المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

الافتراضي

لماذا يعشق السياسيون الفرنسيون الكتب؟

لطالما ارتبط كثير من السياسيين الفرنسيين، وبينهم فرانسوا ميتران، ونيكولا ساركوزي، ودومينيك دو فيلبان بعالم المكتبات والكتب، حتى أن عشقهم للكتب كلّف بعضهم ثروات. وفيما فضّل دو فيلبان بيع بعض من مقتنياته، يتشبث البعض الآخر بها، بل ويمضي في اقتناء المزيد، لكن المفاجئ هو أن لا احد من المرشحين للانتخابات الرئاسية المنتظرة في مايو المقبل عبر عن شغفه بالقراءة أو الكتب، بل إن وسائل الاعلام كشفت عشق بعضهم للبزات الفخمة، وآخر صيحات الموضة، مثلما تبين من قصة مرشح اليمين فرانسوا فيون مع المحامي الذي أهداه مجموعة بزات فخمة.

يعرف جميع بائعي المخطوطات في باريس، تاريخ عيد ميلاد الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، والسبب هو أن عددا كبير من أفراد عائلته والمقربين منه من أمثال ماريزا بوريني والدة زوجته كارلا بروني، ومستشارته السابقة في قصر الاليزيه كاترين بيغار، ومحاميه تيري هرزوق، يترددون على هذه المتاجر المتخصصة اياما فقط قبيل تاريخ 28 يناير من كل عام، لشراء مخطوطة لنيكولا.
وأحيانا يتنقل الرئيس الأسبق بنفسه لشراء ما يرغب. إنها نقطة ضعفه الجديدة، ثم يقوم بوضع أجمل القطع في «براويز»، ويعلقها على الجدار على طول الرواق الذي يؤدي إلى مطبخ منزل كارلا في الدائرة الباريسية الرابعة عشرة.
لكن ما الذي يجمعه نيكولا ساركوزي بالتحديد؟
إنه يجمع كل شيء تقريبا، فهو يملك رسالة مخطوطة كتبها هنري الرابع إلى زوجته الايطالية ماري دي ميديشي، لكن غير المتوقع هو أنه يملك ورقة كتبها لينين بخط يده في عام 1917، وتضمنت آخر تعليمات الزعيم البلشفي لعناصر الجيش الأحمر في موسكو، وأيضا قصيدة للشاعر جاك بريفير.
ففي أول حفلة أعياد ميلاد قضاها في قصر الأليزيه، في 2007، أهداه مساعدوه رسالة أصلية كتبها لويس فرديناند سيلين، كما تلقى أيضا نسخة أصلية من كتب ألبير كامو، وهو كاتب آخر يعشق الرئيس الفرنسي السابق كتاباته.
ويقول أمين مكتبة هنري فيني إنه أرسل في عام 2010 كاتالوغا صغيرا لقصر الإليزيه، اقترح فيه وثائق لألبير كامو، ويضيف «لقد فوجئت بتلقي رسالة عليها ترويسة نيكولا ساركوزي رئيس الجمهورية، شكرني خلالها وعبر لي عن حبه للكاتب».
وأما فريديريك كاكاستان، وهو بائع مخطوطات وأحد ورثة دار شارافاي، وهي أقدم مكتبات باريس، فيقول «لقد أحب السياسيون دوما المخطوطات والنسخ النادرة، لأنها تمنحهم فرصة التقرب من الشخصيات الكبرى التي سبقتهم»، ويضيف «روت لي عائلتي بأن عددا كبيرا من النواب والوزراء في الجمهورية الثالثة، كانوا يترددون على المحل».

ميتران عاشق الكتب
كان فرانسوا ميتران عاشقا هو الآخر للكتب، فخلال نصف قرن تقريبا، كان كل أسبوع، سواء كانت السماء تمطر أولا، يمر على مكتبات حي سانسولبيس على أمل اقتناء النسخ الأصلية الفاخرة والغالية والمرقمة. وأما مكتبة لولييه في شارع السين، فقد اقتنى منها ميتران النسخة الكاملة من كتاب بروست «البحث عن الزمن الضائع»، ويقول موظف قديم في دار غاليمار إن صمتا غريبا ومفاجئا كان يخيم على المكان، حين كان رئيس الجمهورية يدخل الى المكتبة، ويقول موظف سابق أيضا في مكتبة أوري «في أحد الايام وبينما كان لا يزال في قصر الإليزيه، اشترى نسخة أصلية من كتاب «علاقات خطيرة» للروائي بيير لاكلوس بقيمة 60 ألف فرنك فرنسي، وقد طلب ان يدفع على مراحل، وعلينا أن نقول إن هذا المبلغ كان في ذلك الوقت ثمن سيارة، ومرات أخرى كان صديقه روجيه باتريس بيلات من يمر في اليوم التالي لدفع المبلغ، ومثل نيكولا ساركوزي، فقد كان أصدقاء ميتران الاثرياء يساهمون معا من أجل شراء هدية عيد ميلاده، وقد اهدوه جزءا كان ينقصه من كتب زولا، علاوة على رسالة مكتوبة بيد الكاتب بقيمة 40 الف فرنك فرنسي.
وما إن تلقى فرانسوا ميتران الهدية في ذلك المساء، حتى كتب بعناية على كل واحدة من محتوياتها الثمينة ملاحظة، فيما اعتنت زوجته دانيال بالتغليف.
ويخفي تردد فرانسوا ميتران على المكتبات شيئا آخر، فقد كانت مكتبات باريس المكان المفضل الذي كان يلتقي فيه بعشيقته آن بينجو التي كانت لا تزال في ذلك الوقت قاصرا. ففي 17 أكتوبر 1963، كان السيناتور الاشتراكي ينتظرها في مكتبة أون في شارع سان جارمان، وقد اهداها في ذلك اليوم طبعة جميلة من كتاب «المنصفون» لألبير كامو.
ويقول فرانسوا ليوتار، وهو عاشق مكتبات أيضا، وكان وزيرا خلال مرحلتي التعايش في فرنسا، إنه يتذكر أنه رآه يقرأ كاتالوغات مكتبة ليزاركاد خلال مجلس الوزراء، ويضيف «حين كنت التقيه على انفراد في الفترة التي كنت فيها وزيرا للدفاع، كان يبدأ حديثه معي دوما بالقول: إذن سيد ليوتار، ماذا قرأت مؤخرا؟
كان السيد ليوتار يقرأ كثيرا، ويملك 7 مكتبات في بيته، ورث بعض محتوياتها عن والده، وبينها مئات الكتب عن جماعة البلياد، وكتب أخرى مهداة من قبل جان بولان.
هذا الشغف بالكتب دفع الوزير السابق الى الانضمام مؤخرا الى لجنة الشرف التابعة للنقابة الفرنسية للمكتبات القديمة والحديثة، وعن ذلك يقول «أنا أصارع، حتى نتجنب غلق مكتبات الحي اللاتيني في باريس، والتي تعتبر أكبر مكان تتركز فيه المكتبات في العالم»، ويقول ليوتار الذي غادر عالم السياسة منذ 20 عاما، لكنه لا يغيب يوما عن عالم المكتبات «أنا اشتري الكتب والشيء الوحيد الذي أعدت بيعه في فترة كنت فيها بحاجة ماسة إلى المال كان مخطوطة قصيدة «لا يوجد حب سعيد»لأرغون وانا نادم كثيرا على ذلك».

تعويذات دوفيلبان
غير أن دومينيك دوفيلبان غير نادم على الإطلاق لأنه باع مجموعته في المزاد العلني، فبعد أن باع مكتبته مقابل مليون يورو، باع رئيس الوزراء الفرنسي الاسبق 542 قطعة استثنائية في دروو في نوفمبر 2013 مقابل 2.9 مليون يورو، كما باع أيضا في المزاد العلني نسخة من كتاب «حالة الإنسان» أهداه أندري مالرو لسيلين مقابل 46 ألف يورو، وقال دومينيك دوفيلبان لمجلة ليكسبرس الفرنسية قبل بيع مقتنياته في 2013 إنه قرر التخفيف منها حتى يهتم بمغامرات أخرى، واضاف «هذه المخطوطات كات بالنسبة لي بمنزلة تمائم أو تعويذات وبقايا رجال أثروا على مر التاريخ والزمان، حيث كنت أشعر من خلالها بنفس ومثالية فرنسا».
ومثل كل عام يزور دومينيك دوفيلبان معرض الكتاب النادر الذي تحتضنه باريس بين 7 و9 ابريل، لكن لا أحد من المرشحين للرئاسة الجدد أبدى استعداده أو رغبته في زيارته، وفق هنري فيني..لا يبدو أن أحدا بينهم يحب الكتب، ولا أحد بينهم أيضا يتلقى مخطوطات ثمينة أو كتبا كهدايا، وإنما بعضهم تلقى بزات فخمة.

■ ليكسبرس ■

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى