي ذات الوقت تحفز الابتكار والقيادة، ولا أدل على هذه الحاجة من دراسة قمنا بها مؤخرا في مجلس الخدمات المالية الإسلامية تفيد بأن %82 من الأسواق المالية الإسلامية تعاني من نقص الكوادر المؤهلة وأن %60 من العاملين في هذا المجال بحاجة لمزيد من التدريب وتطوير المهارات.

ندرة الخبراء
وان من بين التحديات الأبرز التي تواجه هذه الصناعة ندرة العلماء المختصين – وهم من أهم أعمدتها ودعائمها – إذ يتوزعون، وهم قلة، على عدد كبير من الهيئات الشرعية، فإذا نظرنا إلى الصناعة بوجه عام نرى 1075 عالما يتوزعون على عضوية الهيئات الشرعية في 1400 مؤسسة وهذه قسمة متوازنة في ظاهر الأمر، ولكن نظرة أقرب إلى المشهد تكشف غير ذلك، حيث ثمانية منهم يشغلون مناصب في 30 هيئة شرعية مختلفة ولا يقف تحدي الندرة عند هذا الحد، بل يتعداه إلى درجة أن ثلاثة من أولئك الثمانية يشغل كل منهم عضوية 70 هيئة شرعية!
وقال لا غرابة والحال هذه من ركود المنتجات وجمود الابتكار، وانه لمن الضروري أن تتضافر جهود كل الأطراف مع العلماء لتلافي هذه الندرة.

تحديات اقتصادية
وقال الهاشل بالنظر إلى التحديات التي تواجهنا اليوم لا يمكن لأي من هذه الأركان الأربعة أن تفضي وحدها إلى نتيجة ملموسة، إذ لكل من التشريع والرقابة والهيئات والمؤسسات المالية دور مختلف، ولكنه في ذات الوقت تكاملي، فهي مجتمعة تشكل أساسا راسخا لصناعة مالية إسلامية حيوية ومرنة، وهي لذلك شروط مسبقة لنموها الشامل المستدام.
وإننا لمحظوظون بوجود مكونات أركان هذه الصناعة الأربعة معنا اليوم، وكلي ثقة أن النقاشات التي سوف تدور في هذا المؤتمر ستقودنا إلى توصيات قابلة للتطبيق العملي يمكنها أن تحمل المالية الإسلامية إلى العالمية لتقوم بما عليها تجاه استدامة الازدهار والحياة الكريمة ورفاه المجتمعات، شريطة أن نعمل عليها مجتمعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى