المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار الكويت

فوزية شويش:ترددت 10 سنوات قبل النشر

 

ماذا لو قيل لطه حسين إننا لا يعوزنا رفيق ليقرأ علينا كتبه، فنحن نصغي إليها على مواقع اليوتيوب والساوند كلاود ممدين في أسرّتنا، أو مسندين الظهر إلى مقعد وثير؟ ماذا لو توافر على عهده حينما منع كتابه «في الشعر الجاهلي» نسخ من «البي دي إف» يطالعها الجمهور عبر أجهزته النقالة؟ الكتاب لم يختفِ كما كان البعض يتخوف، بل تنامت صوره وتعددت، عادات القراءة، العلاقة الحميمة بملمس الكتاب، الشعور بالرهبة أمام مغلفه السميك على رف في مكتبة. ترى كيف هي خبرة الأجيال المختلفة من الكتاب في علاقتها بـ«خير جليس»؟ ماذا قرأوا أول الأمر؟ ما الذي دفع بهم إلى عالمه الساحر وجذبهم ليكونوا ضمن جوقة صانعيه؟ أمس واليوم.. كيف اختلف عالم النشر والعلاقة بالمكتبة الخاصة؟ تلك وغيرها أسئلة نطرحها على أجيال من الكتاب يعكسون بدورهم صورا من تطور العلاقة بالكتاب وبإنتاجه وتلقيه.

فوزية شويش السالم، اسم بارز في الحركة الثقافية الكويتية، تتأرجح كتاباتها بين المسرح والشعر والرواية، بالإضافة إلى كتابة المقال الصحافي، في هذا الحوار تتحدث شويش لـ القبس عن البدايات لرحلة القراءة والكتابة والنشر، وعن رأيها في صراع الشعر والرواية والجوائز الأدبية وأزمة المسرح والنقد.
كيف كانت البداية مع القراءة؟ وما الكتاب الأول الذي كان بوابة الدخول إلى عالم القراءة؟
– بدايتي مع القراءة كانت مبكرة جدا منذ سنوات الدراسة الابتدائية، مع مجلات وكتب الأطفال المصورة، ولعل أشهرها الشخصيات الذكية التي كتبها كبار كتاب مصر ورساميها الذين أبدعوا في رسم صور شخصيات المجلة، مثل محيي اللباد وبهجت عثمان وحجازي وحسين بيكار وعبدالسميع الذين كانت رسوماتهم تمثل عالما سحريا لخيال الطفل الذي كنته، أظن المجلات المخصصة للأطفال هي أهم نافذة معرفية لهم، ولا يمكن أن أنسى تأثير حكاية «أليس في بلاد العجائب» وأظنها أهم حكاية أثرت في وعيي واستثارت خيالي بشدة ولايزال تأثيرها ساكنا فيّ حتى الآن وربما أكتب عنها في يوم ما، بعد ذلك جاءت روايات أرسين لوبين وشارلوك هولمز وأغاثا كريستي وروايات الهلال، وكلها هزت مشاعري وأيقظت سطوة التخييل لدي، ومنها ارتقيت سلالم القراءة.
الكتاب واللوحة
في حياة كل مبدع كتاب (أو عدة كتب) يعتقد أنه الأكثر تأثيرا في مسيرته الإبداعية، ما هذ الكتاب الأكثر تأثيرا في رحلتك الإبداعية؟
– لا استطيع تحديد كتب بعينها أثرت فيّ، بسبب أنني خلال زمن القراءة ذاك لم أكن أكتب، وكان الرسم هو ممارستي اليومية لفترة طويلة من حياتي، لذا ذابت كل تأثيرات الكتب في مجرى نهري الإبداعي، وعندما تحولت إلى الكتابة، بات من الصعب تحديد مصدر المؤثرات التي تأسس عليها وعيي وموهبتي، لكن ربما يكون هناك ذاكرة صغيرة قد تكون آتية من رواية «رامه والتنين» و«الزمن الآخر» للصديق الرائع إدوار الخراط أجد لها صدى مازال يدوي في روحي، وأيضا رواية وليم فولكنر «الصخب والعنف»، وإن كانت كلها لم تنعكس على أسلوب كتابتي وشكلها.

الخطوة الأولى
فلننتقل إلى عالم الكتابة والنشر، يقال ان الإصدار الأول هو بوابة العبور إلى عالم الإبداع والنشر وهو خطوة بمنزلة الحلم، كيف جاءت هذه الخطوة الأولى في عالم النشر؟ وهل كانت هناك عقبات في نشر الكتاب الأول؟
– عندما فكرت في النشر بعد تردد طويل قارب الـ10 سنوات، وما يقارب من إنتاج 5 كتب، قررت أن أحمل كتاباتي كلها إلى الكاتب الكبير إدوار الخراط لتقييمها إن كانت صالحة للنشر، برغم نصح الأصدقاء لي بنشرها من دون استشارة أي أحد، ومن هؤلاء الصديق الشاعر الشهيد فايق عبدالجليل، والصديق الشاعر سليمان فليح، والصديق الكاتب طالب الرفاعي، الذي سألني في حال أن إدوار الخراط لم تعجبه النصوص ماذا تفعلين؟ قلت: أمزقها وأبدأ من جديد.
لكن المفاجأة كانت بإعجاب إدوار الخراط بها، وأكثر من ذلك كتابته دراسة مطولة شاملة على كل النصوص التي نشرتها بعد ذلك في 5 كتب، وهو أيضا من أشار علي بطباعتها عند أهم وأعرق ناشر في مصر وقتذاك، وأكثرهم صرامة ودقة في اختيار ما ينشر بـ«دار شرقيات»، وقام بنفسه بمكالمة حسني صاحب الدار وطلب منه التعاون معي، وهكذا في منتهى السهولة بجرة قلم نُشر بحفاوة كبيرة ديواني الأول «إن تغنت القصائد أو انطفأت فهي بي» وحصد كتابات نقدية كثيرة، ثم توالى نشر بقية الكتب.

علامة فارقة
البعض يرى أن الكتاب الأول في حياة المبدع يكون دائما للنسيان وخارج الحسابات، بينما يرى آخرون أن هذا الكتاب الأول هو الذي يحدد هوية المبدع لرحلته مع الإبداع؟ فأي القولين ينطبق عليك؟
– أنا مع الذين كانت كتاباتهم الأولى علامة فارقة في حياتهم ومسيرتهم الإبداعية، سواء كان مردود نجاحها انعكس علي بشكل شخصي، أو على الوسط الثقافي بحيث حدد لي موقعا لشكل وأسلوب كتاباتي محليا وعربيا.
ما الفرق بين النشر في السنوات السابقة حيث كان بشكله التقليدي، والنشر في عالم اليوم حيث تعددت وسائل النشر واصبحت هناك منصات إلكترونية تغني المبدع عن النشر التقليدي أحيانا؟
– النشر الآن بات أكثر سرعة وسهولة، وأصبح بإمكان الجميع النشر من خلال المنصات والمواقع الإلكترونية، وهذه فوائدها كثيرة وكبيرة في تسهيل وتسريع عملية النشر من دون واسطة قبول الناشر لنشر النص، وأيضا هناك مضارها وهي إتاحة النشر للموهوب ولمن لا يمتلك أية موهبة، وضياع المواهب الحقيقية وسط هذا «القرقيعان».

للفكر روح واحدة
المكتبة تلعب دورا كبيرا في حياة المبدع كيف كانت علاقتك بالمكتبة؟ وما أبرز ملامح مكتبتك الخاصة واهم ما تضمه من إصدارات؟
– كان للمكتبة دور كبير في حياتي ومازال، فمنها تشكل وعيي وإدراكي ومعرفتي، ومكتبتي تضم تصنيفات متنوعة تغلب عليها الروايات ثم الشعر والمسرح وكتب الفلسفة والأديان والتاريخ والجغرافيا والسير الذاتية.
كتبت في المسرح ثم الشعر وانتقلت إلى الرواية لماذا هذا الترحال؟ وأي الفنون الثلاثة أقرب إلى روحك؟
– ليس هناك أي اختلاف ما بين هذه الكتابات لأنها تنبع من روح ومجال وصنف فني واحد، أنا لا أرى هناك أي اختلاف في ما بينها واستطيع التنقل بكل سهولة بين أنواعها إن كانت تسمى أنواعا، فالمسرح كتابة والشعر كتابة والرواية كتابة والمقال كتابة، فأين يكون هذا الفرق؟!
لا توجد أية فروق في التنقل بالمجال الواحد، استطيع أن أقول لك هناك فرق بين الكتابة والأعمال التشكيلية وهذا الأمر صحيح تماما، وحينما أعمل في أي عمل تشكيلي فني أتوقف تماما عن الكتابة، لأن عقلي تحول إلى الصورة البصرية وبات كل اهتمامه منصبا على تجميع الصور وتشكيل موادها وتقنياتها التي تختلف تمام الاختلاف عن العملية الكتابية.
لذا لا يستطيع العقل العمل في مادتين مختلفتين في آن واحد، وقد يكون هذا الأمر بالنسبة لي فقط، لأني قادرة على الفصل تماما ما بين عملين مختلفين يتطلبان تركيزا كاملا، كل الكتابات قريبة مني وتعبر عني في حالاتي المختلفة، لكن ربما تكون الرواية هي الأقرب لي.

أزمة المسرح
كانت بدايتك مع الكتابة للمسرح.. فكيف تنظرين إلى وضع المسرح العربي الذي يعاني أزمة نص في الأساس؟ وكيف تقيمين الحركة المسرحية في الكويت؟
– بدايتي كانت مع المسرح التجريبي في عز توهجه، لكن من بعد تراجع الحركة المسرحية توقفت عن الكتابة للمسرح، المسرح يعاني أزمة نصوص إبداعية متواكبة مع حداثة وإبهار الصورة لعصر الإنترنت والقنوات الفضائية المتطورة ذات التقنيات الرهيبة التي تتطلب أن يكون المسرح بمستوى هذه التقنيات العالية جدا، لذا لم تستطع كل المسارح العربية والخليجية مجاراة هذا المستوى الإبهاري الذي يوازي المسرح العالمي، إذن أزمة المسرح في الدول العربية والكويت تتلخص في أزمة نص وقدرات ممثل تتمثل في مرونة جسدية عالية، وتقنيات متطورة وحرية إعلام وفكر.
كون جزء منك شاعرة لماذا توارى الشعر وتراجع دور الشاعر؟ هل الازمة في الشعر أم الشعراء؟
– التي علّت من مقام الصورة على الكتابة الشعرية، باتت متابعة الصورة المتمثلة في أدوات التواصل الاجتماعي (السوشال ميديا) أهم بكثير من الكتابة بكل أشكالها، بما فيها الرواية، التي أنقذها من الموت هو أنها تقدم عالما من صور متخيلة، قادرة على التحول السينمائي بصور متعددة، هذا إلى جانب إمكانية تحولها إلى مسلسلات وفيديو كليب، لم يستطع الشعر أن يقدم عالما تحكمه الصورة مثلما استطاعت الرواية، هذا إلى جانب ضعف النصوص الشعرية الحديثة المتشابهة والمتماثلة والمستنفدة لطاقاتها ومضامينها.

تراجع النقد
النقد العربي يعاني أزمة.. عنوان كبير ودائم في حوارات المثقفين وكتاباتهم في السنوات الأخيرة.. ما أبعاد هذه الأزمة وكيف يتم تجاوزها؟
– النقد الأدبي بالفعل بات يعاني أزمة كبيرة وبات يتراجع وجوده في أغلب الدول العربية المهمة، لم تعد هناك أسماء كبيرة للنقاد كما كان من قبل في مصر ولبنان وسوريا، الآن النقد المتميز بات محصورا في المغرب العربي، وهناك قفزة نقدية إبداعية متميزة بات يُعقد عليها الأمل في عودة النهضة النقدية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى