المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتةأخبار مجلس الأمة

حتى لا نُغرق سفينة الديموقراطية!

رغم أن لا أحد يمكنه أن يُشكك في أن تقديم الاستجواب حق أصيل كفله الدستور، وأن كثيرا من النواب يدفعهم الحس الإصلاحي لاستخدام حقهم الرقابي، غير أن علينا التوقف عند ظاهرة لم تعد خافية على المتابعين السياسيين، ألا وهي: «زخات» من الاستجوابات ليس هدفها الحفاظ على المال العام، أو محاسبه سرّاقه، انما هي استجوابات نيابية نيابية، الهدف منها احراج نواب او كتلة سياسية أمام قواعدهم الشعبية، والضغط عليهم للاصطفاف ضد الحكومة وافساد تحالفها.
غير أنه في منطقة تُقرع فيها طبول الحرب ليلاً نهاراً، سراً وجهاراً، لا بدّ من التوقف عند تسابق نواب في تقديم هكذا استجوابات، ربما لا يحتاج بعضها إلى أكثر من توجيه سؤال برلماني، متناسين أن ثمة أولويات ومصلحة عليا تقتضي تأجيل أي صدام أو توتير للأجواء بين السلطتين في مثل الظروف التي تعيشها المنطقة.

تصويب نيابي مبكر

مع انطلاق الفصل التشريعي في الخامس عشر من ديسمبر عام 2016، اتضح بجلاء تصويب كثير من النواب باتجاه الحكومة – التي لا ننخرط هنا في الدفاع عنها – وكان هدفهم دغدغة مشاعر الشارع الذي أوصلهم إلى قاعة عبد الله السالم، بعد وعود قطعوها ووثائق وقعوا عليها، وعرائض تبنوها خلال حملاتهم الانتخابية.
هذه المرة، مدت الحكومة، – التي لها سجل حافل بالمناورات والمراوغات مع المجالس السابقة – يدها باتجاه التعاون مع المجلس، حين وعدت بتحقيق بعض المطالب النيابية، لاسيما الملف الأبرز طرحاً والأكثر شعبوية، ألا وهو موضوع إعادة الجناسي لبعض من سُحبت منهم، وجاءت وعود واضحة من وفود برلمانية زارت مراجع عليا واستبشرت بالخير لعودتها، ورغم ذلك، تم تقديم استجواب من قبل النواب وليد الطبطبائي والحميدي السبيعي وعبدالوهاب البابطين في يناير 2017 لوزير الإعلام، وزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان الحمود من عدة محاور، في صدارتها تجاوزات الإعلام وملف الإيقاف الرياضي، وهو الأمر الذي دفع بالحمود لتقديم استقالته في 6 فبراير الماضي.
نحو 10 أشهر مرت على استقالة الحمود، والإيقاف الرياضي ما زال يجثم على صدر الرياضة الكويتية، كما أن تجاوزات الإعلام لم تحل.

محاولات لتلافي الاستجوابات

وفي محاولة منها لتلافي أي استجوابات قادمة، قد تشكل «صداعاً» لأعضاء فيها بمختلف الحقائب التي يحملونها – لا سيما الحقائب السيادية – قامت الحكومة خلال مارس الماضي، بتشكيل لجنة برئاسة المستشار علي الراشد تختص بالنظر في إعادة الجناسي.
وفي الـ 23 من مايو الماضي أعادت الحكومة الجنسية لعبد الله البرغش و6 مواطنين آخرين، فيما تبقى في قائمة المطالب النيابية أسماء كثيرة تنتظر إعادة الجنسية.
أيام قلائل مضت، ليستيقظ مجلس التعاون الخليجي – الذي تعتبر الكويت أحد أعمدته والأعضاء المؤسسين له – على زلزال سياسي غير مسبوق، حين قطعت السعودية والإمارات والبحرين وغيرها من الدول، علاقاتها مع قطر، وطلبت من الدبلوماسيين القطريين مغادرة أراضيها، كما أغلقت المنافذ الجوية والبرية والبحرية مع الدوحة، متهمة إياها بزعزعة استقرارها.
ورغم ذلك الحدث الجلل الذي وصلت أصداؤه إلى واشنطن وباريس ولندن وبكين، تواصل الشد الحكومي – النيابي، في الكويت التي لا تبعد سوى كيلومترات معدودة عن فوهة ذلك البركان.
ومع بداية دور الانعقاد الثاني، في 24 من أكتوبر الماضي، وفي أول جلسة يعقدها مجلس الأمة، ورغم التحذيرات من نيران الإقليم وضرورة التحلي بروح المسؤولية، فقد استجوب النائبان عبد الكريم الكندري ورياض العدساني وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وزير الإعلام بالوكالة الشيخ محمد العبد الله، وتسارعت الأحداث خلال الجلسة بشكل دراماتيكي وقع خلالها أكثر من 25 نائباً على طلب طرح الثقة بالعبد الله، ما دفع الحكومة لتقديم استقالتها في 30 أكتوبر الماضي.

سباق لتحطيم الأرقام القياسية

وفي غمرة التلويح بالاستجوابات، يلاحظ أن التسابق النيابي بتقديم صحف الاستجواب يصور للبعض بأنه تسابق لتحطيم أرقام قياسية جديدة، لا بل أن أحد النواب يُفاخر، بأنه طرف في كل استجواب ينتهي باستقالة الوزير، وغيره كثر يلّوحون بالاستجواب في كل صغيرة وكبيرة.
ويرى مراقبون، أن بعض النواب يتعمّدون تقديم الاستجوابات من أجل إحراج زملاء لهم أمام الشارع، ودفعهم للحاق بركبهم في تقديم الاستجوابات.
ومع ارتفاع مستوى الوعي الشعبي، لم تعد الشعارات «الجوفاء» أو المزايدات تنطلي على الشعب الذي لم يعد يريد غير إنجازات وتسريع عجلة التشريع، لا الاستعراض من خلال منصة الاسجوابات التي أسقطت أكثر من وزير، من دون أن تحل القضايا التي طرح من أجلها، وفي الوقت ذاته يطلب الشعب من الحكومات إنجازاً حقيقياً، خصوصا في مجالات التنمية وخفض معدلات البطالة وتحسين الخدمات.
آخر حلقات مسلسل الاستجواب كانت من «بطولة» النائب النشط رياض العدساني، حين لوح باستجواب غريب، لوزير الداخلية الشيخ خالد الجراح، لا يتعلق بكون الوزير مخالفاً، أو غير مطبيق للقانون، بل بسبب تفعيل الوزير مادة في قانون المرور تجيز حجز المركبات لمن يستخدم الهاتف أثناء القيادة أو لا يربط حزام الأمان.

جرس إنذار

وأمام ذلك كله، لا يمكننا إلا أن نقرع جرس الإنذار للسلطتين، ونقول لهما إن الظروف الإقليمية أكبر من استجواب يمكن تأجيله، او مساءلة وزير بقصد احراج نائب، فصوت طبول الحرب التي لا تخفى على أحد أعلى من صوت نائب يحاول دغدغة مشاعر ناخبيه، وأكثر أهمية من البحث عن أن تكون في صدارة أحاديث الناس عبر مواقع التواصل، أو أن يتصدر «هاشتاغ» يحمل اسمك «تويتر»، وتحصد أنت الريتويت، لكن الوطن يخسر الكثير، لنكن جميعاً على قدر المسؤولية، حتى لا نُغرِق سفينة ديموقراطيتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى