دموع المزارع العجوز

في أقصى وادي الدواسر، جلس “أبو راشد” تحت ظل نخلةٍ وارفة، ينظر إلى عذوق السري والخلاص وهي تتدلى بكبرياء، كأنها تخاطب السماء: ها نحن أثمرنا، أين من يحتفي بنا؟
قضى أبو راشد عمره بين هذه النخيل، يعرف كل سعفةٍ كما يعرف أبناءه، يسقيها من عرق جبينه، ويعطيها من صبره أكثر مما أعطى لنفسه؛ كان يؤمن أن التمر لا يخون صاحبه، وأنه سيأتي اليوم الذي يذوق فيه طعم ثمرة جهده حين يرى محصوله يعانق الأسواق، كما يحدث في المدن الأخرى.
لكن هذا العام كان مختلفاً، لم تُقام مهرجانات، لم تُفتح أسواق كبرى، ولم تأتِ القوافل لتحتفل بثمر وادي الدواسر؛ سمع أبو راشد أن في مدن المملكة الأخرى تُقام مهرجانات تعج بالزوار، يبتسم فيها المزارعون، يتنفسون الفرج، ويجبرون كسر تعبهم؛ أما هنا، فقد بقيت النخيل صامتة، وكأنها تبكي معه.
كان يجلس في الليل يستمع إلى هموم جيرانه من المزارعين؛ قصص كلها تتشابه: ديون متراكمة، تكاليف عمالة ومحروقات وكهرباء، وأملٌ مكسور. لم يعتد أبو راشد أن يذرف دموعه أمام أحد، لكن حين رأى تموره تُباع بأبخس الأثمان في الأسواق الصغيرة، غلبه الحزن، وأدرك أن الخسارة لم تعد في المال فقط، بل في كرامة النخلة نفسها.
رفع رأسه إلى السماء وقال بصوتٍ خاشع: اللهم لا تتركنا، أنت وحدك تعلم أننا زرعنا بصدق، وسقينا بوفاء.
وفي قلبه، ظل يؤمن أن يوماً سيأتي يحمل فيه أبناؤه وأحفاده ثمار هذه النخيل إلى مهرجان يليق بها، مهرجان يرد الاعتبار لوادي الدواسر ومزارعيه، لتعود النخلة باسمة، ويعود المزارع مرفوع الرأس.
حتى ذلك الحين، سيبقى أبو راشد واقفاً بين نخيله، مثلها تماماً: ثابت الجذور، عميق الصبر، منتظر الفرج.
مبارك بن عوض الدوسري
@mawdd3